المختلّ الذي أحرق نسخة من "القرآن
الكريم" في السويد من أصل عراقي. هاجر منذ سنوات قليلة فقط إلى السويد. وفي
ذات الأسبوع كانت هناك قصة أخرى لمهاجر سوري شاب انتخب عمدة لمدينة ألمانية، ولم
يمض على وجوده في ألمانيا سوى ثماني سنوات فقط!
هذان نموذجان لما يحدث للمهاجر أو
اللاجئ
العربي حين يصطدم بثقافة أخرى. وهما نموذجان أيضا للثقافة العربية التي نُصدّرها
للآخر.
ورغم أن 95 % او أكثر لم يتوقفوا عند الخبر
ليعرفوا أصول "السويدي" الذي أحرق كتابنا المقدس، أو أن الأغلبية أداروا
وجوههم ولم يرغبوا بمعرفة معلومة كهذه. وخرجوا ليحرقوا سفارة السويد في
العراق!
عربي فقير ومسحوق يضع كل طاقته وطاقات معارفه
ونفوذهم ويبيع كل ما تملك عائلته ليصل إلى دولة أوروبية لاجئا، وهناك يحاول أن
يجرب "حرية الرأي" التي يسمع عنها، فيحرق "القرآن" الذي يخصّه
هو ولا يعني السويديين في شيء! فينتفض أهله ومعارفه غضبا ويحرقون سفارة تلك
الدولة!
هي مفارقة لا يجرؤ على كتابتها أعظم الكتّاب
الساخرين، وسيتوقف في منتصفها ليقول لنفسه: ربما أبالغ قليلا!
ما الذي نريد أن نقوله للعالم؟
أحاول ان أتخيل كيف يفكر هذا الشاب السوري
الألماني الذي هرب من حرب طاحنة في بلاده، فصار "عمدة" في ألمانيا، وهل
يفكر الآن كسوري أو كألماني؟! والفارق كبير ومروّع.
فإن كان يفكر كألماني، فهو ممتن للمجتمع الذي
وفَّر له فرصة العيش الآدمية، وتمكينه من الانخراط في حياة طبيعية، بل وانتخابه
زعيما للمدينة التي يقيم فيها. أمّا إن كان سيستعيد جيناته العربية ويفكر كعربي،
فهو حتما منذ اليوم الأول لانتخابه سيشرع في إجراء "التعديلات"
الممكنة لبقائه عمدةً "إلى الأبد".
قد تقول: لو أن هذا الشاب بقي في سورية، لربما
كان الآن قتيلا برصاصة مجهولة، أو مفقودا، أو ربما مات في سجن
"صيدنايا"، أو في أحسن الأحوال يضع في فمه عقب سيجارة رخيصة، ويجمع
الأجرة من ركاب "الميكروباص" في ريف دمشق.
هذا بالطبع على سبيل المثال، فليس كل من بقي في
سورية مات، وليس كل من راح إلى ألمانيا صار "عمدة".
لكن هذين النموذجين يقودان إلى تفحّص
"الحرية" التي يحلم بها العربي؟ وهل هي دائما حرية منتجة وخلّاقة، أم
يمكن أن تقود صاحبها إلى حتفه؟ فالحرية بالنسبة للعربي شيء مبهمٌ، وغامض، مثل
سيارة "تسلا" لمزارع ثمانيني لم يركب في حياته غير
"التراكتور". فكيف يقف اللاجئ العربي متوازنا أمامها؛ إذا كان لم يسمع
بالحرية من قبل ولا يتخيل شكلها إن كانت نباتا أم جمادا!
هنا بالضبط أزمة العقل، لا أزمة الحرية.
الحرية صنعت من الشاب الأول
"مختلّا" يحرق القرآن، ومن الثاني نموذجا عبقريا مُشرّفا.
عليك إذن أن تفكر فيم ستنفقها، قبل أن تطالب
بالحرية.
(الغد الأردنية)