قضايا وآراء

جهاز الأمن الوطني.. وكويت تسير في الظلام

عبد العزيز محمد العنجري
يتحدث الكاتب عن ضرورة الاستبصار الاستباقي للتحديات المحتملة والفرص المقبلة- كونا
يتحدث الكاتب عن ضرورة الاستبصار الاستباقي للتحديات المحتملة والفرص المقبلة- كونا
هل الكويت تكره من ينير لها الطريق؟ فقبل نحو 15 عاما، تم إلغاء وزارة التخطيط، التي كان يفترض بها أن تملك الرؤية الأبعد لما يجب أن نكون عليه اقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا وحتى رياضيا، وأن تكون عين الحكومة الصادقة في تقييم الحاضر ورصد المستقبل. وبدون تقديم أية مبررات في حينها، تم إلغاء الوزارة ليحل محلها جهاز استشاري جديد "منفصل" عن السلطة التنفيذية، فغابت عنا الرؤية الملزمة، والنقد الذاتي في كل المجالات.

واليوم بعد انتشار خبر -عزم الحكومة- على تفكيك جهاز الأمن الوطني، وهو أحد الأجهزة الحساسة التي يفترض حسب مرسوم تشكيلها قبل ربع قرن أن تقوم بـ"ضمان سلامة وأمن الوطن ووضع السياسات الاستراتيجية والبرامج والخطط لتحقيق هذا الغرض"، نطرح تساؤلا، ولا ندري صراحة لمن يفترض ان يتم توجيهه:

انتشار خبر -عزم الحكومة- على تفكيك جهاز الأمن الوطني، وهو أحد الأجهزة الحساسة التي يفترض حسب مرسوم تشكيلها قبل ربع قرن أن تقوم بـ"ضمان سلامة وأمن الوطن ووضع السياسات الاستراتيجية والبرامج والخطط لتحقيق هذا الغرض"
هل أصبحت الكويت دولة تكره سماع الحقيقة وتخشى النُّصح العقلاني والنقد الواقعي ولا ترغب به؟

فما بين زحام التملق والتطبيل السمج، وركام العويل والتهويل الأرعن.. لا زال لدينا مساحة كبيرة في الكويت للعقل.. ولكن الأجواء عندنا بدأت تضيق أكثر وأكثر على العقلاء، الذي انعزل أغلبهم طواعية وهم يرددون "يالله السلامة"!

يبدو لي مما أرى وأسمع، أن هناك سمة متعاظمة النمو منذ التحرير في 1991، وهي غياب الشفافية والصدق والوضوح مع الناس.

فلماذا لا تعلن الحكومة بشكل رسمي عن أسباب ومبررات هذه الخطوة المؤثرة على أمن البلاد -إن صحّت- أو نفيها إن كانت غير ذلك؟

أوَ لسنا الآن في لحظة أحوج ما نكون فيها لمن يرسم لنا معالم الطريق لا سيما على المستوى الأمني والاستراتيجي؟ لماذا الإصرار على البقاء في الظلام..؟

إذا كان جهاز الأمن الوطني بشكله الحالي لا يقوم بمهمته التي أرادها له المؤسسون، فالأولى من إلغائه هو تطويره وإعادة هيكلته أو حتى تغيير القائمين عليه، لأنه ليس منطقيا أن تهدم مدرسة أو جامعة لأن مخرجاتها لم تعجبك، أو كانت أضعف من المأمول!
نريد تراشقا من نوع آخر.. تراشقا أدبيا ثقافيا وعصفا ذهنيا وتناضحا فكريا يستفيد من دينامكية الكويت وشعبها المثقف، ومن ما هو متاح من هامش حريات عال ومتميز؛ لأن أهم أداة تحتاجها الكويت في الوقت الراهن، هو وجود رؤى وطنية مخلصة، تعين على الإدراك السليم والشامل والعميق للواقع المحلي والإقليمي والدولي من خلال أطروحات تمكننا من الاستبصار الاستباقي للتحديات المحتملة والفرص المقبلة

نريد من مسؤولينا أن يفكروا بعقلية التطوير لا بعقلية التدمير. فنحن لا نحتاج جهازا واحدا للأمن الوطني بل نحتاج لأجهزة متعددة، حكومية وخاصة، تثري الكويت فكريا وعلميا وبحثيا لتقدم رؤى مختلفة لكيفية الحفاظ على هذا الوطن. وبدلا من التراشق النيابي الحكومي، نريد تراشقا من نوع آخر.. تراشقا أدبيا ثقافيا وعصفا ذهنيا وتناضحا فكريا يستفيد من دينامكية الكويت وشعبها المثقف، ومن ما هو متاح من هامش حريات عال ومتميز؛ لأن أهم أداة تحتاجها الكويت في الوقت الراهن، هو وجود رؤى وطنية مخلصة، تعين على الإدراك السليم والشامل والعميق للواقع المحلي والإقليمي والدولي من خلال أطروحات تمكننا من الاستبصار الاستباقي للتحديات المحتملة والفرص المقبلة.

من سيرسم لنا سياساتنا واستراتيجياتنا المستقبلية في عالم شديد التقلب؟

إلى متى يكون مستقبل الكويت ومن عليها مقرونا ومرهونا بأفكار لحظية وقرارات شخصية مختبئة بين ضلوع أفراد لهم سلطة؟

أين هي كويت المؤسسات، كويت النظم والقوانين؟

أين الرؤى المرسومة والخطط المكتوبة..؟

باللهجة الكويتية "احنا وين رايحين، وليش؟".

وختاما.. كما يُقال "العلم نور والجهل ظلام". الكويت تواجه تحديات أمنية واقتصادية وسياسية واستراتيجية كبرى وخطيرة لا تجامل، هذه التحديات أطاحت بدول وقد تطيح بدول أخرى، ولا بد من التصدي لها. فظروف 1990، ليست ببعيدة.. وما نراه من حولنا ليست بسُحب صيف، لذلك سنستمر بالسعي في تبيان مكامن الخلل وأوجه القصور بلا تهوين.. فلا زال فينا بعض الأمل.

والله الحافظ والمستعان.

twitter.com/Abdulaziz_anjri
التعليقات (0)