مقالات مختارة

ترسيم الحدود البحريّة مع فلسطين المحتلّة... من جلْب المصالح إلى درء المفاسد

قاسم غريب
1300x600
1300x600

حدث الكثير في الشهرين الماضيين منذ قُبَيل زيارة آموس هوكشتاين لبيروت إلى الآن. فالموقف الرسمي اللبناني يُزايد على نفسه في التنازلات في ظلّ صمتٍ مدروسٍ من قِبَل القيّمين على الملفّ من طرف العدوّ. ففي الوقت الذي اجتمع فيه هوكشتاين مع مجموعة كبيرة من اللبنانيين المسؤولين عن الملفّ، اقتصرت اجتماعاته في كيان العدوّ مع وزيرة الطاقة في الكيان وطاقمها. وفي الوقت الذي واكب الصمت زيارة هوكشتاين لكيان العدوّ، نشر الإعلام اللبناني موقِفاً لبنانيّاً يقول بأنّ الرئيس ميشال عون أخبر هوكشتاين بأنّ لبنان يطالب بحقل قانا، الحقل اللبناني العابر للخطوط كاملاً. أيّ صنو من علوم المفاوضات كان هذا؟ فمن يريد أن يحصل على حقل الغاز اللبناني العابر للخطوط كاملاً، عليه، في ألف باء المفاوضات، تكبير الحجر والبدء بالمطالبة بحقل شمال كريش، أي من الخطّ اللبناني 29، الخطّ الذي همّشه جميع الممسكين بالملفّ وتنازلوا عنه الواحد تلو الآخر إن كان من خلف الكواليس أو تصريحاً كالتصريحين المُشينين لرئيس الحكومة اللبنانيّة ووزير خارجيّتها اللذَين أصرّا على أنّ الخطّ البائد 23 هو الوحيد الذي يمثّل الموقف الرسمي اللبناني وما الخطّ 29 إلا كبرق سحابةٍ لم تُمطرِ.

هوكشتاين، المفترض فيه بأنّه وسيطٌ بين لبنان والعدوّ والوسيط ينأى في عُرف الوساطات عن دعم أحد طرفَي المفاوضات، أصدر مواقف ثلاثة داعمة للعدوّ من قلب بيروت. فهوكشتاين انحاز لمصلحة العدوّ وقرّر وأفتى بوجود فروقات في ما خصّ الجزر الصغيرة التي أهمل تأثيرها قرار محكمة العدل الدولية في النزاع الكيني ــ الصومالي وحالة الجزر والصخور الصغيرة شمال فلسطين المحتلّة. فحرم لبنان، سلفاً، من الدعم القانونيّ القويّ لموقفه المترتّب على قرار محكمة العدل الدولية. من جهة أُخرى، سلب هوكشتاين لبنان نقط قوّة أخرى إذ فنّد ضعف أيّ طرح لبناني بالحقّ في حقل شمال كريش الواقع شمال الخطّ اللبناني 29 وتكرّم وأسهب بإعطاء الحجج ببطلان هذا المطلب لدرجة أنّ «إسرائيل» ذاتها لن تُدافع عن «حقّها» بهذه المهارة. ووضع هوكشتاين الوصول إلى نتائج سريعة في كفّة والتلويح بأنّ الشركات الأجنبيّة لن تستثمر في البلوكات الجنوبيّة في كفّة أخرى كعامل ضغط إضافي على لبنان. فات هوكشتاين بأنّ أيّ اتفاق قائم على الخطّ 23 سيترك أكبر الحقول مشتركاً مع كيان العدوّ، ما يجعل إمكانيّة استثماره من قبل لبنان مستحيلة عمليّاً لمآلاتها التطبيعيّة. واللافت أنّ لبنان الرسمي لم يسجّل أيّ اعتراض على تصريحات هوكشتاين وكيف يفعل وقد فاق هوكشتاين في بازار التنازلات. من جهةٍ أخرى، زاد الطين بِلّة قرار وزير الطاقة والمياه اللبناني بطرح البلوكّين الجنوبيّين 8 و10 للتلزيم في دورة التراخيص الثانية التي أُعلِنت أخيراً كتأكيدٍ غير مباشر على دفن الخطّ اللبناني 29 والعودة إلى المربّع الأوّل السابق للطرح الشجاع للوفد اللبناني المفاوض في الناقورة.


