لا اعتقد أن دمشق الرسمية مهتمة كثيرا بالعلاقة مع الأردن، بالطريقة التي يوحي بها البعض، خصوصا، مع كثرة الكلام عن تحسن العلاقات السياسية بين البلدين خلال الفترة الأخيرة.
أسباب ذلك تعود إلى اتهام السوريين التقليدي للأردن ولدول عربية وغربية برعاية الفوضى السورية، وتدريب السوريين، وتمويل التنظيمات، وتشجيع السوريين على الخروج من بلادهم، وهذا الكلام قاله السوريون علنا مليون مرة، إضافة إلى اتهامهم الأردن بكونه جزءا من مجموعة حرضت على الفوضى، من خلال إقامة علاقات مع شبكات عشائرية في مناطق جنوب سورية.
هذه هي الأرضية الحساسة للعلاقة، مع معرفتنا بكون العلاقة الأردنية السورية وعلى مدى عقود لم تكن جيدة، سواء خلال مطلع السبعينيات، أو ما جرى بعد أحداث حماة ووصول أفراد من جماعة الإخوان المسلمين السوريين إلى الأردن، وما شهدته العلاقة من حوادث أمنية، تركت أثرا حادا على العلاقات بشكل تاريخي، يتجاوز هذه المرحلة المرتبطة بما جرى في سورية.
السوريون هذه الأيام يتعاملون مع الأردن ضمن الحد الأدنى، لاعتبارات كثيرة، أبرزها أنهم فتحوا بوابات عربية كبرى، يعتبرونها أهم من الأردن، وثانيها اعتقاد دمشق الرسمية أن كتلة اللاجئين السوريين في الأردن، كانت ضحية لتدخل أطراف عديدة في الملف السوري، وإدامة وجودهم في الأردن، يعد نوعا من العقاب الاقتصادي والأمني للأردن على مواقفها خلال هذه الفوضى، مثلما تعد عقابا لذات السوريين الذين تركوا بلادهم تحت عناوين مختلفة، وعاشوا في الأردن طوال عقد، ولم يوفروا نظام دمشق في تعليقاتهم واتصالاتهم وتصرفاتهم.
اللافت للانتباه هنا، أن دمشق أبلغت الأردن بشكل واضح ومحدد، أن التعاون في ملف اللجوء السوري، يعتمد على تنفيذ شرطين اثنين، أولهما رفع عقوبات قيصر الأمريكية، وثانيهما توفير التمويل المالي لمشاريع الإعمار. وتريد دمشق من عمان أن تضغط لدى الأمريكيين وعواصم ثانية من أجل الاستجابة للشرطين، بذريعة كونهما يوفران بيئة اقتصادية جاذبة تشجع على عودة السوريين، هذا على الرغم من إدراكنا أن القصة أساسا ليست اقتصادية لدى السوريين في الأردن، وإنما تتعلق بخوفهم على عائلاتهم من الظروف المتقلبة والتغول الأمني في سورية، بما يعني أن الاستجابة للشرطين لن تؤدي إلى مغادرة اللاجئين السوريين والعودة إلى بلادهم.
ليس أدل على تجنب دمشق التعاون مع الأردن، ما يجري على ملف
المخدرات والحدود، إذ على الرغم من كل الاتصالات السرية مع السوريين، والإشارات العلنية، إلا أن محاولات تهريب المخدرات مستمرة، ويكفي أننا في الأردن بتنا نسمع، يوميا، عن عمليات إلقاء القبض على تجار مخدرات، وكميات مخدرات، وشبكات موزعين، والخبر بات يوميا، بما يعني أن هناك شبكات كبيرة في الأردن تستفيد من هذه التجارة، وتعمل مع مصدرها السوري الأول والأخير.
على الرغم من الاتصالات السياسية من جانب الأردن مع السوريين، وزيارات مسؤولين أردنيين وسوريين لعمان ودمشق، إلا أن العلاقة تعد جافة للغاية، ويبدو وفقا لتقييمات معينة، أن دمشق متثاقلة في هذه العلاقة، وليس أدل على ذلك من عدم حدوث أي تحول جذري في العلاقات، في ظل شكوك وظنون متبادلة لا تظهر علنا هذه الأيام عبر الصياغات السياسية.
وفقا لما يقوله محللون على رفعة في المستوى، فإن العنصر الغائب في التقييمات يرتبط بعلاقة الأردن مع إيران، وهو الأمر ذاته نراه في علاقة الأردن مع العراق، ومن دون طهران لا يمكن للأردن أن يصل إلى مستويات فاعلة في العلاقات مع السوريين، بما يعني أن القصة في عمقها إقليمية ودولية، تصل إلى موقف الأمريكيين والإسرائيليين أيضا، وليست مجرد علاقة ثنائية بين بلدين عربيين متجاورين، حتى لا نبقى ندور حول أنفسنا في التوقعات السياسية.
دمشق متثاقلة، ومفاتيح بواباتها في طهران، والخرائط حول الأردن تتغير بسرعة، والمعادلات تتقلب على مستوى العالم العربي، والإقليم، وهناك تحالفات يتم تفكيكها وتحالفات جديدة تتم صياغتها من جديد، ليبقى السؤال حول الذي يمكن فعله عمليا من أجل إعادة تموضع الأردن في كل الإقليم وبين دوله، خصوصا مع حالة عدم اليقين، واستحالة التخطيط الاستراتيجي.
(الغد الأردنية)