"والله
العظيم أنا لو ينفع أتباع هتباع".. لم تكن مجرد جملة فيها مبالغة من رأس
النظام
المصري عبد الفتاح
السيسي، ولم تكن زلة لسان في كلمته خلال حفل تدشين استراتيجية
مصر للتمنية المستدامة في الرابع والعشرين من شباط/ فبراير 2016، لكنها جملة
مفتاحية مهمة لفهم طريقة تفكير السيسي، وعزمه على بيع كل ما يستطيع بيعه من
أصول استراتيجية
وغير استراتيجية لتحقيق أحلامه وأوهامه عن جمهوريته الجديدة.
باع
السيسي من قبل في صفقات مشبوهة جزيرتي تيران وصنافير، وحقوق مصر التاريخية في مياه
النيل، ومساحات من المياه البحرية في ترسيم الحدود مع اليونان، واليوم
يمهد الطريق
لبيع أصول قناة السويس عبر تعديل القانون رقم 30 لسنة 1975 لنظام هيئة قناة السويس،
بتأسيس صندوق خاص جديد للتصرف بالبيع والشراء وبما لا يخضع لقواعد المحاسبة
والمراقبة المعتادة.
كل ما كالته منابر الثورة المضادة التي كان السيسي جزءا بل قائدا من قادتها ضد الرئيس مرسي من اتهامات؛ ينفذها السيسي الآن، الفارق أن تلك الاتهامات كانت كلها أكاذيب محضة بهدف تشويه حكم الرئيس مرسي وتحريض الشعب ضده، وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير، بينما هي الآن وقائع تجري أمام أعين الناس
كل ما
كالته منابر الثورة المضادة التي كان السيسي جزءا بل قائدا من قادتها ضد الرئيس
مرسي من اتهامات؛ ينفذها السيسي الآن، الفارق أن تلك الاتهامات كانت كلها أكاذيب
محضة بهدف تشويه حكم الرئيس مرسي وتحريض الشعب ضده، وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير،
بينما هي الآن وقائع تجري أمام أعين الناس ولا يستطيعون لها ردا.
حين
طرح مرسي مشروع تنمية محور قناة السويس في العام 2012 اعترضت القوات المسلحة بحجة
مساسه بالأمن القومي، بينما كان المشروع يستهدف إقامة إقليم متكامل اقتصاديا
وعمرانيا ولوجستيا، ما بين مينائي شرق التفريعة في الشمال، ومينائي العين السخنة
والسويس في الجنوب، ليمثل مركزا عالميا في الخدمات اللوجستية والصناعية، وكان من المفترض
وفقا لدراسات الجدوى أن يدر على مصر عائدات بمائة مليار دولار عقب انتهائه.
وحين
أراد السيسي أن يرفع الروح المعنوية لداعميه في 2014 لجأ إلى شق تفريعة غير ضرورية
أطلق عليها قناة السويس الجديدة، بلغ طولها 35 كيلومترا، بينما هناك عدة تفريعات
تم شقها في عهدي السادات ومبارك أكثر طولا وعرضا. ورغم إنفاق ثمانية مليارات دولار
على حفر التفريعة الجديدة، إلا أنها لم تحقق الإيرادات المستهدفة (15 مليار دولار)
بل لم تصل حتى إلى نصفها.
قناة السويس ليست مجرى ملاحيا طبيعيا، فقد تم حفرها على مدى عشر سنوات (1859-1869) بأظافر المصريين الذين قدموا عشرات الآلاف شهداء خلال حفرها، أو في حروب دفاعا عنها أو على ضفتيها في حربي 1956 و1967، وحرب الاستنزاف (1968-1969) وحرب 1973، وبالتالي فهي تهم كل المصريين
قناة
السويس ليست مجرى ملاحيا طبيعيا، فقد تم حفرها على مدى عشر سنوات (1859-1869)
بأظافر المصريين الذين قدموا عشرات الآلاف شهداء خلال حفرها، أو في حروب دفاعا
عنها أو على ضفتيها في حربي 1956 و1967، وحرب الاستنزاف (1968-1969) وحرب 1973،
وبالتالي فهي تهم كل المصريين، وليست ملكا لنظام حكم عسكريا كان أو مدنيا، وهي
"نبض مصر" كما وصفها المفكر وعالم الجغرافيا المصري الراحل جمال حمدان.
