هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ستيفن والت، يتحدث فيه عن تأثير محاولات الكونغرس توجيه اتهامات للرئيس دونالد ترامب على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
ويبدأ والت مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول: "في مقالي السابق حاججت بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجب أن يحاسب لأنه أظهر وبشكل متكرر أنه لا يمكن الوثوق فيه بأن يضع مصلحة البلد قبل أهدافه السياسية الشخصية، ومنذ أن كتبت ذلك المقال أكد ترامب علنا صحة هذه المخاوف، وكان آخرها دعوة الصين للتحقيق في عائلة بايدن، فإن كان على استعداد أن يقول شيئا كهذا في العلن، فهل يشك أحد بأنه على استعداد أن يبيع البلد سرا إن ظن أن ذلك سيفيده شخصيا؟".
ويقول الكاتب: "يجب أن نتذكر أنه فعل ذلك كله لنفسه وباختياره، فلا أحد أكرهه على أن يلاحق نظريات مؤامرة غريبة حول أوكرانيا وشركة (كراودسترايك) والسيرفر الخاص باللجنة القومية للحزب الديمقراطي، ولا أحد أكرهه على تجميد المساعدات لأوكرانيا، والضغط على رئيسها لتعميق التحقيق في عائلة المرشح الرئاسي الديمقراطي المحتمل جو بايدن (وهي قضية حققت فيها أوكرانيا أصلا ولم تجد أي دليل على ارتكاب مخالفات)، ولا أحد أكره ترامب ليرسل محاميه الخاص إلى أوكرانيا ليطارد تلك الأشباح، لقد كانت فكرة ترامب وحده أن يقول للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي ليعمل مع المدعي العام الأمريكي وليام بار في هذا الموضوع الزائف، ولم تقم رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، بالطلب منه أن يرتكب جنح قابلة للمساءلة، فباختصار: هو من قام بهذا كله بمبادرة منه".
ويجد والت أن "هذا الاستنتاج الواضح يثير سؤالا آخر، سؤالا يتعلق بالديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين وبقية العالم، الآن وقد بدأ التحقيق (ويتوقع أن يؤدي إلى تصويت رسمي في مجلس النواب)، فكيف يمكن لهذا الوضع أن يؤثر على السياسة الخارجية؟ فسواء كنت تحب ترامب أو تبغضه، يجب التفكير إن كان توجيه تهمة له سيؤثر على موقع أمريكا في العالم والسياسات التي يمكنها القيام بها على مدى الأشهر القليلة القادمة".
ويقول الباحث: "واضح ان هناك تخوفا من أن تشكل عملية اتهام ومساءلة ترامب انشغالا كبيرا، ما يجعل من الصعب على الحكومة الأمريكية التعامل مع القضايا المحلية والخارجية، فكيف يمكن لترامب أو البيت الأبيض التعامل مع مشكلات المخدرات والعنف المسلح وأفغانستان وكوريا الشمالية والحرب التجارية وغيرها في الوقت الذي يقضون فيه ساعات طويلة يكافحون لأجل بقائهم السياسي؟ بالإضافة إلى شأن آخر مثير للقلق، وهو أن توجيه تهمة للرئيس ومساءلته سيعمقان الاستقطاب الذي أعاق السياسة الأمريكية لبعض الوقت، خاصة عندما يبذل ترامب جهدا مضاعفا لمحاولة إقناع قاعدته الشعبية بأن الأمر ليس سوى أسطورة لا أصل لها حاكتها بيلوسي وعائلة كلينتون و(أم أس أن بي سي) وجورج سوروس وأي شخص آخر يستطيع أن يحلم فيه، (لم يحاول إلى الآن إلصاق التهمة بمريل ستريب ولا روبرت دينيرو ولا ديكسي تشيكس.. لكن امنحه وقتا وقد يفعل)".
ويستدرك والت متسائلا: "هل سيكون لعملية توجيه تهمة ومساءلة الرئيس أثر كبير على السياسة؟ لا أظن ذلك، ولفهم السبب من المفيد أن نميز بين الآثار قصيرة المدى على قدرة ترامب القيام بالسياسة الخارجية بشكل فعال والآثار طويلة الأمد على القوة النسبية لأمريكا".
