صحافة دولية

موقع يكشف جرائم نظام السيسي التي أخفاها عن قمة المناخ

تحدث التحقيق عن تدمير الجيش المصري لمجتمعات سيناوية وتجريف مئات الآلاف من الفدادين الخضراء وتشريد 120 ألف مصري من رفح
تحدث التحقيق عن تدمير الجيش المصري لمجتمعات سيناوية وتجريف مئات الآلاف من الفدادين الخضراء وتشريد 120 ألف مصري من رفح

نشر موقع "ذي انترسيبت" مقالا للناشطة نعومي كلاين ومحمد رفيع حول فشل الديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي في تبييض سمعته من خلال عقد قمة المناخ، فقد ألقى إضراب الكاتب والناشط علاء عبد الفتاح بظله عليها.

وقالا إن الكثير من الوفود التي تشارك في مؤتمرات المناخ السنوية، مثل المؤتمر الأخير في شرم الشيخ، تذهب إليها كل عام وكأنها طيار آلي. ويقوم أعضاؤها بتحديث عروض "باور بوينت" ويعبئون ملصقات منظماتهم ويشذبون نقاط النقاش التي يريدون التركيز عليها. ثم تأتي بعد ذلك نفس التحذيرات من العلماء والناشطين والحلول الفنية المعدلة قليلا من أصحاب الشركات، ونفس التعهدات والوعود من القادة السياسيين.

وفي كل عام تنخفض التوقعات عما يمكن أن تحققه هذه التجمعات، في وقت يثير ازدحام الطائرات الخاصة للمشاركين السخرية التي تصل إلى مستويات عليا.

وكان مؤتمر المناخ لهذا العام والمعروف بـ"كوب 27" مجرد روتين. ولم يكن المهم محتواه بل موقعه.

فقد نظم في ظل أكثر الأنظمة قمعا في تاريخ مصر الحديث، وفي ظل عبد الفتاح السيسي الذي سيطر على السلطة عام 2013 وظل متمسكا بها عبر سلسلة من الانتخابات المرتبة.

وفي أحسن الظروف يعرف نظام السيسي ببربريته، لكنهم ومثل أي ديكتاتورية، فحكام مصر كانوا في أعلى مستويات التأهب بسبب الانتفاضة الإيرانية، وخافوا أن تكون مثل الربيع العربي الذي قفز فوق الحدود وأطاح بأنظمة. ولعل اللحظة الحالية مواتية لأن الأسعار في ارتفاع مستمر مما خلق جوا غير عادي من العصبية والخوف التي رافقت مؤتمر المناخ.

ولم تحضر أبرز شخصية المؤتمر: علاء عبد الفتاح، أشهر معتقل سياسي في مصر حيث أصبح اسمه رديفا لحركة الديمقراطية عام 2011، وثورة ميدان التحرير التي انتهت بإطاحة نظام حسني مبارك. وحضر اسمه في كل الخطابات تقريبا التي ألقيت في قاعة المؤتمر، وحضرت شقيقته سناء سيف المؤتمر في أسبوعه الأول ورافقتها الصحافة إلى أي مكان ذهبت إليه.

وشوهد المشاركون الشباب وهم يرتدون قمصانا عليها "#FreeAlaa". وفي 10 تشرين الثاني/ نوفمبر ارتدى أعضاء الكثير من الوفود الأبيض وهو لون الزي الذي يرتديه السجناء في مصر ورفعوا يافطات كتب عليها "لا تغيرات مناخية بدون حقوق إنسان ولم نهزم بعد"، في استعارة لعنوان كتاب لعلاء عبد الفتاح الذي صدر هذا العام "لم نهزم بعد"، كل هذا دفع النظام للرد من خلال مظاهرة نظمها بنفسه.

وكان التركيز على علاء عبد الفتاح، الكاتب ومبرمج الكمبيوتر، لأنه وهو الذي قضى معظم سنوات العقد الماضي وراء القضبان، قرر تصعيد إضرابه عن الطعام والتوقف عن شرب الماء والذي جاء وقته مع بداية المؤتمر. وبعمله هذا، فقد كان يحاول أن يجبر النظام على الاختيار بين أمرين: الإفراج عنه والسماح له بالهجرة إلى بريطانيا التي يحمل جنسيتها، أو تركه يموت وسط أهم مؤتمر دولي يعقد في مصر التي يحكمها السيسي.

