يشكل التبرير (justification) في علم النفس نوعا من حيل الدفاع عن النفس؛ بحثا عن
الانتصار للذات والإبقاء على حالة التفوق الشعورية، بخداع النفس وإلزامها تصديق
التبرير، وتقبل التسويغ غير المنطقي للأمور، والتعاطي معه بوصفه منطقيا؛ وذلك
هروبا من تأنيب الضمير أو الاعتراف بالخطأ، حيث لا يعترف المصاب بمتلازمة
السلطة
بأخطائه -كما أشرنا في مقالاتنا السابقة- ومع تكرار فرية التبرير مع كل تصرف خاطئ؛
تصبح عادة خطيرة تصدر عن العقل الباطن (Unconscious mind) بطريقة تلقائية تؤشر على عمق المرض واستفحاله في نفس
المصاب؛ بما يتطلب العرض على الطبيب النفسي أو مستشار الصحة النفسية.
ويحس المتابع لتصريحات
السيسي العبثية وتبريراته الوهمية أنه يعيش في زمن
مضى، أكل الدهر عليه وشرب؛ فهو لم يستطع أن يفهم بعد بأنه يعيش في زمن يمتزج فيه الاجتماعي
بالسياسي بالاقتصادي بالثقافي؛ بما ينتج واقعا قادرا على تحقيق الأمن المجتمعي والتعبير
عنه من خلال رؤى وتطلعات عصرية بعيدة عن محطات القهر والظلم التي وقعت على
المصريين، ودمرت الروح المعنوية للإنسان المصري.. إنه غير قادر على فهم معادلة
منطقية أولية بسيطة تقول بأن المخرجات ترتبط وثيقا بالمدخلات؛ وبأنك متى تزرع شوكا
تجنِ شوكا، ومتى تزرع وردا تجنِ وردا، ولا يمكن لأحد أن يصدق بأن الشوك يمكن أن
يستحيل وردا، كما يحاول السيسي طوال الوقت أن يثبت ذلك من خلال تبريرات هرائية..!!
يحس المتابع لتصريحات السيسي العبثية وتبريراته الوهمية أنه يعيش في زمن مضى، أكل الدهر عليه وشرب؛ فهو لم يستطع أن يفهم بعد بأنه يعيش في زمن يمتزج فيه الاجتماعي بالسياسي بالاقتصادي بالثقافي؛ بما ينتج واقعا قادرا على تحقيق الأمن المجتمعي والتعبير عنه من خلال رؤى وتطلعات عصرية بعيدة عن محطات القهر والظلم التي وقعت على المصريين
ما انفك السيسي يرتكب الخطأ تلو الخطأ، ويعالج
الخطأ بخطأ أكبر، ويبرر لكل أخطائه بطريقة لا تقنع أحدا، حتى أولئك المطبلون الدجالون
لا يقتنعون بتبريراته. وكم قرأنا على وجوه الحضور في اجتماعاته من إشارات جسدية
تعبر عنها الإيماءات وانقباضات الوجه، بما يعبر عن عدم الرضا عما يقوله سيدهم، إلا أنهم مضطرون إلى الادعاء بأن ما يقوله هو الحق رغم
أنوفهم، وهم المرتجفون الصاغرون، ولو خالف ذلك إيقاع الحياة ومنطق الكون، حتى وإن
كان ما يسوقه من تبرير -حين تحزبه الحجة وتحرجه الفطنة- لا يزيد عن قوله:
"أنا بقول كده وبس، أنا إللي فاهم وعارف بقول إيه".
لقد أوقع السيسي مصر وشعبها في مشكلات معقدة، يرتبط
بعضها ببعضه الآخر، فالمديونية العالية وفوائدها تأكل الناتج المحلي، ولمزيد من
الديون لتسديد فوائد الديون؛ يتم تعويم الجنيه، ويزداد حجم التضخم، والعجز عن حصول
المواطن على غذائه الأساسي وعلى رأسه الخبز، ناهيك عن (بلاها لحمة، بلاها فراخ،
بلاها سمك، بلاها بيض)، وانتهاء بالدعوة من خلال حملة إعلامية رخيصة للاعتماد على
أرجل الدجاج طعاما سائغا للجائعين؛ حتى باتت
الأزمات تتدافع بعضها وراء الآخر
كأحجار الدومينو بتسارع كبير، وهو ما اصطلح عليه بالأزمة متعددة الأوجه (Polycrisis)، وهو المصطلح المستخدم لوصف
الطبيعة المتشابكة لأزمة واحدة تتفشى في أزمات ذات صلة بالأزمة الرئيسية،
والمتمثلة في شخص السيسي وقراراته الباعثة على السخرية.