ويبين الكاتب أنه "بالنسبة للأول، فإنه قد تكون لعملية الاتهام والمساءلة آثار ضارة لو كانت الإدارة حاليا تطبق سياسة خارجية طموحة ونشطة وناجحة بشكل عام، ولو كان هذا هو الحال فحتى الديمقراطيين الذين يعارضون ترامب على أسس أخرى قد يقلقهم أن توجيه تهمة له سيعطل جهودا ناجحة لحل المشكلات الدولية الكبيرة، أو يساعد على التقدم في المصالح الوطنية لأمريكا".
ويستدرك والت بأن "الحال ليس كذلك اليوم، وفي الواقع فإن إدارة ترامب لا تزال بحاجة لأن تحقق أي شيء مهم في السياسة الخارجية، فالمبادرات الخاطئة التي قامت بها كلها تركتها عالقة في مسرب العربات المتعطلة، ولا تحتاج إلا أن تنظر الى السجل: كوريا الشمالية تقوم بصناعة المزيد من الأسلحة النووية وتختبر صواريخ أكثر خطورة، وإيران تتحدى حملة ما سماه ترامب الضغط الأقصى، وبدأت تدريجيا تعود إلى برنامجها النووي وترد بأشكال أخرى، ولا تزال الاتفاقية التجارية المعدلة مع كندا والمكسيك غير مصادق عليها (ولم تكن إنجازا من الأصل) والعلاقات مع روسيا لا تزال متجمدة، وما كان يفترض أنها خطة السلام للشرق الأوسط من صنع الدبلوماسي الهاوي جاريد كوشنر لا تزال تراوح مكانها، ومنح محمد بن سلمان دعما غير مشروط تسبب في زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر، وعلى عكس تصريحات ترامب فإن الحرب التجارية مع الصين تثبت أنها ليست جيدة ولا من السهل الانتصار فيها".
ويجد الباحث أنه "كما هو الحال في هزيمة أوكرانيا، فإن هذا السجل كله من صنع الرئيس، فبالإضافة إلى عدم وجود رؤية استراتيجية واضحة، ومقاربة عشوائية لاتخاذ القرارات، وكثير من الأفكار الخاطئة بخصوص قضايا رئيسية، وقلة صبر لا تناسب الدبلوماسية الجادة، فإن ترامب يرأس جهاز سياسة خارجية فوضويا وغير مؤهل، وبعد أن وعد أن يوظف (أفضل الناس) قام بدلا من ذلك بتعيين أشخاص اضطر بعضهم أن يستقيل وسط فضائح جنائية (مستشار الأمن القومي الأسبق مايكل فلين) أو أقيل من الرئيس (مثل مستشاري الأمن القومي السابقين ماكماستر وجون بولتون ووزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون وغيرهم الكثير)، ولا تزال مواقع رئيسية شاغرة، والتغييرات داخل الإدارة وصلت إلى مستويات قياسية، ويبدو الرئيس مهتما بمؤامرات فضح زيفها أكثر من تطوير سياسة خارجية متسقة وناجحة".
ويقول والت: "لو لم يكن البيت الأبيض تحت حكم ترامب منشغلا بموضوع التحقيق والمساءلة، فلن يكون قادرا على التقدم كثيرا في السياسة الخارجية، صحيح أننا قد نرى المزيد من المؤتمرات الصحافية الغريبة والمخجلة مع الزوار الأجانب، مثل ذلك الذي عقد مع الرئيس الفنلندي، لكن حتى ذلك ليس أمرا جديدا، ولم يكن ترامب بحاجة للتحقيق والمساءلة حتى يسيء التصرف خلال لقاءاته مع الزعماء الأجانب، وحتى عندما يكون لدى ترامب حدس جيد، مثل الرغبة في (الخروج من موضوع بناء الأوطان)، وتجنب الالتزامات المفتوحة في أماكن مثل أفغانستان وسوريا، فإن مقاربته المتهورة لاتخاذ القرار تؤدي به إلى تطبيق ذلك الحدس بأسوأ طريقة ممكنة، دون تحضير كاف أو اهتمام كاف للتداعيات على المدى الطويل".