 ومن المفيد تذكر أن الانتفاضة التي تجري في إيران بدأت بعد وفاة شابة عمرها 22 عاما وهي مهسا أميني. ويبدو أن السيسي حاول القيام بخيار ثالث، ففي 10 تشرين الثاني/نوفمبر، نشرت شقيقة علاء منى سيف على "تويتر" تغريدة قالت فيها: "أخبرنا ضباط السجن الآن أنه تم التدخل الطبي مع علاء وبمعرفة الكيانات القضائية". وتم تفسير هذا على أنه نوع من التغذية الإجبارية والتي تعتبر خرقا لحقوقه الإنسانية كما قالت منظمة هيومان رايتس ووتش.

وفي يوم الاثنين 14 تشرين الثاني/ نوفمبر تلقت والدة علاء رسالة مكتوبة باليد وهي خارج أسوار السجن كتبها علاء وتؤكد أنه حي وحصل على عناية طبية وبدأ بتناول الطعام قبل يومين حسب التاريخ على الملاحظة.

وطوال الوقت صدر من مكتب النائب العام وابل من المزاعم المتناقضة التي تتبجح وبشكل غريب بأن علاء بصحة جيدة وأن عائلته حصلت على تصريح لزيارته، وآخر مرة في 7 تشرين الثاني/نوفمبر، مع أن السلطات منعت أي جهة من زيارته منذ أن قرر تصعيد إضرابه عن الطعام؛ لا عائلته ولا القنصل البريطاني ويواصل النظام تجاهل وضعه وحقوقه كمواطن بريطاني.

وتشير سحابة الانحراف والتضليل الذي يحيط بوضع علاء إلى طريقة أخرى تجعل من مؤتمر المناخ هذا العام مختلفا عن عشرات المؤتمرات السابقة، ذلك أنه من المستحيل الحصول على معلومات موثوقة عن البلد المضيف وما يجري في السجون والشوارع أو المشاريع الملوثة. وهذا لكون مصر دولة بوليسية بـ 60.000 سجين سياسي خلف القضبان، ونظام إعلام يسيطر عليه النظام وبقوة.

ولأن المجتمع المدني في مصر يواجه قمعا شديدا، فلم يستطع معظم نقاد النظام السفر إلى شرم الشيخ، ومن سمح لهم بالمشاركة تعرضوا لتدقيق أمني. ومن تحدث علانية ضد النظام فهو عرضة لمخاطر كبيرة، وتحذر جماعات حقوق الإنسان من قمع شديد حالة انتهى المؤتمر.

 

رقابة شديدة

وراقب نظام السيسي الوفود التي شاركت بالمؤتمر بشكل كثيف، فالتطبيق الذي أعدته الحكومة للمشاركين في القمة وحمله آلاف منهم وصفه خبراء التكنولوجيا بأنه "سلاح إلكتروني" بقدرات رقابة غير عادية.

وتم تركيب 800 تاكسي في شرم الشيخ بكاميرات فيديو وأجهزة تسجيل، وتم فحص هواتف الأشخاص في عدة مدن بطريقة عشوائية.

وحدثت عدة حوادث عن تسجيل وتصوير الوفود المشاركة بشكل دفع الحكومة الألمانية لتقديم شكوى، وقالت وزارة الخارجية الألمانية في بيان: "نتوقع أن يعمل كل المشاركين في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ ويتفاوضون في ظروف آمنة" و"لا ينسحب هذا على ألمانيا بل على كل الوفود وكذا ممثلي المجتمع المدني والإعلام".

وتعني السيطرة الشديدة أن المؤتمر عقد ضمن فقاعة معلومات حاول نظام السيسي وبمساعدة من شركة العلاقات العامة "هيل نولتون" طلاءها بالأخضر.

وفي محاولة لاختراق الفقاعة قام الباحثان بالتعاون مع محامين وصحفيين وناشطين وباحثين على الأرض في مصر بجمع المعلومات التي حاول النظام قمعها.

