قضايا وآراء

دراما الفتنة والتمهيد للقتل

قطب العربي
1300x600
1300x600

لم يترك النظام الانقلابي المصري سلاحا إلا استخدمه لتصفية خصومه ماديا ومعنويا، استخدم سلاح القتل المباشر الجماعي كما في مذبحتي رابعة والنهضة وغيرهما، والقتل الفردي المباشر في عشرات الحالات الأخرى، والقتل البطيء في السجون بالحرمان من العلاج والرعاية الطبية، والقتل نتيجة التعذيب  في أقبية الأجهزة الأمنية وكان أحدث حالاته قتل الباحث الاقتصادي أيمن هدهود الذي أكدت منظمة العدل الدولية وجود أثار للتعذيب على وجهه ورأسه وذراعه.

كانت الدراما أحد الأسلحة التي استخدمها النظام أيضا لقتل خصومه معنويا، والتمهيد لقتلهم ماديا.. مسلسل الاختيار الذي أنتجته شركة تابعة للمخابرات المصرية يستهدف ضمن مستهدفات أخرى التمهيد لتنفيذ أحكام الإعدام بحق عدد من أبرز قيادات ثورة يناير وجماعة الإخوان المسلمين بعد أن صارت أحكام الإعدام بحق بعضهم نهائية، أو في طريقها إلى ذلك.

لم تكتف حلقات المسلسل بالاتهامات التي وجهتها النيابات والمحاكم لأولئك الرموز بل لفقت لهم اتهامات جديدة تقودهم إلى حبل المشنقة مباشرة، تلك الاتهامات الجديدة لا يوجد شبه دليل عليها، وإلا فإنها لم تكن لتغيب عن جهات التحقيق القضائية التي ترخصت كثيرا في تلفيق الاتهامات وفقا لأي ترهات تذكرها محاضر ومذكرات أجهزة الأمن بحق المتهمين.

حتى منتصف حلقات المسلسل ظهر تركيز واضح على عدة شخصيات محورية يتقدمها المرشد العام لجماعة الإخوان ونائبيه خيرت الشاطر ومحمود عزت، ورئيس البرلمان السابق ورئيس حزب الحرية والعدالة سعد الكتاتني والقياديين بالحزب محمد البلتاجي أمين الحزب بالقاهرة وأسامة ياسين وزير الشباب السابق، ومن خارج الإخوان المرشح الرئاسي السابق الشيخ حازم أبو إسماعيل، ونائب رئيس حزب الوسط النائب عصام سلطان، وغالبا ستتضمن باقي الحلقات رموزا أخرى لثورة يناير التي يجري شيطنتها وشيطنة رموزها والانتقام منهم، ودعك من النص الدستوري الذي يمجد تلك الثورة، فهو مجرد حبر على ورق، ومجرد نص كتب بحسن نية !! حسب تعبير السيسي عن الدستور كله.

 

لم تشهد مصر طيلة تاريخها الحديث هذه الدموية المفرطة، والاستسهال في قتل المعارضين السياسيين سواء باستهداف مباشر، أو بالتعذيب، أو بأحكام هزلية، ويتصور رأس النظام أن هذا القتل والترويع سينشر الخوف والإحباط لدى الشعب وقواه السياسية الحية، ويقتل حلم التغيير والإصلاح في نفوس المصريين،

 



عقب الجزء الثاني من المسلسل ذاته الذي تم بثه في رمضان من العام الماضي تم تنفيذ أحكام الإعدام بحق 20 مواطنا من منطقة كرداسة (الجيزة) بعد أن أسرف المسلسل في تمهيد المناخ لذلك، وهناك شعور قوي بأن ما يجري في حلقات المسلسل هذا العام يمضي في الطريق ذاته، وقد حذرت أسرة  وزير الشباب السابق الدكتور أسامة ياسين في بيان لها من ذلك، ودعت الهيئات الحقوقية المحلية والدولية للتحرك لإنقاذ عائلها وغيره من المحكومين ظلما بالإعدام.

تتنافس مصر على المركز الأول عالميا في تنفيذ أحكام الإعدام السياسية التي تصدر وفقا لمحاكمات هزلية لا تتوفر لها أدنى درجات النزاهة والعدالة، ولا يهتم النظام المصري بالمطالبات الحقوقية الدولية بما فيها الصادرة من مؤسسات تابعة للأمم المتحدة لوقف تنفيذ تلك الإعدامات التي تجاوزت 1500 حكم منذ العام 2013، تم تنفيذ 97 منها بالفعل فيما ينتظر 81 آخرون تنفيذ الحكم في أي وقت بعد التمهيد لذلك كما يحدث في مسلسل الاختيار 3.

