في صيف عام 1994، عاد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى قطاع غزة بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق سلام مع إسرائيل والمعروف بـ"أوسلو".
وفور تأسيسها عملت السلطة الوطنية الفلسطينية، جاهدة على إنشاء مطار غزة الدولي الذي يعتبر الميناء الجوي الأول في فلسطين والذي يخدم حركة النقل الجوي للمسافرين والبضائع من وإلى فلسطين.
وفي أيلول/ سبتمر 1994 أصدر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مرسوماً رئاسياً يقضي بتأسيس سلطة الطيران المدني الفلسطيني كهيئة مستقلة، وقد نص مشروع القرار على بناء مطارات وتأسيس وتشغيل الخطوط الجوية الفلسطينية.
واعتبرت السلطة، آنذاك مشروع المطار من أهم المشاريع الاستراتيجية في فلسطين على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني.
وفي عام 1996 تم وضع حجر الأساس لمطار غزة الدولي، على الحدود الشرقية لمدينة رفح والذي عرف باسم “مطار ياسر عرفات الدولي” تيمنًا بالرئيس الفلسطيني كونه صاحب فكرة إنشائه.
وتم افتتاحه عام 1998 بحضور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق بيل كلينتون وزعيم جنوب أفريقيا الراحل نيسلون منديلا.
ومع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، تعرّض المطار لقصف إسرائيلي عنيف، أحاله إلى كومات من الدمار والخراب.
واليوم، يُراود الفلسطينيون حُلم الـ"مطار"، من جديد بعد أن أعادت فصائل المقاومة الفلسطينية، طرحه على طاولة المفاوضات في القاهرة من أجل التوصل إلى اتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، مع إسرائيل، ينهي الحرب المستمرة منذ السابع من تموز/ يوليو الماضي.
ويطرح الوفد الفلسطيني في مفاوضات القاهرة مطالب من بينها إنشاء ميناء بحري، وإعادة بناء المطار، إلى جانب فك الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، بكافة أشكاله.
ويستذكر 1.8 مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة، ما كان يُعرف بـ"مطار غزة الدولي"، ورحلات الطيران إلى الخارج التي لم تكن تتوقف على مدار الساعة.
ويحلم الغزيون، في الوقت الحالي، بأنّ تدب الحياة، في جدران ومهبط المطار، ويتحول المكان المهجور، إلى ممر يُنهي عذابات آلاف المرضى والحالات الإنسانية، أمام الإغلاق المتكرر لمعبر رفح البري، المنفذ الوحيد لسكان قطاع غزة للسفر للخارج.
ويقول صبحي أبو رضوان رئيس بلدية رفح (الفلسطينية)، في حديث لوكالة الأناضول، إن إعادة بناء مطار غزة الدولي، خطوة كفيلة بإنهاء معاناة قرابة مليوني مواطن.
وأضاف أن المطار، شكل في الماضي، متنفسا لأهالي قطاع غزة، وسهل أمور حياتهم الإنسانية والاقتصادية.
ويستذكر أبو رضوان، بحسرة كيف كانت الرحلات، تنطلق من مطار غزة إلى مطارات دول العالم ذهابا وإيابا.
وتمنى أن تتمكن المقاومة من تحقيق شروطها في إعادة بناء مطار غزة الدولي، وأن يتمكن سكان القطاع من السفر عبر المطار.
واستدرك: "نحن نتحدث عن عوائد، سياسية واقتصادية، وحرية حركة للمسافرين، والمرضى، وهذه الشروط هي شروط إنسانية، عادلة، فمن حق الفلسطينيين أن ينعموا بمطار".
وبعد تدمير المطار بالكامل، وعدم تمكن الفلسطينيين من السفر، تم اعتماد معبر رفح البري، الحدودي مع مصر، كمنفذ بري وحيد لقطاع غزة نحو العالم.
وعقب إطاحة قادة الجيش، بمشاركة قوى شعبية وسياسية ودينية، بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، في تموز/ يوليو 2013، تغلق السلطات المصرية، معبر رفح بشكل شبه كامل، وتفتحه فقط لسفر الحالات الإنسانية.
وخلال الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة، قامت السلطات المصرية بفتح المعبر أمام سفر المصابين، والجرحى، والحالات الإنسانية.
وأنشئ مطار غزة بتمويل من "اليابان ومصر والسعودية وإسبانيا وألمانيا"، وتم تصميمه على يد معماريين من المغرب ليكون على شاكلة مطار "الدار البيضاء".
وتعود ملكية وإدارة المطار إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، وكانت تديره سلطة الطيران المدني الفلسطينية.
وبدأ العمل بالمطار عام 1995 ثم وُضع حجر الأساس له بتاريخ 20 كانون الثاني/ يناير 1996.
وهبطت طائرة الرئيس الراحل ياسر عرفات بتاريخ الثاني من حزيران/ يونيو عام 1996 كأول طائرة فلسطينية تهبط على مدرجه.
