مقالات مختارة

مؤتمر بغـداد وإشكالية النظام السياسي العراقي

أمير المفرجي
1300x600
1300x600

أسدل مؤتمر «بغداد للتعاون والشراكة» الستار على أعماله، بعد أن استضاف العديد من رؤساء وممثلي الدول الإقليمية، بالإضافة إلى المشاركة الفرنسية، التي كانت على ما يبدو المشاركة الغربية الوحيدة، وبغياب الولايات المتحدة الأمريكية الراعية الرئيسية الأولى للعملية السياسية، التي فُرضت على العراق، وقامت بتحويله إلى دولة فاشلة، تطغي عليها الثقافة الطائفية، ويستشري فيها الفساد ويغيب عنها الاستقرار الأمني والاقتصادي، الذي دفع بالعراق إلى قائمة الدول الضعيفة المتأثرة والفاقدة لأي دور إقليمي ودولي، وتحوله بالتالي إلى مركز للصراعات والأزمات في المنطقة.


وإذا كان الهدف من إقامة مؤتمر بغـداد هو في معالجة الأزمة المستمرة التي حلت على البلد، من خلال دعم استقلال العراق لاستعادة وتعزيز دوره الإقليمي، وإعادة دورة التاريخي لمعالجة الأزمات التي تعصف بالمنطقة، وصولا إلى تخفيف التوترات في منطقة الشرق الأوسط، والتأكيد على دوره كوسيط وشريك لعملية توافق إقليمي بين الدول المشاركة في المؤتمر، إلا أن الإشكالية في الوصول إلى نتائج مرضية للوفود المشاركة في هذا المؤتمر، تكُمن أسبابها في فشل النظام السياسي الحالي في جمع العراقيين أنفسهم، على الرغم من حقيقة انتمائهم للبلد والتاريخ والمصير الواحد نفسه، ودور النخبة الحاكمة في تفريق العراقيين وتدمير اقتصاد البلاد، بعد سرقة أكثر من 4 ترليونات دولار، ذهبت معظمها إلى جيوب قادته وأحزابه، فكيف يراد منه أن يكون الوسيط الفاعل للتقارب الإقليمي في المنطقة.


ثمة من يرى في أن عقد مؤتمر كهذا يأتي في سياق التطورات الأخيرة الناتجة من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، واحتمالات ارتباطها بالمشهد العراقي في حالة حدوث انسحاب أمريكي من القواعد الأمريكية في العراق، على الوضع الداخلي للبلد، الذي قد يولّد حالة من الفوضى كالتي يراها العالم في أفغانستان، قد تزيد من حجم التوترات في منطقة الشرق الأوسط. وهذا ما قد يعلل أحد أسباب المشاركة الفرنسية في هذا المؤتمر، أذا ما أخذنا بعين الاعتبار وضوح خطاب الرئيس الفرنسي الذي ألقاه في المؤتمر، في ما يتعلق باستمرار وزيادة الدور الفرنسي في العراق، من خلال دعم النظام السياسي الطائفي سياسيا واقتصاديا، وتركيزه على بقاء الوجود العسكري الفرنسي في الحملة ضد تنظيم الدولة «داعش».


وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الموقف الفرنسي ينبع من حرص هذه القوة العظمى، في الدفاع عن مصالحها الحيوية الخاصة في العراق، انطلاقا من الأهمية الاستراتيجية، التاريخية والاقتصادية، التي يتمتع بها هذا البلد المهم من خلال موقعة الجغرافي وحجم ثرواته. وبمعنى آخر، تحديد مصالح الدول الكبرى وسياساتها مع أهمية العراق كموقع جغرافي واقتصادي، وعدم التدخل في دائرة الصراعات الداخلية التي تقف وراءها الأحزاب والأيديولوجيات المتنازعة على ثرواته وكراسي نظامه. وهذا ما يفسر الموقف الفرنسي الثابت في العراق منذ ولادة الدولة العراقية الحديثة، من خلال غض النظر عن طبيعة النظام السياسي الحاكم وثقافة أحزابه وقادته، والتركيز في تعامله مع هذا البلد كوحدة جغرافية حفاظاً على مصالحة الحيوية، حيث ترجمت زيارة الرئيس الفرنسي «لمرقد الإمامين» في الكاظمية في بغداد و«جامع النور» و«كنيسة الساعة» في الموصل، على حرصه للدفاع عن وحدة العراق المتعدد الطوائف والأديان، الذي تفرضه عليه سياسة فرنسا الديغولية مع البلدان العربية.


وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر بغـداد، وحقيقة ارتباطها بمصالح بلده، ترجمت زيارته لمواقع الرموز الدينية العراقية المتعددة الطوائف والأديان في الكاظمية والموصل في حرصه على أهمية العراق الواحد المتعدد الأطياف، في الوقت الذي اقتصر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على مرافقته للضيف الزائر إلى «مرقد الإمامين» في الكاظمية، وغيابه في مرافقة الضيف «لجامع النور» و«كنيسة الساعة» في مدينة الموصل، التي قد يفسرها البعض كإشارة إعلان لطبيعة انتمائه المذهبي، رغم أولوية الالتزامات التي يتطلبها المنصب بصفته رئيس وزراء العراق وممثل لكل العراقيين، حيث كان من الأفضل أن يرافق رئيس الوزراء العراقي ضيفه في الكاظمية والموصل، أو يمتنع من مرافقته في الكاظمية توافقا مع التزاماته كرمز سياسي للعراق الواحد العابر للطوائف والأعراق، وانسجاما مع الأهداف التي خرج بها مؤتمر بغداد لاستعادة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وتعزيز دور البلاد الإقليمي الذي هو الشرط الأساس لاستقرار المنطقة.


يبقى الشيء المهم والجدير بالإشارة والذكر، هو حجم المشاركة الإقليمية ووضوح خطاب المشاركين فيها، وتوافقهم في دعم العراق والعمل على إعادة استقلاله، وهذا ما قد أربك موقف الممثل الإيراني، الذي ضاع خطابه المُتعثر في أروقة القاعة الواسعة، التي ملأتها خطابات الدول المشاركة، التي أجمعت على دعم «عراق مؤهل للقيام بدور فاعل في إرساء الأمن والسلم في المنطقة، ولكن تبقى الإشكالية في طبيعة وتصرفات النظام السياسي العراقي، الذي شجعت الإدارات الأمريكية من خلاله الفساد والانقسامات المجتمعية. فلا جدوى إذن لهذا المؤتمر، ولهذا الدعم طالما بقي العراق مُقسم ومُشرذم من الداخل.

 

(عن صحيفة القدس العربي)

0
التعليقات (0)