قضايا وآراء

هل يضحّي الروس بإيران؟!

1300x600
يتساءل كثيرون عن إمكانية استمرار العلاقة الإيرانية الروسية بهذا القدر من الانسجام والتعاون في سوريا، ولا سيما أن الإيديولوجيا والبنية العقائدية والفكرية مختلفة بينهما، رغم وجود سمة "الاستبداد" كقاسم مشترك، مع فوارق نسبية تعود لطبيعة نشوء وصعود نظام الملالي في إيران، والبوتيني - إن صحت التسمية - في روسيا. فالطرفان لا يقبلان بالمعارضة أو المشاركة.

إن التقارب الإيراني الروسي سببه الرئيس تلاقي المصالح ضد خصم مشترك، لا وجود رؤى وتطلعات مشتركة للبناء والسلم، فكلاهما يئن من عقوبات الغرب، وكلاهما في حاجة للآخر مع اختلاف النسب، وتصدُّع نقاط التلاقي سيؤدي حتما لتصدع التحالف باعتباره تحالفا غير بنيوي، وقد يطال التصدع "الملف السوري" دون سواه من الملفات رغم أهميته للإيرانيين.

فقد يضطر الروس للتضحية بإيران في سورية مقابل دفع بلاء لا تستطيع تحمل فاتورته من جهة، واستجلاب منفعة يصعب رفضها وغض الطرف عنها من جهة أخرى.

فإن مجيء ترامب الكاره لإيران لا شكّ سيغيّر مُعطيات المعادلة، ويدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنَّ العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا تختلف عن تلك التي كانت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فالمقومات التي تمتّع بها الاتحاد السوفييتي جعلت منه ندا حقيقيا ليس للولايات المتحدة وحسب، بل للغرب عموما، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي انهار القطب الاشتراكي الشيوعي، وتزعمت الولايات المتحدة مع حلفائها الغربيين العالم كقطب أحادي.

وعبثا - فيما نرى- حاول الروس بقيادة بوتين استعادة مجد السوفييت، فالإمكانات العسكرية والمادية والبشرية شاسعة بين الاتحاد السوفييتي والاتحاد الروسي، وما زال الروس يتأثرون بالعقوبات الغربية، ويتوجعون من وقع آلامها فكيف والحال هذه يكونون ندا؟!

يُضاف لما سبق الصراع التركي الإيراني الخفي على الأرض السورية، فتركيا لا تقبل أن تستحوذ إيران على سوريا كما استحوذت على العراق، وتدرك روسيا أنّ من جملة أسباب تقاربها مع تركيا سعي الأتراك لتحجيم الدور الإيراني في سوريا، ولو تطلب ذلك نفوذا ما لروسيا في سورية.

ويحضر هنا الدور الخليجي بفاعلية، فالعداء السعودي الإيراني أخذ طريق اللاعودة في ظل الوضع الراهن، فالسعودية لا ترى ما يحدث في سورية مجرد نفوذ بقدر ما تعده نقطة مفصلية للحفاظ على الوجود، وتوضح تصريحات المسؤولين السعوديين النارية تجاه إيران ذلك. فبعد خسارة العراق كداعم ورافعة للعرب بوجه إيران، لا تريد السعودية خسارة اليمن وسوريا، وبالتالي محاصرة إيران لها في عمقها العربي، لذلك يفضِّلُ السعوديون دوراً روسياً يزيح الإيرانيين عن مستقبل الحل السوري، فأوضح مستشار الأمير السعودي تركي الفيصل بن عبد العزيز في ميونخ؛ أن دور روسيا مهم جداً ومركزي للتوصل لتسوية سلمية للأزمة السورية.

فالولايات المتحدة واللاعبون في الإقليم لا يظهرون أي رفض - على الأقل حاليا - لدور روسي في حل الأزمة السورية، لكنهم يشترطون بشكل مباشر استبعاد إيران في مستقبل التسوية السورية. وإن كانت تركيا لا تصرح بذلك علنا، لكنّ أفعالها تقول ذلك.

ويبدو المحور الرافض لإيران أصلب عودا اليوم بوصول ترامب للبيت الأبيض، وتندرج زيارة رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكي لتركيا، وزيارة أردوغان للسعودية ضمن مسعى تهيئة الأجواء لذلك.

وتستشعر إيران حجم الخطر، وتدرك أنها لا تملك شيئا من مفاتيح اللعبة، لذلك تحاول ما أمكنها ترميم العلاقات مع الخليج، وتهدف زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الأخيرة للخليج تخفيف حدة التوتر ورسم خط للرجوع، ولكنها محاولة الوقت الضائع.

ولذلك ستجد روسيا في النهاية نفسها مضطرة للتضحية بإيران على الأقل بالملف السوري، وليس ذلك غريبا على الروس المعتادين على التخلي عن الحلفاء. فالروس يدركون أن المضي في معاداة ترامب "المتهور" لن يحقق لهم مكسبا، ويقود للمجهول. فترامب يعد إيران خطا أحمر وعدوا أول، فمن الحمق معاداة الولايات المتحدة في سوريا ولا سيما أن الأمريكيين لا يعترضون على دور روسي، كما تدرك روسيا أن دول الإقليم قوي عزمها فيما يتعلق بإيران بعد وصول ترامب، وبالتالي فالحسبة مع إيران خاسرة.

وما يدعو الروس للتضحية بإيران؛ الرغبة بخروج مشرف من المستنقع السوري، فالتجربة الروسية في سوريا جعلتها تدرك استحالة الحل في ظل وجود إيران. ومحاولة إيران عرقلة خروج الثوار من حلب، وتخريب اتفاق وقف النار عبر المليشيات الطائفية المرتبطة بها؛ يوضحان ذلك.

يضاف لذلك حرص الجميع على حفظ المصالح الروسية في سورية المستقبل، حتى المعارضة التي قصفتها روسيا رضيت الرعاية الروسية على أمل الخلاص من إيران.

وسيحاول الروس تأمين خروج مشرف لإيران التي ستقبل على مضض إنهاء دورها في سوريا لصالح الروس؛ نظرا لحاجتها الماسة لروسيا في ملفات أخرى.