قضايا وآراء

الثورة فعل ممنهج ومخطط وليست فعلا فجائيا

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600

الثورة فعل فجائي غير مخطط، وصعب السيطرة عليه وإدارته وتطويره.. فكرة قاتلة يروج لها الكثير من النخب، فتحولت إلى مسلّمة خاطئة لدى الكثير من الجماهير، حتى أصبحت تعد من أخطر الأفكار المسمومة الجهنمية القاتلة لأي ثورة في مهدها.

الفهم الخاطئ عن الثورة ومظاهره ومخاطره:

يعتقد ويروج البعض أن الثورة فعل فجائي لا يمكن تحديده، بل يمكن توقع حدوثها خلال فترات أو سنوات معينة. وتتداعى مظاهر هذه الفكرة في التالي:

1- الاستسلام للأمر الواقع، والاكتفاء بالغضب الصامت والدعاء وترقب حدوث الثورة المنتظرة.

2- نشر السلبية المجتمعية وترحيل مهمة الثورة على الآخر المجهول.

3- غياب التفكير والتخطيط والإعداد الثوري اللازم عن فضاء التفكير تماما، بما يمثل عملية تخدير ووأد ذاتي للإعداد والفعل الثورى المخطط المنظم.

4- التحول من التفكير السببي المنطقي إلى التفكير العشوائي الخرافي غير العقلاني.

5- ضياع الكثير من الفرص المتمثلة في الهبات الشعبية العفوية المتتالية للتعبير عن الغضب الشعبي الفئوي، أو تجاه أحداث معينة متنوعة، يتكرر حدوثها في أنحاء مصر كافة.

أسباب انتشار هذا الفهم الخاطئ عن الثورة:

1- غياب المعرفة وضعف الخبرة الثورية.

2- تناول ونشر هذه الفكرة الجهنمية القاتلة للثورة والخادمة للنظام الاستبدادي على لسان الكثير من النخب الثورية المزيفة، والعديد من الإعلاميين مدعي المعرفة، وربما العاملين بشكل غير معلن لحساب النظام الانقلابي في مصر.

ولمناقشة هذه الفكرة القاتلة المميتة، لا بد أولا من فهم حقيقة الثورة وتحرير بعض المفاهيم ذات العلاقة، وبيان معادلات الثورة:

- الغضب الشعبي: هو انتشار وتراكم عدم الرضا الشعبي عن حكامه لفسادهم وضعفهم، واستمرار هذه الحالة لفترة طويلة، مما يسبب حالة من الغضب والاحتقان الشعبي العام عن نظامه الحاكم، ولكنه يظل ساكنا في النفوس.

- الهبة الشعبية: خروج الشعب الغاضب المحتقن إلى الشارع للتعبير عن غضبه ورفضه لبعض رموز النظام وسياساته ومشاريعه وبرامجه وقوانينه وأعماله، وربما كل النظام، ولكن بلا رؤية ولا أهداف واضحة، ولا أفق زمني وجغرافي محددين للتحرك الشعبي على الأرض.

- الثورة: خروج شعبي واع منظم وممنهج، غالبا تسبقه عدة هبات ثورية تعزز وعيه ونضوجه، وتسبقه إجابات واضحة ومحددة تعزز ثقة الجماهير الغاضبة وقوتهم، وتحولهم إلى ثوار أقوياء ثابتين، ومصرين على تحرير وطنهم من الحكم الاستبدادي. وتتوفر فيها عدة عناصر:

1- قيادة ثورية: ربما لا تظهر بوضوح في أول الأمر لاعتبارت أمنية، ولاعتبارات اكتمال التشكل التحتي في القرى والميادين والمدن والمحافظات، الذي يكسبها الشرعية الثورية كأساس صلب لاستكمال الثورة ونجاحها.

2- مشروع وطني بديل عن النظام الحالي يتضمن ثلاثة مشاريع: مشروع الهوية الوطنية للدولة، والمشروع الاقتصادى، والمشروع السياسي؛ داخليا بالتحول والتمكين الديمقراطي، وخارجيا برسم العلاقات الإقليمية والدولية وإدارتها.

3- قيادات وطنية بديلة قادرة على عمليات الإحلال اللازمة لإدارة مفاصل الدولة بديلا عن قيادات الدولة العميقة.

4- مشروع ثوري ميداني يستند إلى نظرية عمل جديدة ومفاجئة للنظام المستبد؛ لإزاحته عن الحكم بأقل تكلفة بشرية ومادية ممكنة، مع الحفاظ على وحدة الوطن وسلامته وأمنه واستقراره.