ويؤكد الكاتب أنه "نظرا لمدى سوء إدارته للعلاقات الخارجية، فإن بإمكان الشخص الاحتجاج بأن انشغال ترامب بموضوع التحقيق والمساءلة أمر جيد، فربما يكون من الأفضل للجميع عندما يكون الوقت الذي يعطيه للسياسة الخارجية أقل".
ويتساءل والت: "ماذا عن المدى الطويل؟ والسؤال هنا هو ما إذا كان بإمكان الرئيس أن يدعم أجندة محلية تساعد أمريكا في البقاء في القمة لأطول فترة ممكنة، والسماح لأكبر عدد من الأمريكيين أن يعيشوا حياة آمنة ووافرة، إن سياسات ذكية تعالج موضوع المخدرات، وتقلل من الجريمة المسلحة، وتحمي من التغيرات المناخية، وتعيد بناء البنية التحتية المتهالكة لأمريكا، وتحسن مستويات التعليم والعديد من القضايا الأخرى ستفيد الكثير من الأمريكيين على المدى القصير، وتبقي تنافسية أمريكا العالمية لمدة أطول، وفي المقابل، فإن الفشل في التعامل مع هذه القضايا سيسهل على الآخرين أن يقللوا من هامش أمريكا ويشوهوا صورتها في العالم".
ويقول الباحث: "مرة أخرى لو كان ترامب يحقق تقدما على المستوى المحلي، وكان التحقيق والمساءلة سيتسببان بتعطيل جهوده، فلربما كان هناك أساس لمعارضتهما، لكن حاليا فإن أجندة ترامب المحلية -كما هي- ميتة، فتخفيض الضرائب في السنة الأولى زاد من فجوة اللامساواة، ولم يعط أي نتائج إيجابية طويلة الأمد للاقتصاد (ولذلك يستمر ترامب في لوم رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي عينه هو بنفسه)، وعندما جاء وعد بتطوير كبير في البنية التحتية، لكنه لم يهتم حتى بتقديم خطة لذلك، وفشل جهده الخاطئ في إلغاء قانون التأمين الصحي (الذي أدخله أوباما) حتى عندما كان الحزب الجمهوري يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس، بالإضافة إلى أنه لن يكون هناك جدار حقيقي مع المكسيك، ولن تدفع المكسيك تكلفته، والحاجز المحسن الذي تم إنشاؤه على الحدود تم بأموال تم تحويلها من ميزانية الدفاع، ولن يساعد في التخفيف من الهجرة غير المشروعة، وسيكون بإمكان وزراء، مثل بتسي ديفوس (التعليم) وديفيد بيرنهاردت، أن يستمروا في عملياتهم التدميرية، لكن ذلك كان سيحصل سواء تم توجيه تهمة لترامب أم لا، ولذلك فلن يكون هناك أثر سلبي يؤثر على إمكانيات ترامب في دعم أجندة محلية إيجابية لإن إمكانياته لفعل ذلك هي صفر أصلا".
ويجد والت أنه "لهذه الأسباب كلها فإن توجيه التهمة للرئيس لن يكون له أثر سلبي على سياسة ترامب الخارجية والمحلية، لكن هناك تحذير واحد ومهم، فإن صوت مجلس النواب على توجيه تهمة للرئيس واكتسب الجمهوريون صلابة تجعلهم يضعون مصلحة البلد فوق مصلحة الحزب فإن البيت الأبيض سيجد نفسه في مأزق، وفي هذه الظروف سيميل ترامب إلى استخدام السياسة الخارجية لإبعاد النظر عن حملة محاسبة الرئيس ولإفقادها مصداقيتها، (وهذا ما حاول ريتشارد نيكسون فعله)".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لكن أكثر الاحتمالات إثارة للقلق هي محاولة حشد الدعم الشعبي من خلال حرب مفبركة، أو أن يسعى ترامب لتحقيق خرق في العلاقات مع إيران أو الصين أو كوريا الشمالية، وفي هذه الحالة سيكون تفاوضه معهم من موقع ضعف، وهم ليسوا أغبياء وسيتعاملون معه مع علمهم بحاجته الماسة لتحقيق نجاح مهما كان، وفي هذه الحالة ستؤدي مساءلة الرئيس بشكل غير مباشر إلى أخطاء فظيعة في السياسة الخارجية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)