مقالات مختارة

لائحة اتهام ضد فريد الأطرش

رشاد أبو شاور
1300x600
1300x600

لو كان حيّاً، لرفعت عليه دعوى قضائية. لائحة الاتهام تتضمن: بث الحزن، الكآبة، الإحباط، السوداوية لدى أجيال على مدى عشرات السنين. وضع أصبع صوته على الجروح، فراح ينكأ بها حفراً، ويرش عليها الملح، فتسيل دموع مرة من قلوب المحبين والسيئة حظوظهم.
غاص فريد الأطرش في مساحات الحزن في الحياة، حتى إنه لعن اليوم الذي ولد فيه، وغنى «عدت يا يوم مولدي / عدت يا أيها الشقي». كان يترجم أحاسيسه في ألحان مميزة، جعلته أحد عمالقة الغناء والموسيقى العربية. لكن تلك الألحان كانت تخرج من نفس الجرح العميق في نفسه، حاملاً رائحة حالة انكسار لازمت حياته، خاصة بعد وفاة شقيقته أسمهان، التي كانت منافسة قوية لأم كلثوم، وغنت له «ليالي الأنس في فيينا»، «نويت أداري آلامي»، «فرق ما بينا ليه الزمان»، وغيرها من الأغاني التي خرجت من نفس بيت الحزن.
انقسم جيل الأربعينيات والخمسينيات بين حزب محمد عبد الوهاب، صاحب الصوت الهادئ المثقف، وحزب فريد الأطرش. أتذكر حين كنت صبياً، أبو محمود زعيم حزب الأطرش في حارتنا، كان يسرح شعره إلى الخلف، ويرفع بنطاله إلى وسط البطن. يصحو على صوت فريد، يغني بصوت فريد، وينام بحزن فريد. لكأنه تلبّسه جن فريد، يغني أغانيه في أي وقت، وفي أي مكان.
ولطالما كانت تحدث مشادات كلامية بينه وبين والدي الأكبر منه سناً، وهو من حزب عبد الوهاب: «أتحدى فريد تبعك يقول كلمة واحدة كما يقولها عبد الوهاب، كلمة «كليوباااترا»، وهي مطلع أغنية «كليوبترا أي حلم من لياليك الحسان»، فيرد عليه عمر: «هذا يغني مثل البنات وصوته بينعس». وتنتهي المشادة الكلامية بشجار بين الفريقين، وخصام يدوم أياماً.
كان لوالدي صوت جميل، ويحفظ كل أغاني عبد الوهاب. مرة سألته عن سبب عشقه لعبد الوهاب، قال: في الأربعينيات، كان أي فيلم جديد لعبد الوهاب، مثل «الوردة البيضاء»، «ممنوع الحب»، «رصاصة في القلب»، يعرض في سينما الحمراء في يافا، في الوقت نفسه مع دور السينما بمصر. كنا، شباب القرية التي لا تبعد سوى ثلاثة كيلو مترات عن مكان السينما، نذهب مشياً لمشاهدة الفيلم، خاصة عندما نعلم أن عبد الوهاب قادم إلى العرض الأول للفيلم، وكثيراً ما كان يفعل ويمضي عدة أيام للاستجمام، والتمتع بجمال يافا. وحين نخرج من السينما، نذهب إلى صانع الأحذية، وإلى الخياط، ونفصل نفس ما كان يرتديه عبد الوهاب في الفيلم.
عندما دخل عبد الحليم حافظ على الساحة الفنية في الخمسينيات، تشكل حزب ثالث، وهو جيلنا. كانت أولى أغنياته «صافيني مرة»، وغنى لنا «في يوم في شهر في سنة»، «وحياة قلبي وأفراحه»، «موعود»، «على قد الشوق» وغيرها.. وتماهى مع تطور الزمن، وغنى «سواح»، «زي الهوا»، «قارئة الفنجان»، «الهوا هوايا»، وغيرها من الأغاني التي جعلت له جمهوراً عريضاً من الجيل الجديد حينها، ومنهم أنا.
أذكر أننا كلما كنا نشعر بالملل، كنا نذهب إلى السينما، لنشاهد فيلم «أبي فوق الشجرة»، وأغنيات الفيلم التي حفظناها وغنيناها في الشوارع، التي كانت هادئة في الليل، مزدحمة بالبساطة والفرح.
هزمنا حزب عبد الوهاب وفريد. فالأول كان يغني لزمنه بحس مرهف، وصوت دافئ، كلمات وقصائد عميقة، والثاني فريد، كان يعبّر عن الحزن، ويبكي جيله معه. أما عبد الحليم، فكان حين يتألم يعبّر عن ألمنا، يوجعنا، لكن برفق من دون بكاء. ثمة فرق بين أن تتألم وتستسلم، وبين أن تتألم وتتحمل وتواصل الحياة، التي لا تستقيم على وتيرة واحدة. فلا فرح يدوم، ولا ألماً يبقى.
أعتذر لفريد الأطرش وعشاقه، فقد كان صادقاً في أحاسيسه، وكان أحد عمالقة الغناء والموسيقى، لكنه لم يستطع أن يرى كل الوردة، بل الشوك في الوردة.