واستخدم الفريق شبكات شخصية ومحترفة، حيث جمع الكثير من الشهادات والقصص حول كل شيء من مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة في مصر واعتقال ومراقبة المحليين، وأزمة حقوق الإنسان المستمرة في سجون النظام.

وطلبت معظم المصادر عدم الكشف عن هويتها. وكان الباحثان والفريق قادرين على التأكد من صحتها. وهذا بعض ما توصلت إليه الشبكة.

منذ تولي عبد الفتاح السيسي السلطة، قيد نظامه مساحة المعارضة، وزاد قمع الدولة بشكل واضح كل عام وبخاصة عندما تحل ذكرى ثورة 25 يناير.

 

تزايد القمع

إلا أن تقارير وصلت للباحثين قبل وخلال مؤتمر المناخ عن تزايد القمع في كل أنحاء البلد، ووصل في بعض المناطق إلى قمع شامل. وواجه المصريون أكبر عملية قمع لم يروها في حياتهم حيث شملت فحص الهواتف بشكل عشوائي، وإغلاق المدارس والمواصلات والاعتقالات بكبرى المدن المصرية.

وفي شهادة قدمها الموقع تمثل ما يجري يوميا للمئات إن لم يكن الآلاف، قال صاحبها إنه تواعد مع أصحاب له للقاء في ساعة محددة، وكان يأمل بركوب سيارة "أوبر" أو "سكوتر" لكن مجموعة من رجال الشرطة بالزي المدني أوقفوه وأخذوا منه هاتفه وهويته، ونقل مع أصحابه في دورية شرطة حيث ظلت تتوقف عند كل حاجز وتضيف ركابا جددا لهم.

وتوقفوا عند نقطة شرطة مؤقتة. وتركوهم لساعات طويلة، وكان يخشى من فحص رجال الأمن لمنشوراته على "فيسبوك" الذي أوقفه. وبعد نهاية الحجز وإعادة هاتفه وهويته اكتشف أن حسابه على "فيسبوك" تم تفعيله من جديد.

وشهادات كهذه من الصعب التعرف عليها بعد سنوات من القمع وخوف الصحفيين لتناولها.

وقال صحفي إنه بسبب القمع والملاحقات تخيل دقا على باب بيته في منتصف الليل حيث خشي من رجال شرطة بزي مدني خارج بيته، وفكر بمغادرة القاهرة لأسبوع بسبب التقارير عن التوقيف العشوائي والتشديدات الأمنية بسبب مؤتمر المناخ والتظاهرات التي قيل إنها ستعقد ولم يكن يخطط للمشاركة فيها.

ولم تكن مخاوف الصحفي بدون أساس، فقد تم اعتقال عدد من الصحفيين المصريين خلال الأسبوعين الماضيين مثل منال عجرمة ومصطفى موسى وعمر شنين ومحمود سعد دياب وأحمد فائز والذي اعتقل لأنه نشر خبرا بالعربية عن إجبار علاء على قبول التدخل الطبي.

وتلقى الباحثان شهادات من ناشطين يخشون من استمرار القمع بعد تراجع الاهتمام الدولي بمؤتمر المناخ، وقال أحدهم "أخشى أنهم سيأتون بعد مؤتمر المناخ ويعتقلون بقيتنا، وهناك قلة من الناشطين لم يغادروا مصر ولم يعتقلوا، ولا يتعلق الأمر بكوننا مهمين أو ناشطين، ولكن لأنه لم يبق غيرنا للاعتقال".

وقال ناشط مصري في برلين إنه يخشى من الرقابة، حيث أوضح أن المصريين الذين يريدون التظاهر في برلين يلجأون إلى حيل وإخفاء هوياتهم نظرا لمتابعة المخابرات المصرية في العاصمة الألمانية للناشطين وإعداد تقارير عنهم. و"أحيانا نشعر أننا بحاجة لتوديع مصر عندما نقرر المشاركة في أي فعل، وتركنا مصر لكن الخوف مستمر".

 

واقع السجون

وأشار الموقع إلى زيادة الوفيات في السجون المصرية وبخاصة سجن "بدر3" و"النطرون" اللذين يقدمهما النظام على أنهما رمز للنظام الإنساني، فقد سجلت حملة "هاشتاغ حتى آخر واحد" وفاة 47 سجينا على الأقل في المعتقل منذ بداية العام الحالي. وهذه الوفيات تتحدث عن ظروف المعتقلين في مراكز الاعتقال، رغم دعوات الإصلاح والتقدم.