في الوقت الذي تخلّى فيه الرؤساء الثلاثة الممسكون بالملفّ عن الخطّ اللبناني 29 وأجمعوا على دفن فكرة تعديل المرسوم 6433، وكلّ لأسبابه فتركوا الوفد اللبناني المفاوض وحيداً بدون أيّ غطاء سياسي في دفاعه عن الخطّ اللبناني 29، وفي الوقت الذي لم يُتوقّع أصلاً أيّ مواقف متقدّمة في مسألة وطنيّة كمسألة الحدود البحريّة الجنوبيّة وأبعادها السياديّة من أطراف سياسيّة لبنانيّة كثيرة، لفت غياب أيّ موقف واضح لحزب الله حتّى فترة قصيرة نسبيّاً، أي بعد مُضيّ قرابة السنة عن بدء مفاوضات الترسيم.


في مقابلة له مع إحدى وسائل الإعلام المرئيّة، وفي الشِّقّ المتعلّق بملفّ ترسيم الحدود البحريّة أجاب الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله على سؤالين نُوردهما والإجابة عليهما، بالحرف، في ما يلي:


1- السؤال: «فعليّاً يكرر حزب الله بأنّ هذا الملفّ في عهدة الدولة اللبنانية وبأنّه لا يتدخّل في هذا الملفّ. ولكن فعليّاً، ما هو السقف المقبول بالنسبة إلى حزب الله في هذه المفاوضات، نتحدّث تحديداً عن تنازلات. في المفاوضات تعلم سماحتك أنّ هناك أخذاً وردّاً. ما هو السقف المقبول بالنسبة إلى حزب الله؟».


الجواب: «لاحظنا أنّ أركان الدولة والمعنيين بتحديد الحدود البحريّة اختلفوا في ما بينهم كثيراً بين الحدود. نحن لا نستطيع أن نحسم في الوقت الذي لم تحسم فيه الدولة بعد أيّ حدود تعتمدها بشكل مباشر. لا نريد أن ندخل في لعبة مجيء اختصاصيين من قبلنا وتحديد الحدود التي يمكن أن تكون مُخالَفَة باختصاصيين آخرين موجودين لدى الدولة اللبنانية. وجدنا أنّ الأفضل أن ننتظر جهة القرار ماذا ستقول وعندها نتبنّى ما تقوله لكي لا ندخل في عمليّة المزايدة. لأنّه بكلّ صراحة، لو قُلنا نحن الآن بأنّ هذه هي الحدود، وقالت الدولة أمراً آخر، ماذا نفعل، ندخل في اشتباك ومشكلة مع الدولة؟ أو يكون ما نقوله أكثر أو يكون أقلّ؟ إذا كان أكثر سيقولون هذا حزب الله يعجّز حتّى لا نصل إلى نتيجة. وإذا كان أقلّ، يقولون حزب الله يتنازل عن الحدود. لذلك، وجدنا أنّ الأفضل أن ننأى بأنفسنا عن أن نتصدّى مباشرةً لنقول السقف والحدود التي نريدها ونؤمن بها ونقتنع بها بانتظار ما ستحسمه الدولة عندها نقول موقفنا بشكل واضح ونحن مؤيّدون مُسبقاً لِما تُقرّره الدولة اللبنانيّة».


2- السؤال: «الرئيس ميشال عون يكرّر رفضه لتوقيع المرسوم المتعلّق بتوسيع المنطقة التي يطالب بها لبنان. هل تعتبرون أنّ هذا تفريط بالحقوق اللبنانية؟».

 

الجواب: «هذا دليل أنّه يوجد خلاف على الحدود البحريّة بين الأطراف اللبنانية وبين الاختصاصيين الذين يذكرون حدوداً مختلفة. وعندما يصرّح رئيس الجمهوريّة بأنّه لن يوقّع، لأنّه لم يتوصّل بعد إلى نتيجة نهائيّة حول طبيعة الحدود. على كلّ حال، عندما يجتمع مجلس الوزراء، ويُطرح هذا الملفّ أمامه، وتكون هناك الخيارات المتعدّدة».

 

(الأخبار اللبنانية)

0
التعليقات (0)