وكان الافتتاح الرسمي للمطار عام 1998 بحضور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق بيل كلينتون وزعيم جنوب أفريقيا الراحل نيسلون منديلا.
وكان المطار قادراً على نقل 700 ألف مسافر سنوياً، ويعمل على مدار الساعة.
وقبل أن يصبح أثرا بعد عين، كان المطار يضم 19 مبنى، وتبلغ مساحة المبنى الرئيسي له 4000 متر مربع، وهو مصمم وفق العمارة الإسلامية ومزخرف بالقرميد المغربي، وضم أكثر من 400 موظف.
وبدأ الأسطول الجوي الفلسطيني بطائرتين أولاهما من نوع "فوكر 50" تتسع لـ48 راكبًا، وكانتا منحةً من الحكومة الهولندية.
أما الثانية فهي طائرة "بوينج727" تبرّع بها الأمير الوليد بن طلال (رجل أعمال سعودي) وتتسع لـ160 راكبا، وكانت كافية لتسيير رحلات إلى دول عديدة بناءً على اتفاقيات النقل الجوي الموقعة بين فلسطين وتلك الدول، وكان يسافر عبره يوميًا ما بين 300-500 مسافر.
وفي ديسمبر/ كانون أول 2001، دمر الجيش الإسرائيلي محطة الرادار بالمطار والمدرج لكن ساحته لم تتعرض لدمار بالغ.
وقامت الجرافات الإسرائيلية بتمزيق المدرج إلى أجزاء في كانون الثاني/ يناير 2002، وأثناء حرب لبنان في صيف 2006 قصفت إسرائيل المبنى الأساسي، وحولته إلى أكوام من الدمار، إلى أن تلاشت معالمه.
وبعد تدميره تقدمت وفود الدول العربية لدى منظمة الطيران المدني الدولية (ICAO) وأحيل الموضوع إلي مجلس المنظمة، وقامت الوفود العربية في المجلس(السعودية، مصر، الجزائر ،ولبنان) بطرح القضية وفق نصوص المعاهدات والقانون الدولي.
وبعد مداولات مطولة، استخدم الوفد الأمريكي كل الوسائل للحيلولة دون إدانة إسرائيل، من قبل المجلس.
ولكن المجلس تحت إصرار الوفود العربية لجأ إلى التصويت، وكانت النتيجة إدانة إسرائيل التي دمرت مطارا مدنيا، وأجهزة ملاحية، يستخدم للأغراض المدنية فقط.
وكلف رئيس المجلس والأمين العام للأمم المتحدة بمتابعة تنفيذ القرار، لكن دون أن يتم تنفيذ شيء على أرض الواقع، ليظل إغلاق المطار مستمرا، وظلّت حجارته شاهدا على حلم فلسطيني لم يكتمل.
ويقول معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية (غير حكومي)، إنّ إعادة بناء مطار غزة الدولي، هو مطلب تكفله كافة القوانين الدولية، وهو مطلب إنساني يجب أن تدعمه كافة الدول.
وفي دراسة للمعهد مؤخرا، تلقت وكالة الأناضول نسخةً عنها، أكد أن الأهمية السياسية لإنشاء مطار غزة الدولي في كونه رمزاً من رموز سيادة الدولة الفلسطينية والاستقلالية الوطنية وعنصراً من عناصر تكامل وجود الدولة.
ولفت إلى أن الأهمية الاقتصادية، في إنشاء المطار تتمثل في فك أسر الاقتصاد الفلسطيني في عمليات التجارة الخارجية (الاستيراد والتصدير) وتوفير فرص العمل وتنشيط السياحة وتشجيع الاستثمار وإقامة الصناعات المساندة، وهذا بدوره يعمل على زيادة الناتج المحلي ورفع مستوى الدخل وخلق فرص عمل دائمة.
وأكد المعهد أن للمطار أهمية أمنية كونه وسيلة للحرية الشخصية للإنسان الفلسطيني في تنقله بين الوطن ومحيطه العربي والدولي، وتخليصه من المعاناة والإجراءات التي تمتهن كرامته وتمس أمنه في المعابر الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
ويحيط بقطاع غزة 7 معابر تخضع 6 منها لسيطرة إسرائيل، والمعبر الوحيد الخارج عن سيطرتها هو معبر رفح البري، والواقع على الحدود المصرية الفلسطينية.
وأغلقت إسرائيل 4 معابر تجارية في منتصف حزيران/ يونيو 2007 عقب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة.
ومع تشديدها للحصار، اعتمدت السلطات الإسرائيلية معبرين وحيدين فقط، مع قطاع غزة.
وأبقت على معبر كرم أبو سالم والمعروف إسرائيليا بـ"كيريم شالوم" والواقع أقصى جنوب القطاع (بين مصر وغزة وإسرائيل) معبرا تجاريا وحيدا، حصرت من خلاله إدخال البضائع المحدودة إلى القطاع، فيما أبقت على معبر بيت حانون (إيريز- شمال القطاع) كبوابة لتنقل فئات خاصة من الأفراد بين غزة والضفة الغربية.