لقد برر السيسي
لبيع تيران وصنافير ببجاحة بأن الجزيرتين سعوديتان، وربما ضغط على عقله كثيرا
ليصدق نفسه في هذه الفرية.
وحين فضح المقاول
والفنان "محمد علي" قصة القصور الرئاسية، كان تبرير السيسي تافها وباعثا
على الضحك، حيث قال: "طيب قصور رئاسية.. آه أومال إيه؟ أنا عامل قصور رئاسية
وحعمل.. هي ليا؟ أنا بعمل دولة جديدة.. هو إنتو فاكرين لما تتكلموا بالباطل
حتخوفوني ولا إيه؟ لا.. أنا اعمل واعمل واعمل، بس مش بعمله ليا.. مش بإسمي.. مش
بإسمي.. مفيش حاجة بإسمي.. بإسم مصر... بإسم مصر"، ولك أن تحاول فهم أو
استيعاب ما يقوله.. وتفاهة التبرير وبجاحة المنطق الذي لا يقنع أحدا..
ظل السيسي يلقي باللائمة على الشعب المغلوب على أمره في كل مصائب الوطن، وحمّل الشعب المصري مسؤولية ما هم فيه من جوع وإنهاك بدعوى النمو السكاني المتزايد، ولم يكتف بالإشارة إلى ذلك مرات عدة، بل أصدر أوامره لمفتي الجمهورية "شوقي علام" ليصدر فتواه الشهيرة: "النبي حذر من كثرة الإنجاب"
وكعادته في تصدير الفشل وإلقاء اللوم على الآخر؛ ظل السيسي يلقي باللائمة
على الشعب المغلوب على أمره في كل مصائب الوطن، وحمّل الشعب المصري مسؤولية ما هم
فيه من جوع وإنهاك بدعوى النمو السكاني المتزايد، ولم يكتف بالإشارة إلى ذلك مرات
عدة، بل أصدر أوامره لمفتي الجمهورية "شوقي علام" ليصدر فتواه الشهيرة: "النبي
حذر من كثرة الإنجاب"، مبررا ذلك بكلام أربأ بنفسي أن أعيد ذكره لسخافته
وهشاشة منطقه الشرعي. وأكتفي في هذه النقطة بما قاله الصحافي المصري
جمال سلطان على حسابه في تويتر: "مصر 100 مليون نسمة، مساحتها مليون كم مربع،
تصدر غازا وبترولا، وإجمالي ناتجها المحلي 394 مليار دولار.. اليابان عدد سكانها 126 مليونا، ثلث مساحة مصر، لا
تملك أي مصادر طاقة، الناتج المحلي 5 تريليونات دولار.. ألمانيا، 83 مليون نسمة، ثلث مساحة مصر، لا تملك أي
مصادر طاقة، الناتج المحلي 4 تريليونات دولار.. فهل
المشكلة في زيادة السكان"؟!
وفي سياق
التبريرات والتسويغات الباعثة على السخرية، أن يتحدث السيسي عن حصار شعب أبي طالب
لثلاثة أعوام، حيث قطع عنهم الطعام والشراب لدرجة أنهم أكلوا ورق الشجر؛ ليرد عليه
أحدهم: "لست بالنبي، ولسنا بالصحابة"؛ فبدلا من أن يحاول الخروج من
المأزق الاقتصادي، يهيئ الشعب لما هو أسوأ؛ ويلومه على ما ارتكب هو من أخطاء
كارثية؛ فهو يمثل دور سائق قطار تسبب في حادث مميت، راح ضحيته عدد كبير من الناس؛
ثم خرج عليهم ليقول: لماذا تموتون؟ أنتم مجرمون لأنكم متم.. إنه يقتل الناس
ويلومهم على موتهم..!!
