قضايا وآراء

جنود فاغنر: المماليك الجدد في روسيا

هاني بشر
يتجاوز دور فاغنر القتال في مناطق الصراع- جيتي
يتجاوز دور فاغنر القتال في مناطق الصراع- جيتي
كلما اتسع النفوذ الجغرافي للدول المركزية الكبرى زادت رغبتها في تمديد نفوذها العسكري، وهو ما يترتب عليه إعادة النظر في طبيعة الجيوش وعمليات التجنيد. وقد لجأت الدولة العباسية إلى استقدام رقيق محاربين من آسيا الوسطى زاد نفوذهم مع الوقت، ومع بداية أفول عهد العباسيين بدأ نجم هؤلاء المحاربين في الظهور من أجل محاولة الحفاظ على الدولة حتى تمكنوا من كثير من مفاصل القرار العسكري والسياسي. والأمر نفسه سارت عليه الدولة الأيوبية، وانتقل هؤلاء الجند من العسكرية إلى السياسة المباشرة بعد أن أوشكت الدولة هذه على الضيا،ع وأسسوا دولتهم الجديدة في التاريخ المعروفة بالدولة المملوكية.

الأمر ذاته يتكرر مع روسيا كدولة مركزية كبيرة، والتي لم تجد أفضل من تجنيد مماليك جدد تحت راية خاصة هي مجموعة فاغنر العسكرية، من أجل مواكبة طموحها العسكري والاستراتيجي في العالم بشكل لا يستطيع معه الجيش الروسي الحالي بتشكيلته أن يقوم به. وقد بدأ الأمر بعد أن أحست روسيا عام 2014 أنها بصدد مواجهة مع الغرب حين تم عزل الرئيس الأوكراني المنتخب فيكتور يانوكوفيتش، المقرب من روسيا، من منصبه بسبب مظاهرات وصفتها المعارضة الأوكرانية بأنها ثورة ووصفتها روسيا ومواليها من الأوكرانيين بأنها انقلاب على رئيس منتخب.

كان يمكن أيضا أن تبقى قوات فاغنر في الظل كما تفعل الشركات الأمريكية الأمنية الخاصة ومنها بلاك ووتر، لكن بسبب احتدام المعارك في أوكرانيا ظهر الخلاف العلني لأول مرة بين قيادة فاغنر والجيش الروسي حين أحست فاغنر أنها تدفع فواتير الحرب كاملة وبالتالي هي الأحق بكثير من الاهتمام والدعم
قامت روسيا لأول مرة بعمليات عسكرية كبرى احتلت بموجبها أراضي دولة أوروبية مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، ووضعت يدها على إقليم دونباس شرق البلاد وشبه جزيرة القرم. كان دور فاغنر هي مساعدة الانفصاليين في شرق أوكرانيا في تأسيس جمهوريتين منفصلتين في منطقتي دونيتسك ولوهانسك. كان يمكن أن يبقى دورها محصورا في هذا الملف لولا التعقيد الذي أصابها مع مرور السنوات، والذي ترافق مع المغامرات العسكرية الروسية في سوريا وأفريقيا وغيرها من الدول واحتياجها لهذا الظهير العسكري الجديد.

وكان يمكن أيضا أن تبقى قوات فاغنر في الظل كما تفعل الشركات الأمريكية الأمنية الخاصة ومنها بلاك ووتر، لكن بسبب احتدام المعارك في أوكرانيا ظهر الخلاف العلني لأول مرة بين قيادة فاغنر والجيش الروسي حين أحست فاغنر أنها تدفع فواتير الحرب كاملة وبالتالي هي الأحق بكثير من الاهتمام والدعم. في التقاليد والعلوم العسكرية يعد هذا خرقا واضحا للهرمية والتراتب العسكري، ويشي بأن الأوامر لا تأتي من قيادة الجيش الروسي وأن فاغنر منضوية تحت قيادة أخرى جرّأتها على قيادة الجيش بهذا الطريقة.

كما يعد هذا دخولا خجولا لقيادة فاغنر على المسار السياسي الروسي المتمحور الآن حول فكرة الرجل الواحد؛ الرئيس المنقذ فلادمير بوتين. فحين تتلاشي الأحزاب ومراكز القوى المعلنة تبرز فورا مراكز القوى غير التقليدية، ويصعد تنافس أروقة القصر إلى العلن.

فاغنر أصبحت مركز قوة كبير في روسيا وهي قوة نووية، ويعني أيضا أنه إن عاجلا أو آجلا سيكون لفاغنر وقيادتها رأي معلن في المسار السياسي والدبلوماسي الروسي
يعني هذا أن فاغنر أصبحت مركز قوة كبير في روسيا وهي قوة نووية، ويعني أيضا أنه إن عاجلا أو آجلا سيكون لفاغنر وقيادتها رأي معلن في المسار السياسي والدبلوماسي الروسي. يعزز من هذا اعترافات زعيم المجموعة يفغيني بريغوزين المعلنة بأنه بالفعل حاول التأثير على انتخابات التجديد النصفي الولايات المتحدة عام 2016، أي أن فاغنر ليست قوات عسكرية تعمل في مناطق الصراع الحربي فقط، ولكن لها مهام سياسية رشح منها موضوع الانتخابات الأمريكية وما خفي أعظم.

هل يعني هذا أن فاغنر يمكن أن تحكم روسيا يوما ما؟ لا يمكن الإجابة بحسم على هذا السؤال، وإنما يمكن بالفعل أن تجد لها مكانا هاما على خريطة الحكم في البلاد الخاوية على عروشها سوى من بوتين فقط؛ سواء في عهده أو في عهد خلفه.

twitter.com/HanyBeshr
التعليقات (0)