5- معادلات الثورة:

- حكم استبدادي غير شرعي + فاسد وفاشل × أخطاء متكررة = عدم رضا وتراكم غضب

- عدم رضا وتراكم غضب × أخطاء كبيرة وفرصة اشتعال = هبات ثورية متكررة

- هبات ثورية متكررة × جاهزية نخبوية بالتوعية المجتمعية والقيادة والبديل الوطني = جاهزية مجتمعية للثورة

- جاهزية مجتمعية للثورة × حدث كبير (مخطط، متوقع) فرصة ثورية ولحظة اشتعال = هبة ثورية منظمة

- هبة ثورية منظمة × قيادة استراتجية للثورة × الوعي الشعبي = ثورة حقيقية

- ثورة حقيقية = خلع رأس النظام ورموزه + تفكيك وإحلال الدولة العميقة + التغيير والتحول الديمقراطي

6- مقومات الثورة الحقيقية الضامنة لنجاحها


 

لماذا وكيف تقوم ثورة؟

تحليل معادلات الثورة ومقوماتها

أولا: العوامل تحت السيطرة، القابلة للتصنيع لاستكمال الجاهزية المجتمعية لإشعال الثورة:

1- توفر القيادة الوطنية البديلة، وقدرتها على التحول إلى حركة تحرر وطني مؤسسية ومنظمة، قادرة على القيادة الاستراتجية للثورة سياسيا وتكتيكيا على الأرض، وتمثيل الثورة داخليا وخارجيا.

2- إنتاج المشروع الوطني البديل والتوافق الشعبي عليه.

3- القدرة على استثمار أخطاء النظام وفشله، والمحافظة على نمو الغضب الشعبي وسخونته.

4- القدرة على تنمية الوعي المجتمعي، وتوحيد المجتمع وحشده نحو بوصلة التغيير والثورة.

ثانيا: العوامل خارج السيطرة مع القابلية للتدبير والصناعة

1- حدث كبير (مخطط أو متوقع) يقدم فرصة ثورية ولحظة اشتعال هبة ثورية واسعة وقوية.

2- تنظيم وقيادة الهبة الثورية، والمحافظة على استمرارها وتطويرها إلى ثورة حقيقية.

ثالثا: العوامل خارج السيطرة

1- استمرار فساد النظام الاستبدادي وأخطائه.

2- ردات فعل النظام مع الهبات الثورية وتطورها إلى حالة ثورية حقيقية.

3- ردات الفعل الإقليمية والدولية في المراحل الأولى للثورة.

نتائج التحليل:

1- المقومات الأربعة الأساسية للثورة كلها تحت سيطرة الثوار، بما يرمي بالكرة في ملعب النخب الثورية ومدى توافر إرادتها الثورية، وقدرتها على التفكير والتخطيط والعمل، واستكمال استحقاقات الثورة والتغيير.

2- العوامل خارج السيطرة التي يقصد بها إشعال الفتيل الثوري، في حقيقتها، قابلة للإعداد والتصنيع عبر الكثير من المناسبات والأحداث والفرص التي يمكن اختيارها بعناية وخدمتها إعلاميا وثوريا، وفق الخطة العامة للثورة وبالقدر المطلوب؛ إما في شكل هبات ثورية متتالية لتدريب الثوار وتأهيلهم وتعزيز ثقتهم بقدرتهم على الفعل والإنجاز، أو بصناعة الهبة الثورية الكبيرة المؤهلة للتحول إلى ثورة مستمرة وشاملة للتغيير الكامل للنظام، بما يؤكد أن الثورة تصنع، وكذلك الفرص تصنع، وأن استثمار الفرص يحتاج إلى جاهزية واستعداد وترقب واختيار الفرصة المناسبة، في سياق الواقع الإقليمي والدولي.

الواجب العملي للنخب الحقيقية ورجال الثورة الواعين، هو محو مسلّمة أن الثورة فعل فجائي، ومناقشتها علميا ومنطقيا والرد العلمي البيّن على مروجي هذه المسلّمة القاتلة، والتأكيد أن الثورة فعل مخطط وممنهج، وأن المدة اللازمة للقيام بالثورة ونجاحها متوقف على الإرادة الثورية الحقيقية للثوار وجودة تفكيرهم، وتخطيطهم وإعدادهم وتنفيذهم لاستحقاقات الثورة والتغيير والتحول الديمقراطي المنشود.

التعليقات (1)
التكاتف التضامن التعاون والمساعدة
الإثنين، 21-12-2020 07:51 م
تحليل منطقي ومعقول فالشعوب لا تسمع لشخص واحد بل تفضل السماع لأفكار ووجهات نظر كثيرة من وجوه كثيرة حتى تكون هي الأخرى فكرتها العامة والملهمة وبهذا يوجد خلل كبير ...فالكل يسعى ويطمح للتغيير لكن كل شخص بفكره ومرجعيته الخاصة التي تفقد العمل قوته وتأثيره فعلى سبيل المثال رأي ساخن ملتهب يريد الخلاص والتاني حذر يحتفظ بنسختين ايجابية وسلبية يعني أنه معك وليس معك وآخر هادئ وكأنه مخذر أو محشش ينظر لمائة سنة الى الأمام وشكل رابع لا ثقة له لا بالنصوص ولا بالعقل لا يسمن ولا يغني من جوع والحذر منه واجب..التكاتف من أجل دفع الضرر الأكبر واجب على الجميع بأي وسيلة وبأي ثمن.. ضاعت محاولات هباءا منثورا ليس لعدم المشاركة بل فقط لردة الفعل عند البعض وهذا وهذا يؤثر كثيرا...