تقارير

دعد عبد الحي الكيّالي.. من غربتها صاغت "أغاريد الحنين للوطن"

الشاعرة دعد الكيالي من مؤسّسي فرع اتحاد الكتّاب والصفحيين الفلسطينيين في الكويت
الشاعرة دعد الكيالي من مؤسّسي فرع اتحاد الكتّاب والصفحيين الفلسطينيين في الكويت

يستحق المشهد الثقافي الفلسطيني في الكويت أن يولى اهتماماً خاصاً، فهو جانبٌ بارز من جوانب الوجود الفلسطيني في الكويت، ويمكن البحث في جذور هذا الوجود من خلال الثقافة.. حيث إن الوجود هناك لم يبدأ بالعُمّال بعد النكبة، بل بدأ بالمُعلِّمين والمعلمات منذ الثورة الكبرى في فلسطين عام 1936، حين طلبت وزارة المعارف الكويتية من الحاج أمين الحسيني عدداً من المعلمين الذين أسسوا لاحقاً للعملية التعليمية في الكويت، وعلى رأسهم محمد نجم (شقيق زوج فائزة؛ أخت غسان كنفاني)، وكان لهم دور أساسي في إيجاد الأطر الناهضة التي شكلت المجتمع الكويتي الحديث. (راجع كتاب شفيق الغبرا: نشوء الشتات الفلسطيني في الكويت).

ولا تخفى أهمية دور جيل فلسطيني كامل في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، تسلّموا تحرير كبريات الصحف والمجلات الكويتية. هذا الجيل الذي عاد إلى لبنان والأردن وفلسطين على مراحل، بعضهم عاد ليلتحق بالثورة الفلسطينية، وبعضهم عاد متقاعداً، وبعضهم عاد بعد حرب الخليج (فوجئت بأحد جيراني في التجمع الفلسطيني الذي أسكن فيه بلبنان، توفي مؤخراً، أنه كان سكرتير تحرير مجلة العربي).

ومن أهمية هذا الوجود، أن معظم هؤلاء المثقفين أصدروا كتباً وأظهروا دوراً هاماً في الحراك الثقافي في الكويت، بحيث نلحظ وجود عدد كبير من الصحفيين والكتّاب والشعراء، بل إن اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين تشكّل في الكويت عام 1966، بالتوازي مع انطلاق عدد من الفصائل الفلسطينية من هناك.

في الكويت برز من الشعراء والكتّاب والمثقفين الفلسطينيين: خالد الحسن، غسان كنفاني، ناجي العلي، محمد الأسعد، محمد القيسي، سليمان الشيخ، ماجد الشيخ، يحيى برزق، رجا سمرين، إسماعيل شموط، تمام الأكحل، محمد دلبح، أحمد صدقي الدجاني، عبد الله الدنان، خالد أبو خالد، ناجي علوش، ربيحة الدجاني، ليلى السايح، دعد الكيالي، فايزة كنفاني، وغيرهم من الكتاب والشعراء الفلسطينيين، الذين أطلقوا فرع الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين في الكويت.

لم أجد في كتاب د. شفيق الغبرا ما يشفي الغليل الثقافي بهذا الشأن، وقد لا يكون هناك من تناول هذا الملف، وهذا يقتضي منا الإضاءة على الحراك الثقافي الفلسطيني في الكويت، نظراً لما له من أهمية وتأثير على الحراك الثقافي الفلسطيني العام..

في تغريدة على "تويتر" لأمين عام رابطة الأدباء الكويتيين السابق صالح خالد المسباح عن الشاعرة المربية دعد عبد الحي الكيّالي قال إنها حضرت عام 1951 إلى الكويت، وإنها نالت الجنسية الكويتية نظراً لدورها في تسمية "الخليج العربي"، وإنها بعد قرار الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح حين كان رئيساً للجنة التنفيذية العليا عام 1955، يمنع استخدام (الخليج الفارسي) بدلاً من الاسم الصحيح (الخليج العربي)، قابلت الشيخ عبد الله السالم من أجل ذلك، وزوّدها بخطاب للرئيس المصري جمال عبد الناصر حيث قابلته، وقال لها: ارجعي للكويت وستسمعين أخباراً تسرُّك. وتمّ تغيير المسمى في إذاعة صوت القاهرة. وكافأها الأمير بالجنسية الكويتية.

