هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "فورين أفيرز" مقالا للمؤرخ والباحث في شؤون الجزائر في جامعة أوكسفورد جيمس ماكدوغال، يقول فيه إن الحركة التي أدت إلى رحيل عبد العزيز بوتفليقة بدأت بالهتاف بـ"لا للعهدة الخامسة".
ويشير ماكدوغال في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن بوتفليقة، الذي يحكم البلاد منذ عام 1999، وكان يحضر لعيد ميلاده الـ82، كان يريد الترشح في الانتخابات الرئاسية تمنحه فترة خامسة في الحكم، إلا أن الجزائريين شعروا أنهم لم يعودوا يحتملون.
ويلفت الكاتب إلى التظاهرات بدأت ضد بوتفليقة في المدن في ولايات الشرق، مثل برج بوعريريج وخراطة، وتظاهر في 22 شباط/ فبراير عشرات الآلاف في شوارع العاصمة الجزائر وبقية المدن الأخرى، وحاولت القنوات التلفازية الرسمية تجاهل الاحتجاجات بشكل دفع الصحافيين الكبار فيها للاستقالة، وبعد ذلك قاموا بتنظيم احتجاجاتهم الخاصة.
ويفيد ماكدوغال بأنه مع تزايد الأعداد من مئات الآلاف إلى الملايين، فإن المدن الجزائرية تحولت، وعلى مدى خمس جمع، إلى ساحات احتجاج ضد النظام، وشارك في هذه الفترة المحاربون القدماء وعمال الإطفاء والقضاة والمحامون والطلاب والمدرسون، مشيرا إلى أن الحراك أكد السلمية والمدنية، و"كان (الحراك) مفاجئا وعفويا وساحقا، وفاجأت التظاهرات النظام الراضي عن نفسه والمتصلب".
ويقول الباحث إن "صناع القرار في الجيش والمؤسسة الأمنية والمقربين منهم فشلوا في اتخاذ القرار المناسب، فبعد حكم البلاد لمدة 30 عاما لم يكونوا قادرين على تقديم بديل عن الرئيس العجوز".
ويبين ماكدوغال أنه "هو نفسه الذي جلبته مجموعة من الجنرالات عام 1999؛ ليطوي صفحة السنوات السوداء، التي بدأت في كانون الثاني/ يناير 1992، عندما ألغى الجيش الانتخابات لمنع انتصار الإسلاميين، وأدى انقلاب الجيش إلى تمرد إسلامي تحول إلى حرب أهلية وحشية مع الجيش، وجاء بوتفليقة حاملا معه برنامج (المصالحة الوطنية)، ورغم المهزلة الانتخابية التي جلبته إلى السلطة، إلا أنه حصل على شعبية، فقد كان وزيرا للخارجية جذابا في السبعينيات من القرن الماضي، ولا يزال الكثير من الجزائريين يربطونه بالأيام السعيدة لبناء الدولة والكرامة الوطنية، فلم يقم بوتفليقة في الفترتين الرئاسيتين (1999-2009) بالقضاء على العنف فحسب، بل إنه وضع البلد على الخريطة من جديد".
وينوه الكاتب إلى أن "الرئيس لم يكن واجهة للجيش فقط، بل عزل الجنرالات الذين كانوا وراء انقلاب عام 1992، وبنى قاعدة سلطة جديدة تدور حوله، وفي نهاية فترته الثانية عدل أنصاره الدستور للسماح له بالترشح مرة ثالثة، وقام مع شقيقه الأصغر سعيد بإنشاء شبكة من رجال الأعمال والجماعات السياسية الموالية له (قبيلة بوتفليقة)، بشكل أدى إلى انتعاش المحسوبية الرأسمالية، التي استفادت من الموارد النفطية والغاز الطبيعي".
ويستدرك ماكدوغال بأن "بوتفليقة كان يهرم، وفي عام 2013 أصيب بجلطة دماغية، وكان مريضا في أثناء الانتخابات الرئاسية في عام 2014، لكن لم يكن هناك بديل يوثق فيه، وبدأ الجزائريون بإظهار الضيق، خاصة أن نسبة 54% منهم ممن هم تحت سن الثلاثين ولا يتذكرون أي شيء عن أحداث العقد الأسود، ورغم تعددية الأحزاب في الجزائر وسيطرة النظام عليها، إلا أنه قام بتوزيع الثروة والسلطة والمميزات من خلال الانتخابات".
