كتاب عربي 21

عن الحوار الجنوبي وغيرة رجال صالح على الدولة اليمنية

ياسين التميمي
1300x600
1300x600

أكثر ما لفت انتباهي في تطورات الأيام القليلة الماضية، التوجه نحو مصالحة جنوبية ـ جنوبية، ومحاولة تصدير المؤتمر الشعبي العام إلى واجهة الدفاع عن الدولة اليمنية من التعديات التي استهدفتها وخصوصاً في مواجهات عتق العسكرية الأخيرة التي شكلت واحدة من أكثر التجليات العبثية لدور التحالف وأدواته المرتبطة تحديداً بالمشروع الانفصالي.

يأتي ذلك للأسف الشديد وسط تراجع خطير لدور الدولة اليمنية الذي يقف على رأسها هذه الأيام مجلس القيادة الرئاسي، الذي بدوره دخل مرحلة جمود مبكرة يعيدها البعض إلى خلافات بين صفوف أعضائه، وأراها ترتيبات مقصودة لإفساح المجال لتجذير النفوذ الانفصالي وتحصينه بالسلاح في الجزء الجنوبي من البلاد.

بعض من رموز المعارضة الجنوبية التي ارتبطت بتاريخ من إشعال المشهد الجنوبي بحراك واسع ضد نظام صالح استغرق معظم العشرية الأولى من القرن الحالي، عادت لتتصالح بصورة مفاجئة مع قيادة المجلس الانتقالي، وأذكر من هذه الرموز فادي باعوم نجل الزعيم الحراكي البارز حسن باعوم، وقد شجع هذا التطور رئيس المجلس الانتقالي إلى أن يصدر أمس السبت قراراً بتشكيل فريقين للحوار الجنوبي، الأول داخلي والآخر خارجي.

في الحقيقة لا شيء يثير الدهشة، لأن مجريات الحرب التي أخذت أبعادا إقليمية واضحة، هي التي مايزت إلى حد ما مواقف القيادات الانفصالية ودفعتها للاصطفاف بحسب الأجندات الإقليمية، سواء التي تنتمي إلى الحراك التاريخي أو تلك التي اصطفت مؤخراً ضمن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم بالكامل من الإمارات والسعودية.

هي الحرب إذن التي أفرزت مواقف إقليمية متصادمة، وساهمت في تشتيت الكتلة الانفصالية التي ارتبطت عضوياً بالمشروع الإيراني وانتظمت حركياً تحت إشراف حزب الله اللبناني، كجماعة سياسية انفصالية مرتبطة بإيران، ومع ذلك بقي طرفا المشروع الانفصالي على وفاق تام فيما يتعلق بالمواجهة مع المشروع الوطني اليمني ومع الدولة اليمنية ورجالها وأحزابها، وبالأخص الموقف العدائي ضد التجمع اليمني للإصلاح باعتباره الواجهة السياسية للإخوان المسلمين، التي تحددت كهدف مشترك لشركاء المشروع الانفصالي وداعميهم الإقليميين من طهران وحتى الرياض مروراً بأبوظبي، مع إشغال الفضاء الإليكتروني ولجانه وذبابه بقضية المواجهة العبثية مع "الاخوان المسلمين"، الذين حضروا بقوة في قلب الربيع العربي.

ما من مبرر لأن ينشغل عيدروس الزبيدي بتسوية الأرضية الجنوبية، وهو الذي يشغل منصباً مهماً في الدولة اليمنية، وهي الأولى بالاهتمام، وأجدى بأن تدفعه إلى الانخراط في مهمة تسوية الأرضية الوطنية، وتهيئتها سياسياً وعسكرياً لمواجهة المشروع الانقلابي في صنعاء.

مجلس القيادة الرئاسي في حالة عطلة قسرية على ما يبدو من جانب التحالف، لقد توزع رئيسه وأعضاؤه بين زيارات خاصة ومهام عائلية وعطلة غير مبررة، وبقي عيدروس الزبيدي على الأرض يدير معارك تستهدف مؤسسات الدولة اليمنية التي بات أحد رموزها، وها هو يشق مساراً موازياً لمعركة فرض المشروع الانفصالي في جنوب اليمن بقوة السلاح، وهو مسار الحوار الجنوبي كما يصفه الزبيدي وإعلامه.

 

إن مجلس القيادة الرئاسي يبدو أنه يكرس بشكل عملي دولة الانفصال، وهذا الأمر يتم عبر الاستحواذ على المناصب الرئيسية وتجييرها لصالح شخصيات انفصالية وعبر التأثير في تركيبة المؤسسات السيادية ومنها مجلس القضاء الأعلى، والأخطر منه مجلس القيادة الرئاسي نفسه الذي منح الميلشيات غطاء تبدت معه كقوات شرعية، رغم أنها تقاتل قوات الحكومة، التي تحولت بشكل دراماتيكي إلى قوات متمردة.

