قضايا وآراء

السباق الرئاسي القادم في إيران

1300x600
أقل من ثلاثة أشهر، تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الثانية عشرة في إيران، وعن الدورة الخامسة لانتخابات مجالس البلديات، المزمع عقدهما متزامنين في 19 أيار/ مارس 2017.

تحظى هذه الدورة للاستحقاق الرئاسي في إيران بأهمية قصوى في ظل التطورات الإقليمية والدولية المحتملة بعد مجيء رئيس أمريكي جديد يختلف عن سلفه في السياسات والتوجهات في التعامل مع طهران.

ورغم أن عملية الترشيح لهذه الدورة من الانتخابات الرئاسية لم تبدأ بعد، إلا أن الأجواء السياسية في إيران بدأت تصبح انتخابية، ولو متأخرة نظرا إلى الدورات السابقة.

وبعد انسحاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد من السباق الرئاسي المقبل بعد تلقيه نصائح من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، ربما يتساءل المراقبون عن المرشح أو المرشحين المحتملين، الذين يعتزمون منافسة الرئيس روحاني الذي يحق له قانونيا الترشح لولاية ثانية حال قرر رسميا ذلك، وكيف ستكون الخارطة الانتخابية الرئاسية وموقف قطبي السياسة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المحافظين والإصلاحيين، منها.

في هذا السياق، ثمة مؤشرات انتخابية قد تساعدنا في استشراف هذا المشهد الانتخابي القادم إلى حد ما.

المعسكر الإصلاحي وانعدام البديل

التيارات والأحزاب الإصلاحية لم تعلن رسميا حتى هذه اللحظة عن أسماء مرشح أو مرشحين لهم للخوض في غمار السباق الرئاسي القادم، لكنهم لأسباب، ليس لهم إلا القبول بـ"الخيار المتوفر" من منطلق الواقعية السياسية، فيبدو هذا الخيار ليس إلا الرئيس روحاني المقرّب منهم، فرغم تحفظات للمعسكر الإصلاحي على بعض سياسات الرئيس الداخلية، إلا أن سجله، مقبول لدى الإصلاحيين بشكل عام، وخاصة في ما يتعلق بسياسته الخارجية المنفتحة تجاه الغرب، ونجاحه في كسر العزلة الدولية نسبيا، والتوصل للاتفاق النووي، بالتالي يمكننا القول إنه ما زال مرشحهم المفضّل، وإنهم لا يفكرون بالبديل "غير المتوفر" لديهم في الانتخابات القادمة، لذلك نستطيع القول إن مرشحّ التيار الإصلاحي شبه محسوم، وإن الإصلاحيين ينتظرون أن يحين الوقت المناسب للإعلان عن ذلك بشكل رسمي..

كما أن شخصيات سياسية محسوبة على هذا التيار أكدت أكثر من مرة أن الرئيس روحاني سيكون مرشحهم الوحيد للانتخابات القادمة.

وفي هذا السياق، قال رئيس كتلة "الأمل" الإصلاحية في مجلس الشورى الإسلامي المرشح الرئاسي السابق "محمد رضا عارف" في ندوة "الأمل والوحدة والرحمة" في جامعة أصفهان (في 29 ديسمبر 2016): "ليعلم الجميع أن تيار الإصلاحيين سيشارك في الانتخابات الرئاسية القادمة بمرشح واحد".

وجميع المؤشرات التي تخرج من المعسكر الإصلاحي، بدءا من تصريحات شخصياته المعروفة، مرورا بتحليلات صحفية مقربة من هذا المعسكر، ووصولاً إلى الدفاع عن الرئيس روحاني في مواجهة منتقديه الأصوليين، تُجمع حتى هذه اللحظة على أن هذا المرشح الواحد الذي يتحدث عنه "محمد رضا عارف" أحد كبار زعماء الإصلاحيين، ليس إلا الرئيس روحاني.

ويحظى روحاني أيضا بدعم تيار الاعتدال الذي دخل ضمن التيارات السياسية الرئيسة في البلد، بعد أن قدّم الرئيس روحاني نفسه خلال الدورة السابقة للانتخابات الرئاسية ضمن هذا الخط، وهو خط فكري سياسي نخبوي يتبنى خطابا يجمع بين الإصلاحية المعتدلة والأصولية المعتدلة، وهو إلى الخطاب الإصلاحي أكثر قربا، ويشكّل الإصلاحيون قاعدته الجماهيرية. ومن أهم قادة هذا التيار رئيس مجلس الشورى الإسلامي الأسبق الشيخ ناطق نوري، وحفيد مؤسس الثورة الإسلامية العالم الديني السيد "حسن الخميني".