وحدثت آخر الوفيات قبل يوم واحد من مؤتمر المناخ في شرم الشيخ.

وبحسب الحملة "فقد مات علاء السلمي (47 عاما) في معتقل "بدر3" اليوم. وكان السلمي يقضي محكومية سجن مدى الحياة في قضية 610/2014 عندما اعتقل عام 2014".

وكان ثاني سجين يموت في سجن "بدر3" منذ افتتاحه قبل شهر. وقيل إنه مات بعد إضراب طويل عن الطعام احتجاجا على حرمانه من حقوقه الأساسية بما فيها حق الزيارة. وجاء في التحقيق أنه وقبل وصول الوفود الدولية إلى شرم الشيخ، حذرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" من أن "الموضوعات البيئية الأكثر حساسية هي تلك التي تشير لفشل الحكومة بحماية حقوق الناس ضد الأضرار التي تسببت بها مصالح الشركات، بما فيها القضايا المتعلقة بأمن المياه والتلوث الصناعي والضرر البيئي بسبب شركات العقارات والتنمية السياحية والتجارة الزراعية".

ولم تتم مناقشة هذه الموضوعات الحساسة والهامة التي تتسبب بها الدولة في المؤتمر. وذكر الموقع شهادات من باحثين وناشطين في مجال حماية البيئة وتكشف عن تشريد الجيش وقوات الأمن مجتمعات وعبثت بالبيئة.

 

سيناء وتدمير الثروة الزراعية

وفي سيناء التي انعقد فيها مؤتمر المناخ، شرد الجيش المصري على مدى العقد الماضي مجتمعات ودمر البيئة حسب الصحفي محمد صبري: "سيناء: قاعدة مصر وشريان حياة غزة وكابوس إسرائيل".

وقال ناشطو البيئة إن حرب مصر الطويلة في سيناء أدت لتجريف مئات الآلاف من الفدادين الخضراء، وأضرت بالثروة الزراعية المحلية التي أقام السكان البدو حياتهم عليها.

واستمر تدمير الثروة الزراعية هذه وحتى هذا اليوم في منطقة شمال سيناء.

وشردت حرب مصر على الإرهاب قريبا من 120.000 مواطن من قراهم وكل مدينة رفح التاريخية.

وفي وقت انعقاد مؤتمر المناخ أجلت السلطات المصرية مئتين من الذين عادوا إلى بيوتهم المدمرة في سيناء على أمل إعادة بنائها. وما يثير القلق هو التقاطع بين العسكرة والعدالة البيئية فـ"أثر حرب مصر التي مضى عليها عقد ضد الإرهاب في شمال سيناء وضد النساء والأطفال تظل كارثة لا يعرف عنها أحد. والحياة والرفاه الاجتماعي والتعليم لآلاف الأطفال وأمن وصحة آلاف النساء كلها مدمرة، وذلك بعد عمليات إجلاء قسرية ونزوح بدون أي خطة احتواء من السلطات".

وستظل الآثار البيئية لعقد من العمليات العسكرية في المنطقة وتدمير آلاف الفدادين من المناطق الخضراء قائمة وعلى مدى السنين القائمة إلا في حالة قامت السلطات بتقييم وتقديم خطة احتواء.

وأشار الباحثون إلى أن السيسي ومنذ وصوله إلى السلطة عبر عن اهتمام بالبحيرات في شمال مصر. واعتبر البحيرات مصدرا للدخل ومزارع الأسماك. وتم إنشاء العديد من البرامج والتي لم تتم دراستها من ناحية بيئية.

ونظرا لسيطرة الجيش المصري على البحيرات وشواطئ مصر على البحر المتوسط واحتكاره للصيد ومزارع الأسماك فإن المجتمعات المحلية فقدت مصدر رزقها، وأعاقت أيضا أي عملية بحث حول الآثار البيئية. وتقدم الشهادات لقطة عن الواقع في مصر حيث يتم فيها تجريم الصحافة والبحث. كما تكشف أن العلاقة بين الحقوق السياسية والتقدم البيئي وثيقة.


التعليقات (0)