ولا
يتوقف السيسي عن الحديث عن الطرق والجسور، ويتباهى بها كلما تحدث عن إنجازاته
العملاقة التي كلفت الخزينة مليارات الدولارات، ويبرر لتشييدها بـ"عملتها من
أجل الأجيال القادمة"، وكأن الأجيال الحالية "ملعون أبوها" وممنوعة
من الفرح، وعليها أن تجوع لتفرح الأجيال القادمة بالجسور والطرق.. أي منطق هذا؟
إنها مبررات عاجز يبيع الناس الوهم
والأحلام الطائشة.. جسور وكباري للأجيال القادمة ولعنة الجوع والعري والقهر لجيل
اليوم.. إنه منطق المجانين.. علما بأن الأجيال القادمة تنتظر الخوازيق جراء الديون
التي سيخلفها لهم حتى العام 2071 على أقل تقدير!!
أما تفريعة قناة السويس الغبية؛ فهي لرفع الروح المعنوية للشعب.. وأما
العاصمة الإدارية الخرقاء؛ فهي مشروع هيبة.. وواضح تماما كم هي الروح المعنوية
للشعب مرتفعة بسبب هذه التفريعة التي سرق كلفتها من جيوب المواطنين الذين صدقوه،
وتأملوا به خيرا.. أما مشروع الهيبة؛ فحدث ولا حرج عن الهيبة التي فيها مصر
وشعبها؛ حيث لم يتبقَ للهيبة معنى، بعد أن طأطأ السيسي لكل من هب ودب متسولا
رخيصا، وبات شعبه لا يجد اللقمة ليضعها في أفواه صغاره الذين يتلمظون جوعا
وحرمانا..
وسد النهضة بات هذه
الأيام بعيدا عن الذكر، وبات الحديث عن تحلية مياه الصرف الصحي ثم الانتقال
إلى الحديث عن تحلية مياه البحر، هو الموضوع الشاغل له، من دون ذكر للنيل وسد
النهضة؛ فصار الحديث عن الحلول لنقص مياه النيل المبرر الموارب لكارثة سد النهضة..!!
باع السيسي كل شيء ممكن، حتى إنك لتحس أنه مسلط على مصر، لقتل روحها وذبحها من الوريد إلى الوريد، وتقديمها على طبق من ذهب لمحتلين أنيقين لا يحملون سلاحا، لكنهم يحملون شيكات وأقلاما مذهبة
يحدث كل هذا في
ظل أسرار سوداء تتعلق بموارد مصر من مناجم وحقول غاز؛ لتطرح أسئلة حتمية عن منجم
السكري الضخم لاستخراج الذهب في جبل السكري بصحراء النوبة، وعن حقول الغاز (ظهر
ونورس وآتول وتورس وفيوم وريفن وليبرا وجيزة)؛ التي تشتمل على احتياطي يبلغ نحو 40
تريليون قدم مكعب، وكل هذه الحقول مدارة بوساطة شركات إيطالية وبريطانية وروسية،
وكلها اكتُشفت سنة 2015: فأين هي؟ أين عائداتها؟ ما الأسرار المختفية وراءها؟ أين
الوعود بالوفرة؟ ولماذا تستورد مصر الغاز من الكيان المحتل؟ ما اللغز الذي يختبئ
خلف الكواليس؟ لا أحد لديه إجابة عن هذه الأسئلة القادحة..!!
إن المطلوب من
الحكومات أن تجهَد لإسعاد شعوبها، لا أن تجتهد في البحث عن تبريرات لخيباتها، فقد دخلت
مصر في حالة استعصاء اجتماعي واقتصادي كارثي، وظل النظام في حالة إعادة تدوير
للمشكلات المستعصية على أمل أن تنزل معجزة من السماء لفك عقدة الأوضاع القائمة،
بعد أن باع السيسي كل شيء ممكن، حتى إنك لتحس أنه مسلط على مصر، لقتل روحها وذبحها
من الوريد إلى الوريد، وتقديمها على طبق من ذهب لمحتلين أنيقين لا يحملون سلاحا،
لكنهم يحملون شيكات وأقلاما مذهبة.. وقديما سئل هتلر: من أحقر الناس الذين مروا في
حياتك؟ فقال: "الذين ساعدوني على احتلال أرضهم"..!!