المعسكر الأصولي وانعدام المنافس القوي

أما بالنسبة للمحافظين، إلى هذه اللحظة لا يبدو أنهم متوافقون فيما بينهم لتقديم برنامج انتخابي موحد ومرشح واحد، وهذا ما ظهر فيما صدر عن التيارات والجبهات الأصولية المعروفة، وقادتها.

المؤشرات حتى هذه اللحظة تبعث على القناعة أن الأطياف الرئيسة في هذا المعسكر تتجه نحو خيار "تعدد المرشحين" سواء كان ذلك نابعا عن تخطيط أم فشل في التوحد في مواجهة المرشح القوي للإصلاحيين والاعتداليين، والسبب الأبرز في ذلك يعود إلى عدم وجود مرشح قوي لديهم، يستطيع منافسة الرئيس روحاني على كرسي الرئاسة.

وفي هذا السياق، كان حزب المؤتلفة الإسلامي أحد الأحزاب المحافظة الرئيسة أول من تقدم بمرشح رئاسي، هو وزير الثقافة الأسبق "مصطفى ميرسليم" كمرشحه للسباق الرئاسي القادم، الذي لم يحظ ترشيحه بترحيب بقية التيارات الأصولية مثل "جبهة الصمود"، و"جمعية العلماء المناضلين" (روحانيت)، و"الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية" التي أسستها مؤخرا شخصيات، تنتمي إلى التيار الأصولي التقليدي.

الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية، والتي تعتبر النجم الأصولي الساطع لهذه الدورة من الانتخابات الرئاسية، وربما في الحياة السياسية للمعسكر الأصولي، تحاول منذ فترة جاهدة جمع كلمة هذا المعسكر وتوحيد صفهم خلال هذه المبارزة الانتخابية، وفي اجتماعاتها الأخيرة رغم نجاحات ضئيلة في توحيد بعض التيارات والشخصيات المحافظة، إلا أن الحظ لم يحالفها بعد في لم شمل الأصوليين وتقديم نفسها كجسم قيادي منظم مقبول لدى جميع تيارات هذا المعسكر.

عموما، ما طرح من أسماء كمرشحين محتملين للأصوليين أمثال رئيس بلدية طهران "محمد باقر قاليباف"، والسكريتر السابق لمجلس الأمن القومي "سعيد جليلي" ونائب الرئيس السابق "حميد رضا بقائي" الذي يعتبره البعض مرشح نجاد في هذه الانتخابات، يُستبعد أن يشكل هؤلاء خطراً على فوز الرئيس روحاني.

بالمجمل، تتوقف خطوات الاصوليين الانتخابية على نتائج استطلاعات رأي وتقييمات استشرافية لمعرفة مدى شعبية الرئيس روحاني، بناء على مستجدات سياسية واقتصادية مثل سلوك الرئيس الأمريكي الجديد تجاه الاتفاق النووي، والوضع المعيشي العام في البلد، هنا قد يتمنى بعض خصوم الرئيس روحاني أن يقوم ترامب بتنفيذ وعده الانتخابي فيما يتعلق بهذا الاتفاق لكي يتم توظيف ذلك في الانتخابات الرئاسية القادمة على حساب روحاني.

عموما، في ما يتعلق بالسياسة الانتخابية للمعسكر الأصولي يمكننا أن نتصور السيناريوهين التاليين:

1ـ في حال كانت نتيجة تقييمات الأصوليين الميدانية، أن الرئيس روحاني مازال يتمتع بشعبية كبيرة، تمكنّه من تحقيق فوز مريح بولاية ثانية، يُستبعد أن يتقدم التيار الأصولي بمرشح قوي في هذه الدورة من انتخابات الرئاسة إن توفر هذا المرشح أصلا، لكنهم لتسجيل الحضور في المشهد الانتخابي، والتقليل من الأصوات التي يكسبها الرئيس روحاني، يُتوقع أن يتقدموا بمرشح أو مرشحين. هنا يُتوقع أن تنصب جهود الأصوليين وجل اهتمامهم على انتخابات مجالس البلديات، التي ستنظم بالتزامن مع انتخابات الرئاسة، والتركيز عليها ولاسيما في العاصمة طهران. ثم التحضير للسباق الانتخابي الرئاسي القادم في عام 2021.