 



لا ضير في أن يتحاور الناس وأن يوحدوا موقفهم، لكن أي موقف هذا الذي يراد توحيده، فيما يتبدى إطار هذا الحوار عدائياً صريحاً للدولة اليمنية، ويتجلى في شكل اصطفاف حربي ضد الدولة اليمنية، ويهدف أكثر ما يهدف إلى تأمين إجماع سياسي حول مشروع الانفصال، وليس أي شيء آخر.

من المؤسف أن قيادات محسوبة على الدولة اليمنية، بدأت تتحدث عن كرم المجلس الانتقالي وسعة صدره تجاه قيادات الدولة التي تنتمي إلى شمال اليمن، والبعض لا يتردد في الإشادة بالموقف العسكري للميليشيات الانفصالية المدعومة بشكل كامل من قبل التحالف، ويكرسها كمثال للإنجاز.

هذا الصنف من قيادات الدولة اليمنية، يعمل أفراده بمستوياتهم المختلفة، بشكل صريح لحساب التحالف السعودي الإماراتي، وبعضهم له سجل حافل من التخادم خصوصاً مع السعودية، وهي شريحة عادةً ما يقع على أعضائها الاختيار لشغل المناصب الجديدة في الدولة اليمنية تحت سلطة مجلس القيادة الرئاسي.

هذه الشريحة ترتبط بصلة عضوية بالمؤتمر الشعبي العام الذي احتفل بذكرى تأسيسه قبل أيام، والتي تصادف يوم 22 آب/ أغسطس من عام 1984، وكان اللافت أن بعضاً من قياداته ظهرت لتتحدث بجرأة غير معهودة عن الانتهاكات التي طالت الدولة اليمنية وتحدثت بشكل أوسع عن مكانة الحزب المهدرة، وكيف أنه لا يستطيع فتح مقره في العاصمة السياسية المؤقتة عدن في ظل الوفاق الوطني الذي مثله رمزياً مجلس القيادة الرئاسي.

وخلاصة القول إن مجلس القيادة الرئاسي يبدو أنه يكرس بشكل عملي دولة الانفصال، وهذا الأمر يتم عبر الاستحواذ على المناصب الرئيسية وتجييرها لصالح شخصيات انفصالية وعبر التأثير في تركيبة المؤسسات السيادية ومنها مجلس القضاء الأعلى، والأخطر منه مجلس القيادة الرئاسي نفسه الذي منح الميليشيات غطاء تبدت معه كقوات شرعية، رغم أنها تقاتل قوات الحكومة، التي تحولت بشكل دراماتيكي إلى قوات متمردة.

هذه الوصفة للأسف تزداد خطورتها مع اقتراب التشكيلات الانفصالية من السيطرة على وادي حضرموت ووضع اليد على منفذ العبر، وهو المنفذ البري الوحيد الذي يربط اليمن بالمملكة العربية السعودية.

والأسوأ أن يؤدي إحكام السيطرة العسكرية على الفضاء الجنوبي إلى خنق الخيارات المشروعة للجيش الوطني الذي يدافع عن مأرب وتعز وأجزاء أخرى من البلاد، وهو الوضع الذي قد يسهل تحييده لحساب وحدات مقاتلة محسوبة على النظام السابق، ولهذا يجري غسل سمعة قيادة المؤتمر الشعبي العام وهو التركة السياسية المتبقية من ذلك النظام وتصديرها كمدافعة وحريصة على الدولة اليمنية المغدورة.


التعليقات (1)
صالح
الثلاثاء، 20-09-2022 11:07 ص
اي دولة يمنية تتحدث عنها ياسيد تميمي، هل درست التاريخ وهل تعتبر أن تسليم الدولة اليمنية للحوثي تم بواسطة نظام صنعاء؟ ما حدث في الجنوب منذ 94 يعد احتلالا مكتمل الأركان ثم أن استقامة الدولة الجنوبية بأي صيغة يرتضيها ابناء الجنوب ستكون مفتاح الحل للاستقرار في اليمن الشمالي، ما بالكم إن رأيتم أي خطوة يتخذها الجنوبيين ضدكم مآثر الجنوب على صنعاء لا تعد ولا تحصى أما الان فلم تعد هناك اي وحده الا في رؤوسكم المتوقفة عن التفكير لأحداث اي تغيير في الشمال