من هي شاعرتنا؟

وُلدت دعد عبد الحي الكيالي في مدينة الرملة حوالي سنة 1930 ونشأت بها (ذكرت بعض المصادر أنها من مواليد 1935، وهو ما لا يتوافق مع تاريخ سيرتها). هي شاعرة وكاتبة وقاصّة وأديبة فلسطينية، حصلت على ليسانس في الأدب الإنجليزي، ودرست العلوم الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ودرست فقه اللغة الإنجليزية والأدب الأمريكي والإنجليزي. فقدت والديها قبل النكبة، ولمع اسمها بعد عام 1948 في عالم الشعر والأدب. نزحت إلى الأردن عملت مدرّسة للغة العربية، ثم الإنجليزية، ثم سافرت إلى العراق في أوائل الخمسينيات، ووصلت إلى الكويت عام 1951 وعملت مدة خمس سنوات بالترجمة في وزارة التربية الكويتية.

هي من مؤسّسي فرع اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين في الكويت. لها نحو عشرين مجموعة شعرية بين مسرحيّات وملاحم، لم يُطبع لها سوى ديوان شعر واحد هو "ولَم تُمطري يا غيوم" عام 1963، ولها أيضاً كتاب نثريّ هو "سكينة الإيمان" عام 1954.

توفيت في الكويت في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006. 

 



نشرت قصائدها وقصصها في الصحف والمجلات العربية، منها "الرسالة" و"البعثة" في القاهرة. واستمرت من الكويت بنشر قصائدها في سلسلة بعنوان "أغاريد الحنين إلى الوطن"، في مجلات: "البعثة" و"الأديب" و"العالم العربي". وأذيعت قصصها وأحاديثها الإذاعية من محطة الشرق الأدنى، وشاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات والمهرجانات الشعرية في بيروت، والقاهرة، وبغداد، والبصرة، والكويت. وحصلت على العديد من الجوائز الأدبية.
 
كتب عنها أحمد عمر شاهين، ومحمد عبد المنعم خفاجي، ورجا سمرين، وكمال فحماوي، وكامل السوافيري في كتبهم التصنيفية لأدباء وشعراء فلسطين.

من شعرها:

فلسطين يا كعبة المشرقين      ..            ويا غُرّة في جبين العَرَب
فلسطين لا عاش من لا يفدّيــ     ..           كِ بالروح، وبالمأملِ المرتقب
مِنَ الأنس، من بسمات الحياة      ..            فِداكِ الأماني، فداكِ النّشُب!!
فلسطين يا مهبط الأنبياء         ..           ومسرى النبيّ، نبي العرب
إذا لم نُعِدْكِ فلسنا بِعُرْبٍ         ..           ولسنا بني الخالدينَ النُّجُب!!
ولسنا الأباةَ ولسنا الكُماةَ         ..            ولسنا الضراغمَ في كل حرب
برئنا من النفس إن لم نثُر         ..            وإن لم نورّث جميع الحطب
وإن لم نُثرها ضروساً طحوناً     ..             تُفجَّر راقصةً باللهب
برِئنا من النَّفس إن لم نكن       ..            طليعة من جاهدوا بالعرب!
فإن لم نكن نحن فرسانها       ..           فَمَن ذا يُحارب مَن ذا يَذُبّ؟
عن الحقِّ والحرماتِ وَعَن         ..           ديارٍ مقدسةٍ في الكُتُب
برئنا من النَّفس إن لم نكُن       ..           طلائعَها فاشهدي يا حِقب
وخطّي مواقعنا بمدادٍ           ..            من النورِ، من خالصات الذهب
فلسنا الخُضوعِ لحُكمِ الزَّمانِ     ..         إذا ما الزمانُ أرادَ الغَلَب
لهم، سَوفَ نصنعُ أقدارَنا         ..            بأنفسِنا إن أَبَتْ أن تَهُبّ

 

*كاتب وشاعر فلسطيني


التعليقات (0)