2ـ في حال كانت نتيجة التقييمات مغرية لهم إلى حد ما في ظل عدم وقوع تحسن ملحوظ في الوضع المعيشي للناس، ووجدوا أن الرئيس روحاني فقد جزء من شعبيته وقاعدته الجماهيرية، حينئذ قد يُقرّر الأصوليون التقدم بعدد محدود من المرشحين، لكي ينجح كل واحد منهم في استمالة أصوات، للدفع بالانتخابات إلى جولة الإعادة، وتوحيد جهودهم في هذه الجولة لإلحاق الهزيمة بغريمهم السياسي.

وفي هذا السياق، ربما المتغير المهم الذي يسعى المعسكر الأصولي استثماره للتأثير على شعبية الرئيس روحاني وحكومته عند الرأي العام الإيراني، هو الواقع المعيشي للناس، الذي رغم رفع بعض العقوبات لا يشعر المواطن الإيراني بتحسن ملحوظ فيه، كما أنه في ظل توجهات دونالد ترامب لفرض مزيد من العقوبات على إيران تحت ذرائع مختلفة كما فعل ذلك أخيرا بعد التجربة الصاروخية الإيرانية، على الأغلب سوف يحاول الأصوليون استثمار ذلك في مواجهة الإصلاحيين الذين ينظرون إلى هذا الاتفاق كإنجاز كبير.

هنا ما يجدر ذكره أن عدم شعور المواطن بتحسن ملحوظ لا يعني أن الحكومة فشلت على الصعيد الاقتصادي، بل أنها حققت النجاح في إيقاف التدهور الاقتصادي، وما يُعرف بالركود السلبي وكذلك ضخ أموال في السوق، نتيجة رفع العقوبات على قطاع النفط، وتحرير جزء من الأموال المجمدة  في الخارج.

المشهد الانتخابي بعد وفاة "صانع الرؤساء"

لا شك أن وفاة الشيخ رفسنجاني الذي كان يُعرف برجل الأزمات وصانع الرؤساء، ستكون لها تداعيات على الحياة السياسية الإيرانية، على المديين القريب والبعيد، منها التأثير على موازين القوة بين التيارات السياسية الداخلية، لأن فقدانه يمثل خسارة كبيرة للتيار الإصلاحي والاعتدالي الذي فقد أكبر داعميه في مفاصل الدولة، وحلقة الوصل بين الإصلاحيين وأركانها، هذا التأثير قد يستشعره هذان التياران أكثر على المدى البعيد، لكن على المدى القريب وعلى عكس ما ذهب إليه بعض التحليلات بعد وفاة الشيخ هاشمي رفسنجاني، بأن وفاته سوف تقلل فرص فوز الرئيس روحاني لولاية ثانية، أستطيع القول أنه على الأرجح يحدث عكس ذلك، حيث يُفترض أن يوصّل موقع الشيخ رفسنجاني الجماهيري، الرئيس روحاني إلى كرسي الرئاسة لولاية ثانية مرة أخرى.
 
لذلك يمكننا القول إن قدرة الشيخ الراحل على صناعة الرؤساء على الأقل ستظل قائمة في الدورة القادمة لانتخابات الرئاسة الإيرانية، حتى بعد انتقاله إلى مثواه الأخير.

روحاني منافس بلامنازع

خلاصة القول، أنه في ظل ما ذهبنا إليه، يكون الرئيس روحاني منافس بلامنازع حتى هذه اللحظة، وعلى الأغلب حتى يوم الانتخابات، ودعمه على الأرجح لا يقتصر على الاعتداليين أو الإصلاحيين فحسب، بل يتعدّاهم إلى الأصوليين والمحافظين المعتدلين أيضاً، أمثال رئيس مجلس الشورى الإسلامي "علي لاريجاني" الذي يُستبعد أن يرشح نفسه هذه الدورة رغم وجود بعض التكهنات حول احتمال ذلك. كما أن روحاني قد يكون "المرشح المفضّل" للدولة أيضا في ظل الظروف الإقليمية والدولية المضطربة.

هذا لا يعني أن روحاني سيحصل هذه الدورة على عدد أكبر من الأصوات مقارنة بالدورة السابقة، بل قد تقل أصواته هذه المرة بسبب العامل الاقتصادي الذي يُعتبر موطن الضعف الرئيس لحكومة الرئيس روحاني، مما سيوظفه خصومه للتأثير على نتائج الانتخابات وتقليل أصواته.

رغم هذه القراءة، وفي الختام لا بد من التأكيد على أنه يجب أن لا نغفل عنصر "المفاجأة" الذي يشكّل عاملا مهما في سير العملية الانتخابية الإيرانية برمتها في كثير من الأحيان.