لم تشهد مصر طيلة تاريخها الحديث هذه الدموية المفرطة، والاستسهال في قتل المعارضين السياسيين سواء باستهداف مباشر، أو بالتعذيب، أو بأحكام هزلية، ويتصور رأس النظام أن هذا القتل والترويع سينشر الخوف والإحباط لدى الشعب وقواه السياسية الحية، ويقتل حلم التغيير والإصلاح في نفوس المصريين، وبالتالي يوفر للنظام استقرارا سياسيا، وهو فهم عقيم، ذلك أن الدم يولد الثارات اللامتناهية، ويوفر البيئة الصالحة لإنتاج العنف والإرهاب، وبهذا المعنى يكون النظام المصري هو أكبر مفرخة للإرهاب العالمي ما يستدعي تضافر الجهود الدولية لوقف هذه المفرخة.

لم تكتف الدراما الرمضانية وخاصة المسلسل الأكثر تكلفة فيها (الاختيار 3) بالتمهيد لتنفيذ أحكام الإعدام بحق عشرات المصريين، بل إنها عمدت إلى بث الفتنة والوقيعة بين القوى السياسية، تطبيقا لمبدأ فرق تسد، فقد حفلت الحلقات بتسريبات لمقاطع مجتزأة من لقاءات حقيقية جرت بين عدد من رموز القوى السياسية مع قادة المجلس العسكري الذي حكم مصر في الفترة الانتقالية بعد ثورة يناير 2011، وتضمنت تلك المقاطع المجتزأة تقديرات مواقف أو انتقادات من بعض المتحدثين لبعض السياسيين الأخرين، من ذلك شرح المرشد العام للإخوان الدكتور محمد بديع للخارطة السلفية، وعدم تجمعها تحت سقف واحد، أو حديثه عن المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، أو حديث نائبه خيرت الشاطر عن بعض رموز السلفية الجهادية، أو انتقاد أبو الفتوح للشيخ حازم أبو إسماعيل إلخ، ورغم وضوح عمليات الاجتزاء لهذه التسريبات بما يخدم عرض الجهة المنتجة للمسلسل إلا أنها تركت أثارا سلبية بالفعل بحق من طالتهم التسريبات وأنصارهم.

يدرك النظام المصري خطورة تعاون القوى السياسية سواء الإسلامية أو العلمانية، أو جميعها، ولذا يحرص دوما على الوقيعة بينها بما يمنع اجتماعها ولو على الحد الأدنى، وتبتلع هذه القوى الطعم في كل مرة، وتستسهل المعارك البينية، لتحقيق انتصارات وهمية على بعضها، بما يصرفها عن معركتها الرئيسية ضد النظام الاستبدادي، وما لم تدرك هذه القوى تلك الفخاخ التي تنصب لها فإنها ستظل في هذا التيه، كما أنها بذلك هي التي تطيل عمر هذا النظام.

أيمن هدهود ليس الأول ولا الأخير

وفاة الباحث الاقتصادي أيمن هدهود تحت التعذيب وفقا لتقرير منظمة العفو الدولية (اختفى مطلع فبراير ومات مطلع مارس ولم تعرف أسرته إلا في أبريل) ليست الحالة الأولى للقتل خارج نطاق القانون وفي ظروف الاختفاء ألقسري، ربما الجديد في الأمر أن الضحية هذه المرة ينتمي لحزب شريك في السلطة الحالية وهو حزب الإصلاح الذي يرأسه محمد أنور السادات نجل شقيق رئيس الجمهورية الأسبق أنور السادات، والعضو القيادي المعين بقرار من السيسي في مجلس حقوق الإنسان، والذي فتحت له السلطات المجال للقيام بأدوار وساطة جزئية للإفراج عن بعض المعتقلين، كما أشركت حزبه ضمن قائمة السلطة في البرلمان.

وقبل 19 عاما تقريبا، وبالتحديد منذ آب (أغسطس) 2003 اختفى الصحفي رضا هلال نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام في ظروف غامضة أيضا، ولم يظهر له أثر حتى اليوم، وكان رضا معروفا بمواقفه الداعمة بقوة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وعلى علاقة متشعبة بالأجهزة الأمنية.

وفي 27 أيلول (سبتمبر) 2018 اختفى النائب البرلماني ورئيس حزب العدل الدكتور مصطفى النجار وحتى اليوم لا تعرف أسرته أي معلومات عنه.

وعقب فض اعتصام رابعة اختفى العديد من المعتصمين وحتى الآن لا تعرف أسرهم عنهم شيئا، وحين حاول والد أحدهم وهو الدكتور إبراهيم متولي إثارة قضية نجله دوليا تم القبض عليه واعتقاله حتى الآن.
لم يكن أيمن هدهود هو الأول إذن، ولن يكون الأخير إذا استمر هذا النظام حاكما لمصر.


التعليقات (0)