مقالات مختارة

العرب.. ديمقراطية أم أزمة إقامة دولة

عبد العزيز الخاطر
1300x600
1300x600

مخطئ من يعتقد أن هناك نظاما عربيا قائما بذاته، وأعني بالنظام – مؤسسة الحكم – إحدى المشاكل التي نعاني منها هي في غياب النظام أو الأنظمة العربية إذا شئنا التعدد، ما نشهده هو تراكم تاريخي لامتناع السياسة وجدب الفكر جعل من الفرد صانعاً للنظام وممثلاً له وعنه.

بإمكاننا اليوم أن نسمي نظام دولة عربية باسم زعيمها أو رئيسها أو قائدها دونما إدراك منا لما تعنيه كلمة نظام في الحقل السياسي المعاصر الذى نعايشه في حين أننا لم نسمع عن نظام " بوش " أو بلير أو شيراك مثلاً، أن النظام الفعال هو الذى يجعل من الأفراد مجرد مدخلات in-put وليسوا كينونة النظام نفسه، وبالتالي فإن أزمتنا ليست ديمقراطية بقدر ما هي أزمة انقطاع عن العصر وامتناع السياسة بداية ما يسمى بالحكم العضوض في بداية القرون الهجرية، " فالأنظمة العربية " في أحسن صورها عشائرية أو حزبية ضعيفة تستمد وجودها من قوتها في بسط نفوذها واستبعاد أخطار زوالها بشتى السبل والوسائل، فالدولة في المنطقة العربية مقلوبة من الأساس، حيث النظام يشكل الدولة وليست الدولة بمعطياتها وخصوصياتها خالقه للنظام، مع السماح ببعض الفروق الجوهرية بين بلدان وطننا العربي الكبير التي توجد بها الدولة ككيان ولكن الاختناقات تبدو في عدم مرونة وسهولة الحراك الديمقراطي بالرغم من وجود المؤسسات فيها، في حين أن معظم الدول العربية تعاني من وجود الدولة في ظل الفرد وعندما يزول ذلك الظل أو يختفي تبدأ الدولة في تلمس أطرافها من خطر الانهيار والتفكك.


إن النظام الحقيقي هو ذلك الذى يُحيدُ نزعات الفرد الذاتية ويؤطرها داخل إطار المصلحة العامة، حتى تلك الإيجابية منها لابد من مرورها داخل إطار المصلحة العامة وآلياته. ولعلي أسوق مثالاً واحداً لأحد الأنظمة العربية وليس بأسوأها على الإطلاق، لقد حارب السادات عام 73 ضمن إطار المصلحة العامة للأمة والمتمثلة في تحرير الإرادة والتراب العربي المحتل من الغاصب المعتدي وفي ذلك إجماع الأمة يبدو جلياً. وقد سالم السادات عام 77 ضمن ما اعتقده " هو " في إطار المصلحة القومية كذلك فكان تأثير ذلك شديداً على الأمة بأسرها فقد يستطيع الفرد التعبير عن إرادة الأمة في لحظة ما ولكن ليست كل لحظة، فلو كان النظام العربي الذى أعنيه قائماً لكان لكلا الفعلين والموقفين درجة واحدة في التقييم ولأمكن قياس نتائجها بدقة وبحساسية أكبر ويمكن قياس الكثير من الأمور على ذلك، حرب الخليج الأولى والثانية ودخول القوات الأجنبية في المنطقة حتى الموقف من الحرب في أفغانستان، إن حالة الانفصام بين " الأنظمة " والشعوب في منطقتنا العربية سوف تزداد يوماً بعد آخر، وظاهرة الرجوع الى المرجعيات الدينية والأثنية سوف تستمر نتيجة لفشل إقامة دولة النظام المدني الذى يعتمد أسساً جديدة، لقد اثبت التاريخ أنه لا بديل عن الصراع والعنف ومشاريع الحروب الأهلية إلا بنظام يحقق للجميع قدراً من المساواة في الحقوق والواجبات وتقليل مستوى الاستلاب بين طبقات المجتمع إلى الحد الذى يشعر معه الفرد بنوع من الاكتفاء ومزيد من الشعور بالإنسانية. فالأمر كما اعتقد ذو شقين فيما يتعلق بوضعنا الراهن كأمة تنشد النهوض بين الأمم، هناك أزمة ديمقراطية في بعض الدول العربية ذات التراكم التاريخي فيما يتعلق بتراث الدولة والتعددية وهناك حاجة ماسة لإقامة الدولة في مناطق متعددة في أجزاء عالمنا العربي بالوسائل السياسية المتاحة بحيث تصبح هي الأساس (( أي الدولة )) ومواطنها هو عنصر الحراك السياسي والاجتماعي لان الأشكال السياسية التي نراها ليست لها علاقة بالدولة وأن اكتست بحلتها وزينتها، واسألوا رومانيا بعد سقوط " نظام " تشاوشيسكو أو الفليبين بعد سقوط نظام ماركس أو إندونيسيا بعد سقوط نظام سوهارتو لقد دفعت تلك الشعوب ثمناً باهظاً لإقامة الدولة، ويبقى العمل على ترسيخها وتقويتها أمراً من الممكن التعامل معه بمرور الأيام قد لا يحتمل الأمر كل ذلك في منطقتنا العربية، ولكن يبقى مشروع إقامة الدولة في بعض دولنا العربية وتطوير مؤسساتها في بعضها الآخر أمراً لا يحتمل التأجيل.

