نشرت "الغارديان" الثلاثاء تقريرا لمراسلها في
مصر باتريك كنغسلي حول معاناة اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الذين قدموا إلى مصر من سورية، وحاول قسم منهم الوصول عبر البحر إلى أوروبا فغرق من غرق وسجن من عاد إلى مصر.
ويركز الكاتب مقالته على حالة لاجئ فلسطيني اسمه محمود هرب هو وابنه البالغ من العمر 12 عاما من سورية، وفقد أمه وأخيه عندما غرق القارب الذي كان يقلهم إلى أوروبا، ولكن كان الأسوأ بانتظاره.
يقول الكاتب في مقالته: "بالنسبة لمحمد، السوري الفلسطيني، الذي كان يعمل موظفا في ريف دمشق؛ لم يتوقف الظلم عندما شوّه ابنه في الحرب الأهلية الدائرة في سورية. ولم يتوقف عندما هربا من سورية لمصر، ولا عندما دفعتهم كراهية الأجانب في مصر إلى السعي لوصول أوروبا بقارب، ولا عندما غرق القارب وغرقت معه أمه وغرق أخوه، ولا عندما أمتنع حرس الشواطيء عن إنقاذهم، إذ أن قمة الظلم بالنسبة إليه جاءت عندما تم سجنهم لثلاثة أشهر بعد عودتهم البائسة إلى شواطئ مصر، بتهمة مغادرة البلاد بشكل غير قانوني".
ويضيف "محمود واحد من 1400 لاجئ سوري، بينهم 50 طفلا، معتقلون دون محاكمة في زنازين الشرطة المصرية على السواحل المصرية الشمالية بعد أن قبض عليهم وهم يحاولون عبور البحر إلى أوروبا في شهر تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي. كما قبض على 35 آخرين على الأقل يحاولون العبور بداية هذا الشهر".
ومع أن السلطات المصرية منحت الإقامة لمدة ثلاثة أشهر لمئتين من المعتقلين السابقين في شهر كانون الأول/ ديسمبر، إلا أن أكثرية من أطلق سراحهم اشترطت عليهم مغادرة البلاد. وبالنسبة لمن هم من أصل فلسطيني فليس أمامهم سوى العودة إلى سورية.
ويؤكد الكاتب أنه وبحسب قوانين الأمم المتحدة، والتي تنص على أن كل من يهرب من سورية يجب أن يُمنح اللجوء في البلد المضيف، فإن سجن اللاجئين السوريين لأشهر في مصر هو انتهاك لحقوقهم كلاجئين. كما أن سجنهم يتعارض مع أمر المدعي العام المصري الذي أصدره بعد اعتقالهم بفترة وجيزة، والذي ينص على إطلاق سراحهم. ويشير إلى أن بين المعتقلين وليد عمره خمسة أشهر قضى منها في السجن أكثر مما قضى حرا.
وبدأت محنة اللاجئين بعد محاولتهم الإبحار إلى إيطاليا من الإسكندرية، حيث نجح حوالي 5000 في الوصول إلى الشواطئ الإيطالية بحسب مصادر الأمم المتحدة. ولكن 1500 آخرين تم اعتقالهم بعدما أوقف خفر السواحل المصري مراكبهم، وفي إحدى الحالات أطلقوا النار عليها، أو غرقت. يقول محمود الذي كان على متن قارب غرق "بعد خمس ساعات من الإبحار، صرخ قائد المركب أن المركب بدأ يغرق، فطلبنا منه أن يتصل بخفر السواحل، فأجاب بأنه اتصل بهم، ولكنهم لا يجيبون، والسبب أنه لو أنقذنا خفر السواحل، لكانت هناك أسئلة عن تمكننا من الوصول إلى هذا المكان، وسيكتشف الناس أن صاحب المركب دفع رشوة لخفر السواحل ليغضوا الطرف عن مركبه".
وقضى ركاب المركب المئة وخمسون ساعات في الماء، وغرق منهم 12 على الأقل منهم أم محمود وأخوه. أما ابنه والذي شوهه انفجار في سورية، وترك آثارا على بطنه وأعلى فخذيه فنجا".
يقول عمر، طالب كلية آداب من فلسطينيي سورية: "عندما كنا في الماء، كنا نسمع أصواتا ولكن لا نرى شيئا، كنت فقط أسمع أصوات استغاثة. صديقي أنقذ طفلة ولكنها كانت فارقت الحياة".
