كتاب عربي 21

هل تتغير السياسة الخارجية السعودية؟

1300x600
تكهنات كثيرة تدور في الأوساط الصحفية وبعض المستويات السياسية حول التوجهات المتوقعة للسياسة الخارجية السعودية بعد وفاة الملك عبدالله وتولي سلمان سدة الحكم. كثير من هذه التكهنات يدفع نحو رسم صورة "مُتخيلة" حول شخصية سلمان ومحاولة إسقاطها على السياسات الخاصة بالدولة، في محاولة "تفاؤلية" لافتراض مستقبل أفضل للتدخل السعودي في صراعات المنطقة. 

لكن، ومع أن "السعودية" مملكة ونظام الحكم بها فردي إلا أن شخص الملك لا يحدد بمفرده التوجهات السياسية للدولة وإن كان يؤثر فيها وله فيها القول المرجح، فالسياسة الخارجية السعودية ميراث كبير وضخم لا يمكن تجاوزه، وهي ذات مسار تاريخي أصبح شكله محددا ويمكن قراءته جيدا في كل الظروف، وأصبح لدى المملكة إرث سياسي يمكن من خلاله استشفاف المحددات الثابتة للمملكة في تصورها للخارج والمحيطز وهناك عوامل "قهرية" في السياسات الخارجية لكل الدول النامية، من ضمنها تأثير المتغيرات الدولية ولعبة الأحلاف وتوجهات الحلفاء الكبار في المنطقة، وبالتالي تتأثر سياسة كل دولة بتوجهات الكبار حتما.

كما أن الصراعات الإقليمية تفرض على الدول اختيار مواقف "جبرية" تتوافق مع منظومة مصالحها التي هي ليست من وضع ملك ما وإنما مصالح رسمها السلوك التاريخي للدولة، وبالتالي قد يمكن للملك أن يختار بين مستويات المواقف لكنه لا يمكنه عكس توجهاتها، كما هي السياسة الخارجية الأمريكية التي تتأرجح بين كيفية تحقيق المصالح الأمريكية الثابتة لكنها لا تُغير مفهوم المصالح ذاته، فهناك محددات ثابتة لا يمكن القفز فوقها.

نعم يمكن لدول صغيرة ما زالت تشق طريقها أن تتأرجح في توصيف مصالحها وتغير مساراتها، لكن الدول الكبيرة التي تتميز باستقرار النظام السياسي فيها لمدد تصل إلى 100 سنة وتضطلع بدور كبير في محيطها، يمكن أن نقرأ جيدا سلوكها. 

السعودية إذًا لها محاور ثابتة في السياسة الخارجية، وبالأخص بما يتعلق بشكل الحكم في الدول المحيطة بها، فهناك نوعان من المحرمات السياسية: 

الأولى: عدم وصول أي مشروع إسلام سياسي للسلطة في أي دولة عربية، وبالأخص وصول تنظيم متجاوز للدول كـ"الإخوان المسلمين".

وهذه مُسَلمَة في الثوابت السياسية للمملكة لن يغيرها ذهاب عبدالله أو قدوم سلمان، وقد تتورط المملكة في دعم تيارات سلفية في دول المنطقة كامتداد تبشيري لها لكنها لن تقبل أيضا بوصولهم للسلطة، فما بالك بالإخوان المسلمين كخصم تراه السلفية السعودية يأكل من رصيدها؟ .. و إذا بحثت في تدخلات المملكة السعودية في الجزائر أو مصر أو حتى فلسطين والأردن واليمن فستجد ذلك واضحا، وبالتالي لا يتوقع أحد أن يتحول موقف سلمان نحو دعم الإخوان! فقط ما يمكن أن يحدث هو محاولات الدفع بتهدئة في مصر حال ضمان عدم عودة الإخوان لممارسة السلطة، فالنظام العسكري في مصر هو ما ترتاح له المملكة. كذلك في اليمن؛ لن تقبل المملكة بإعادة الإخوان إلى السلطة.. فقط قد تحاول توظيفهم ضد الحوثي واستخدامهم لا أكثر.

الثانية: عدم وجود أي نظام ديمقراطي وتداول سلطة في الدول المحيطة والسعي الدائم لمنع حدوث هذا أو إفشاله، أو إن حدث فسيتم تقليل أضراره من خلال دعم طرف على حساب آخر داخل المنظومة الديمقراطية نفسها. 

وهذه أيضا من ثوابت السياسة الخارجية السعودية، فوجود نظام ديمقراطي تعددي في البيئة العربية سيشكل خطرا وجوديا على المملكة من ناحيتين، أولهما أنه يشكل مدخلا للإسلام السياسي للوصول للسلطة من طريق شعبي وشرعية شعبية، مما يهدد أصل النظام السعودي القائم على الاحتكار ويقدم للشعوب نموذجا منافسا، كما أن الداخل السعودي مولع بمتابعة الشأن الإقليمي بل وينقسم داخليا في تبايناتها، وبالتالي يسهل أن يعتنق النماذج ويسعى للمقارنة الداخلية لها، ولهذا يعتبر الوضع الحالي للربيع العربي خير داعم للنظام السعودي حيث إن عموم الفشل للتجارب الديمقراطية يشكل تدعيما لوجهة نظر السلطة داخليا. 

وعليه، فلا ينتظر البعض أن يدفع السعوديون بتحولات ديمقراطية في مصر أو في غيرها، هذا إن لم يدفعوا لإنهائها في تونس، وهذه عملية صعبة نظرا للظروف الخاصة بتونس، لكنهم لن يتوانوا في إفشالها أيضا، وأقصى ما يمكن أن تدفع له السعودية في حال وجود رؤية معتدلة للصراع، أن تدعم حدوث مصالحات "فقط" هي في حقيقتها تسكن الوضع الداخلي في مصر لصالح بقاء النظام العسكري وليس لصالح تغييره، وربما ستضغط في اتجاه فرض ذلك على النظام، لكنها لن تسعى أبدا لحل صيغة الصراع بإزاحة النظام العسكري.