 

الشرق القطرية 


 
1
التعليقات (1)
التصحيح الديني قبل التصحيح السياسي والاقتصادي
الثلاثاء، 11-10-2022 07:11 م
التصحيح الديني قبل التصحيح السياسي والاقتصادي ان الحقيقة الكبرى التي غفل عنها فقهاء الاسلام قديما وحديثا هي ان الاسلام قد دشّن عصر ما بعد الرسالات، أي عصر صلاحية الانسانية للتشريع لنفسها، وبغير ذلك فان البشرية كانت ستبقى دائما بحاجة الى انبياء جدد. لقد انعزلت أمة العرب عن بقية امم الارض المتحضرة لمئات السنين. وكان من نتائج هذا الانعزال، عجزها شبه التام عن انتاج المعرفة. وكانت الثقافة الدينية الموروثة الخاطئة هي السبب الرئيسي في هذا الانعزال، بسبب التناقضات الكثيرة الموجودة كتب الموروث الديني مع ايات التنزيل الحكيم، مما اثر سلبا في تشكل العقل الجمعي العربي. وكان السبب الرئيسي لذلك التناقض هو قيام ائمة المسلمين الاوائل والمعاصرين)، بنقل اسلوب الحياة الدنيوية للنبي وصحابته، على انه جزء من الدين، واعطوا ذلك صفة القداسة والشموليه والعالميه والابديه. فكان من تنيجة ذلك ان اصبحت المحرمات بين ايدينا بالمئات بل بالالاف بدلا عن اقتصارها على الاربعة عشر محرما المذكورة في كتاب الله. فقول الله تعالى في الاية الكريمه (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ان لا تشركوا به شيئا .... 151/الانعام) يؤكد ان المحرمات محصورة في الايات المذكورة. وأن الله تعالى هو صاحب الحق الوحيد في التحريم. فكل اوامر النبي عليه الصلاة والسلام ونواهيه هي اوامر ونواهي تحمل الصفة المدنيه ضمن نطاق حكمه المدني من مقام النبوه، وهدفها تنظيم الحلال فيما يتعلق بمجتمعه المدني ودولته المدنيه في زمانه فقط، ولا تحمل صفة الشموليه ولا العالمية ولا الابدية، باستثناء ما كان منها يتعلق بشعائر الصلاة والزكاة، حيث امرنا الله تعالى بطاعة الرسول فيهما بشكل منفرد (واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الرسول لعلكم ترحمون). فهل من المقبول بعد ذلك ان يقال ان كل ما قاله واجتهد به العلماء الاوائل والمعاصرون هو من ثوابت الدين؟ وهل كل تفاصيل حياة النبي الدنيوية اليوميه واجتهادات من أتى من بعده من الخلفاء والائمة هي من ثوابت الدين؟ لقد كاد فقهاء الاسلام الاوائل والمعاصرين ان يؤلّهوا رسول الله. وكان من نتائج ذلك أن طغت محورية الحديث النبوي المنقول، على محورية كلام الله تعالى. واصبح ينظر لاحاديث النبي وتشريعاته على انها وحي ثان مواز للتنزيل الحكيم ومطابق له في القدسية، وربما اعلى منه في بعض الاحيان. واستندوا في ذلك على تفسيرهم للاّية الكريمه "وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى". واعتبروا ان تفسيرهم ذلك لهذه الاية هو تفسير نهائي غير قابل للمراجعة ولا للتصحيح، رغم ان هذا التفسير للآّية الكريمة لم يصدر عن النبي، ولم يرد عنه انه قال ان كل ما يقوله هو وحي من الله. ان معظم كتب الموروث الديني ماهي الا صناعه انسانية بحته، بمعنى انها لاتعدو كونها اجتهادات بشرية في حدود ما سمح به السقف المعرفي في العصور الاولى. اما التشريع النبوي الانساني (الصادر من مقام النبوه)، فقد كان ينحصر في تقييد المطلق او اطلاق المقيد ضمن دائرة الحلال الواسعه. فالنبي معصوم عن الخطأ من مقام الرسالة فقط، وليس من مقام النبوة (يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك...) – (ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخره...). ولقد أعطى الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام (وللبشرية من بعده) حق الاجتهاد في التشريع الانساني الدنيوي، دون ان يعطي لذلك الاجتهاد صفة القداسة والشمولية والعالمية والابدية. وكانت تلك هي العلة الكبرى وراء كونه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين (أي لا نبي بعده). والا، فان البشرية كانت ستكون دائما بحاجة الى انبياء جدد. وباعطائه سبحانه وتعالى للبشرية ذلك الحق فقد قضى بان محمدا عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين. لذلك كله، فأن امة العرب والاسلام في حاجة ماسة اليوم الى قراءة جديدة للتنزيل الحكيم كتلك التي قام بها المفكر الكبير د. محمد شحرور، والتي من شأنها احداث ثورة فكرية دينية شاملة، لتتصحيح القناعات المجتمعيه للعقل العربي. نقول ذلك، مع تسليمنا الكامل بأن كل فكر جديد هو خاضع للقبول او الرفض او التصحيح او التخطئة. ولنتذكر دائما بأنه ليس كل رأي او فكر جديد هو دائما قادم من عدو. وعليه، فاني انصح وبشدة، بالاستماع والاطلاع المتعمق على أفكار هذا العبقري الملهم، لأني أرى فيها حقا احياء للأمة من بعد سباتها الطويل.