وكان سامر، أحد أصدقاء محمد، قد سبح لشاطئ الإسكندرية طلبا للمساعدة، فأخبره خفر السواحل بأن "الأمر ليس بأيديهم" فقام صيادو الأسماك بإنقاذهم مستخدمين قاربي صيد، ولكنهم أخذوا فقط الأحياء ولم يجرؤوا على أخذ الأموات، وقالوا هذه قضية للأمن أن يتعامل معها. ومع وصولهم للإسكندرية تم أخذهم لقاعدة بحرية، ثم لثلاث محطات شرطة على الأقل في المدينة.
وتحدث كاتب التقرير مع من أطلق سراحهم من محطة الشرطة في كرموز، وهي منطقة شعبية في الإسكندرية، والذين تم منحهم إقامات لمدة ثلاثة أشهر في شهر كانون الثاني/ ديسمبر. والذين سيضطر معظمهم للمغادرة إلى لبنان أو سورية بعد انتهاء الإقامة.
يقول التقرير إن "الأوضاع في محطة شرطة كرموز كانت أحسن قليلا من محطات أخرى، حيث قال ناشطون إنه تم الإعتداء على المعتقلين السوريين من قبل سجناء آخرين، وحيث وضع حوالي 80 شخصا في غرفة لا تزيد مساحتها عن 2.5 متر في 8 أمتار. وإحدى السجينات السوريات تعاني من ورم لم يتم علاجه، وأخرى تعاني من كسر في الساق، بحسب أطباء من حركة التضامن مع اللاجئين، وهي جمعية تدافع عن اللاجئين السوريين ومقرها في الإسكندرية".
في محطة كرموز حديثة البناء، سجن اللاجئون في زنازين أوسع وأنظف. ولكن الكبار لم يسمح لهم بالخروج نهائيا بينما هددهم المسؤولون الذين زاروهم بالتسفير إلى سورية. يقول عمر (23 عاما) "قالوا لي إنهم عندما يعيدونني إلى بشار سيحصلون على مكافأة". وقال بأنه فقد 3000 دولار خلال مأساة القارب، حيث أعاد له ضباط البحرية الحقيبة فيها الجواز وليس فيها النقود. بينما قال آخرون إن المهربين سرقوهم بعدما دفعوا 3200 دولار لكل واحد مقابل الركوب في القارب.
كما أن المعتقلين ومحاميهم قالوا إن اعتقالهم لم يكن مشروعا حيث أن 20 من 41 منهم في كرموز لديهم إقامات، كما أنهم أطلعوا "الغارديان" على وثائق تشير إلى أن المدعي العام أمر بإطلاق سراحهم، ولكن الشرطة لم تستجب للأمر.
وقال متحدث باسم الحكومة المصرية أن اعتقالهم كان مبررا لأنهم حاولوا مغادرة البلاد بطريقة غير شرعية "وهذه جريمة في القانون المصري"، بحسب بدر عبد العاطي الذي قال إن مصر أحسن من جارتها في استقبال اللاجئين، مضيفا "ليس لدينا مخيمات اعتقال أو مخيمات لاجئين كغيرنا من الدول. هناك القليل ممن لديهم مشاكل، ونحن نحاول جهدنا لتحسين ظروف الاعتقال وندعو المجتمع الدولي لتقديم مساعدات للتطوير أو أن تفتح حدودها".
غير أن اللاجئين السوريين عانوا حملات من الكراهية في أماكن أخرى من مصر منذ عزل الرئيس محمد مرسي في تموز/ يوليو. كما أن الإعلام حرض ضدهم وكثير منهم يعانون من المضايقات في الشارع، وعدم استقرار في العمل، وهذا ما يوضح لماذا يحرص الكثير منهم على المغادرة.
عبد العاطي ينكر أن مصر رحّلت أيا من المعتقلين إلى سورية. وقال إن من عاد منهم فعل ذلك بمحض إرادته، ولكن الناشطين والمعتقلين يقولون بأن سورية هي الخيار الوحيد بالنسبة للمعتقلين من فلسطينيي سورية.
ولكون اللاجئ الفلسطيني في سورية لا يحمل جواز سفر
سوريا، فهو لا يستطيع الذهاب الى تركيا مثل اللاجئ السوري، وخياره الوحيد أن يعود إلى سورية أو إلى لبنان، حيث يسمح له بالبقاء لمدة يومين قبل الذهاب إلى سورية.
بالنسبة لأولئك المعتقلين في كرموز، تبدو العودة إلى سورية أمرا لا يمكن تصوره. حيث يقول محمود "إذا عدت إلى سورية سوف أموت لأنني تركت وظيفتي الحكومية، وسيتهمونني بالخيانة ولم يعد لنا شيء في سورية فبيوتنا في مخيم اليرموك دمرت".