(الدستور الأردنية)

 
4
التعليقات (4)
همس المساء
الخميس، 18-08-2022 06:16 م
اتهام ظالم لم يأخذ في الأعتبار كل مشوار الموسيقار الذي غنى الحياة حلوة ، الربيع ، ياريتني طير ، اول همسة ، انا وانت ، حبينا ، أتأل أتأل ، اشتقتلك ، انا وانت انا وانت ، انا وانت لوحدنا ، اياك من حبي ، بتأمر عالراس وعالعين ، بساط الريح، جميل جمال ، الحب لحن جميل ، الحب لحن جميل ، دقوا المزاهر وقائمة لا حصر لها من الأغاني الرائعة المبهجة.
نسيب مكارم
الأربعاء، 08-06-2022 05:36 م
لم يكن الموسيقار فريد الاطرش بذاك الحزن العميق كما ذكرت بل كانت عنوانا لمعنى الحب ومعنى الغراق ومعنى الوصال ومعنى البعاد وهنا لا بد من الاشاره الى انه غنى اعذب الالحان واروعها المحمله بكل الفرح والمرح ومنها مثلا الحياه حلوه بس نفهمها. يا جميل يا جميل وياك. فوقغصنك يا لمونه.. اشتقتلك. يا فرحة الميه. وياك. يا ابو ضحكه جنان. يالله توكانا على الله. انا وانت لوحدنا الحب لحن جميل لاكتب عاوراق الشجر. يالله توكلنا على الله انا وانت وبس نورا يا نورا. وغيرها العشرات العشرات فلماذا هذا الظلم من حضرتك الا اذا كان في نفسك هدف وهو النيل مم عبقري الصوت والنغم فريد الاطرش الذي كان الاول عربيا في توزيع وغناء الحانه في العالم حيث تغنت بكل لغات العالم والتي كانت سببا في وصفه بالموسيقار العالمي.
هؤلاء كانوا و لا يزالوا ادوات
الجمعة، 15-04-2022 12:50 م
تخدير في ايدي طواغيت اغتصبت الحكم يبررون لهم الهزائم مثل هزيمة 1967- و يا ابو خالد يا حبيب بكره ندخل تل ابيب - ابو خالد هو جمال عبد الناصر و كانوا يخدرون الشباب عن دورهم في قيادة اوطانهم و بنائها
فريد أبو سمع
الخميس، 14-04-2022 01:32 م
لحسن حض رشاد أبو شاور أنه باع مذياعه وقذف بتلفزيونه من الطابق الخامس عشر وقطع اشتراكه بالإنترنت لكي لا يستمع إلى أو يرى عاهات مدمني المخدرات واللحم الرخيص من أصحاب بقالات الفن في العالم العربي في آخر 30 سنة ............ مع بعض الاستثناأات بالتأكيد ممن يحترمون أنفسهم وفنهم وجمهورهم.