ظلت
القناة في قبضة الفرنسيين والإنجليز حتى أصدر الرئيس عبد الناصر قرارا بتأميمها في
26 تموز/ يوليو 1956 كرد على قرار الدول الغربية والبنك الدولي بعدم تمويل بناء
السد العالي، وقد تسبب قرار التأميم في العدوان الثلاثي (البريطاني- الفرنسي-
الإسرائيلي) على مصر في تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، ورغم الأعمال البطولية
للمقاومة الشعبية المصرية في مواجهة ذاك العدوان إلا أن الدور الحاسم كان للإنذار
السوفييتي والأمريكي (القوتين العالميتين البازغتين بعد نهاية الحرب العالمية
الثانية) ضد فرنسا وبريطانيا (القوتين اللتين كانتا تهيمنان على المشهد الدولي قبل
ذلك). وقد كانت هزيمة بريطانيا وفرنسا -ومعهما إسرائيل- باضطرارهم للانسحاب
استجابة لذلك الإنذار؛ نهاية لتلك القوتين العظميين لتحل محلهما القوتان الجديدتان.
وعقب
هزيمة الجيش المصري في حرب 1967 توقفت الملاحة في قناة السويس حتى أعاد الرئيس
السادات فتحها في العام 1975. وهي مورد رئيس للاقتصاد المصري إذ يعبر من خلالها
حوالي 10 في المئة من التجارة العالمية، وحققت خلال العام الماضي إيرادات بقيمة
سبعة مليارات دولار.
من الطبيعي أن ينزعج المصريون من نوايا النظام تجاه القناة، والذي يسعى لبيع بعض أصولها تطبيقا لمقولته الشهيرة "والله لو ينفع أتباع هتباع"، أي لو كان ممكنا بيعه شخصيا فلا مانع لديه. وقد شرع بالفعل في بيع العديد من الأصول الاستراتيجية وفاء لديونه الفاسدة التي بنى بها قصورا، ومشروعات ليست ذات جدوى أو أولوية للمصريين
تستحضر
الذاكرة المصرية قصة تأسيس الشركة العالمية لقناة السويس البحرية في 15 كانون
الأول/ ديسمبر 1858 برأس مال قدره ثمانية ملايين جنيه مصري (200 مليون فرنك فرنسي)،
واضطرار مصر في عهد الخديوي إسماعيل لبيع أسهمها في القناة بثمن بخس وفاء للقروض
الضخمة التي استدانتها، وفقدت بذلك سيادتها على القناة حيث أصبحت فرنسا تسيطر على
56 في المئة وبريطانيا 44 في المئة من أسهمها. وقد تم توقيع اتفاقية القسطنطينية
في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1888 بين الدول الكبرى في غياب مصر لإدارة الملاحة في
قناة السويس، ولم تستعد مصر سيادتها على القناة إلا بعد تأميمها عام 1956، حيث
عوضت ملاك الأسهم السابقين، وأجرت العديد من التوسعات والإصلاحات للمجرى الملاحي ليستوعب
أعدادا أكبر وأضخم من السفن.
من
الطبيعي أن ينزعج المصريون من نوايا النظام تجاه القناة، والذي يسعى لبيع بعض
أصولها تطبيقا لمقولته الشهيرة "والله لو ينفع أتباع هتباع"، أي لو كان
ممكنا بيعه شخصيا فلا مانع لديه. وقد شرع بالفعل
في بيع العديد من الأصول الاستراتيجية
وفاء لديونه الفاسدة التي بنى بها قصورا، ومشروعات ليست ذات جدوى أو أولوية
للمصريين (كما فعل سلفه الخديوي إسماعيل)، وهو اليوم يقدم على بيع بعض أصول قناة
السويس وليس تنميتها وتطويرها كما يزعم في قانونه الجديد.
twitter.com/kotbelaraby