ويقول الباحث إن "الجزائريين شعروا أن بلدهم تعرض للسرقة على يد النخب السياسية والتجارية، أو ما أطلقوا عليه (النظام)، تماما كما حصل بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1962، حين سرق (بارونات) جبهة التحرير الوطني البلاد، ولم يخش الجزائريون أبدا من التمرد، وواجهت رئاسة بوتفليقة منذ البداية حركة معارضة خافتة واحتجاجات محلية، منها حركة في منطقة القبائل عام 2001، وما اشتركت فيه هذه التظاهرات هو الحاجة لحكومة مسؤولة وعرضة للمحاسبة، وانتشرت هذه التظاهرات بشكل واسع في عام 2011، إلا أنها لم تتطور إلى حركة وطنية، كما حدث في تونس ومصر وليبيا، وكانت وسيلة للسكان المحرومين ليتحاوروا وبطريقة بناءة مع الدولة التي تملك المال الذي تعالج من خلاله المطالب الملحة".
ويرى ماكدوغال أن "ما افتقدته الدولة هو خطة بعيدة المدى لمعالجة المشكلات العميقة، علاوة على إدارة العملية الانتقالية بعد رحيل بوتفليقة، وكان إعلان الرئيس عن ترشحه لعهدة خامسة هو النقطة التي وحدت المواطنين الساخطين حول المطلب الرئيسي (لا لعهدة خامسة)، وكان مطلبا عاجلا، وما يجعله مطلبا رئيسيا هو أن الوقت قد انتهى وعلى النخبة الرحيل حالا".
ويقول الكاتب إن "تظاهرات هذا العام التي تم تصويرها بكثرة، والتشارك بها على وسائل التواصل الاجتماعي كان مهرجانيا، وحفلت بالأغاني الشعبية وهتافات مشجعي كرة القدم ولوحات إبداعية حملت شعارات باللغات العربية والبربرية والفرنسية والإنجليزية، بالإضافة إلى الرايات التي رفعت من نوافذ البيوت، وشاركت فيها عائلات بكاملها، وليس الشباب فقط، بل الآباء والأمهات والجدات أيضا، وكان الحراك محاولة واعية من ملايين الجزائريين لاستعادة الفضاء العام والرموز الوطنية، وحضرت صور الشهداء الذين قاتلوا في حرب الاستقلال، فاحتلال الشوارع ثم تنظيفها بعد نهاية التظاهرات كانا يؤكدان مطلبا رئيسيا للحركة: الجزائريون يريدون استعادة بلدهم، ومن بين الشعارات والهتافات والهاشتاغات التي تشير إلى هذا شعار (ينتهوا غا/ لنتخلص منهم) و"كليتو البلد يا سراقين/ نهبتم خيرات البلاد يا لصوص".
ويشير ماكدوغال إلى أن "قائد الجيش الجنرال أحمد قايد صالح قام بالتذكير بأن الرئيس لم يعد قادرا على الحكم، لكن يجب تطبيق القانون، واستقال في تلك الليلة، خاصة أن الدائرة المقربة منه حاولت تأجيل هذا القرار منذ 22 شباط/ فبراير، فقبل أسبوع كان ينظر إلى أحمد قايد صالح على أنه رجل من ضمن النخبة المقربة لبوتفليقة، لكنه ظهر على أنه رجل يريد القضاء على هذه الدائرة، وتم اعتقال أثرياء ورجال أعمال من حاشية الرئيس المستقيل، فيما عزل مدير المخابرات والأمن المرتبطان بالرئيس وتم دمج مكتبيها في الجيش".
ويجد الباحث أنه "من خلال التخلي عن الرئيس، والإطاحة بالشلة المحيطة به، فإن قائد الجيش، الذي يعد من صناع القرار في الدولة الجزائرية منذ الاستقلال، كان يحاول الحفاظ على النظام، وسواء نجح أم لا فإن هذا أمر ننتظر لنرى نتيجته".
ويختم ماكدوغال مقاله بالقول إن "أحمد قايد صالح (79 عاما) مثل بوتفليقة، ينتمي إلى جيل التحرير الذي مات معظمه، وحكم البلاد طوال نصف القرن الماضي دون أن يكون قادرا على تنظيم وريث للنظام، ومن الشعارات التي رفعها المتظاهرون (1962 تحررت البلاد و2019 تحرر الشعب)، في 5 نيسان/ أبريل رجع الجزائريون إلى الشوارع وبأعداد غفيرة؛ لأنهم لم يكونوا يريدون رؤية ظهر الرئيس فقط، بل استعادة بلدهم الجزائر".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)