مِن أين نبدأ في تناول الشؤون العراقيّة؟ من الربكة السياسيّة، أم من الاغتيالات والتصفيات المتبادلة بين "الإخوة الأعداء"، أم من المجتمع الراكض نحو المجهول؟
لا يمكن لأذكى المُتابعين والمحلّلين السياسيّين، مع حالة الانسداد السياسيّ القائمة، أن يعرف إلى أين تتّجه عموم الدولة ولا حتّى المجتمع العراقيّ!
تتنامى، ومنذ عدّة أشهر، حالة التناحر بين تيار مقتدى الصدر والقوى المتحالفة معه والإطار التنسيقيّ برئاسة نوري المالكي ومَنْ اصطفّ معهم!
وحينما نحاول قراءة المشهد العامّ نجد أنّ مُهلة الأربعين يوما التي أعطاها الصدر بمبادرته "الأولى" للإطار التنسيقيّ لتشكيل الحكومة، بعيدا عنه، قد انتهت يوم السابع من أيّار/ مايو الحاليّ، وتأكّد للجميع فشل الإطار، وقبله التيّار، في تشكيل الحكومة، ولتبدأ بعدها مرحلة العبث السياسيّ، أو لعبة المبادرات!
وكانت المبادرة الثانية من الإطار التنسيقيّ في الرابع من أيّار/ مايو 2022، ثمّ تلتها، بساعات معدودة، مبادرة أخرى للتيّار الصدريّ.
الإطار والتيّار ومَنْ معهما قد رموا كرة النار بملعب المستقلّين، وقد تكون محاولة مَدْرُوسة لتسقيط النوّاب المستقلّين، لأنّهم يعلمون جيّدا أنّ غالبيّة "المستقلّين" ليسوا مستقلّين أصلا، ولا يُمكنهم أن يخرجوا من عباءة الصدر أو المالكي أو غيرهما!
وتؤكّد المبادرتان على إعطاء الفرصة للنوّاب المستقلّين لتشكيل الحكومة، وقد حَدّدت مبادرة التيّار الجديدة المهلة بأسبوعين شرِيطَة اجتماع 40 نائبا في كتلة واحدة تَنضمّ لتحالف "إنقاذ وطن" بزعامة الصدر!
والعجيب أنّ الإطار والتيّار ومَنْ معهما قد رموا كرة النار بملعب المستقلّين، وقد تكون محاولة مَدْرُوسة لتسقيط النوّاب المستقلّين، لأنّهم يعلمون جيّدا أنّ غالبيّة "المستقلّين" ليسوا مستقلّين أصلا، ولا يُمكنهم أن يخرجوا من عباءة الصدر أو المالكي أو غيرهما!
ويبدو الآن أنّ هنالك ربكة داخل التيّار بسبب مبادرته للمستقلّين بتشكيل الحكومة، بدليل بيان رئيس الكتلة الصدريّة حسن العذاري يوم 9 أيار/ مايو 2022، الذي جدّد فيه التمسك بحكومة الأغلبيّة الوطنيّة، وأكّد بأنّهم أعطوا "فرصة ذهبيّة للمستقلّين لتشكيل الحكومة ورئاسة الوزراء، وجاء الردّ من بعضهم بالرفض"!
فهل هذا تراجع من الصدر عن مبادرته، أم هنالك رسائل أخرى داخل هذا البيان؟
ثمّ ألا يفترض أن تنتهي مهلة الأسبوعين ثمّ بعد ذلك يتحدّث التيّار عن ضياع فرصة المستقلّين "الذهبيّة" لتشكيل الحكومة؟
والحقيقة لا ندري ما هي الغايات من هكذا مبادرات هشّة وقلقة، هل هي لتخدير الناس، أم لإطالة أمد حكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي طالما هي تُحقّق مصالحهم ومكاسبهم الحزبيّة والشخصيّة؟
وهذا الحال المُربَك يدفعنا للتساؤل عن سبل الحلّ الأمثل، أو الأسرع لخروج
العراق من هذه العاصفة القويّة التي تعصف بالعمليّة السياسيّة.
فهل الحلّ بالتوافق السياسيّ الشيعيّ؟
أم بحكومة الأغلبيّة الوطنيّة الجامعة برئاسة جعفر الصدر؟
أم بحكومة الأغلبيّة الطائفيّة (الشيعيّة) بزعامة المالكي؟
أم بحكومة مستقلّة بعيدة عن هذه المحاور؟
وبعيدا عن شكل الحكومة المرتقبة، فهل من الحلول الناجعة الذهاب لإعادة الانتخابات البرلمانيّة، وحلّ مجلس النوّاب لنفسه؟
وهل ستُعاد الانتخابات دون الذهاب لإصلاح منظومة الانتخابات المركزيّة والمحلّيّة، بما فيها قانون
الأحزاب السياسيّة؟
وبعيدا عن شكل الحكومة المرتقبة، فهل من الحلول الناجعة الذهاب لإعادة الانتخابات البرلمانيّة، وحلّ مجلس النوّاب لنفسه؟
وهل ستُعاد الانتخابات دون الذهاب لإصلاح منظومة الانتخابات المركزيّة والمحلّيّة، بما فيها قانون الأحزاب السياسيّة؟
وهل سيوافق الصدر، الفائز الأوّل، على حلّ المجلس وإعادة الانتخابات؟
وهل سيوافق النوّاب الذين دفعوا ملايين الدولارات على دعايتهم الانتخابيّة، الشرعيّة وغير الشرعيّة، على ترك مقاعدهم؟
وبعيدا عن جميع هذه الاحتمالات أو الحلول، أتصوّر أنّه لا يمكن أن يكون الحلّ بالعبث السياسيّ والزمانيّ، بل بالبرامج الدقيقة المدْروسة والقادرة على إنقاذ الوطن.
إنّ حالة الموت السريريّ السياسيّ القائمة اليوم، ربّما، ستدفع الجميع للقبول بالأمر الواقع قبل أن تنفلت الأمور من بين أيديهم وتذهب إلى مرحلة الفوضى، وبالتالي سيقبلون بإعادة الانتخابات البرلمانيّة!
هذه المبادرات المتأخّرة والمتناحرة ترافقها هذه الأيّام مُناحرات قانونيّة وشخصيّة وحزبيّة بين زعماء كتلة سياسيّة كبيرة، وربّما ستقود، إن لم يُسيْطَر عليها، لزلزال كبير ستصبّ نتائجه لصالح المالكي، الحالم بقوّة للعودة لرئاسة الحكومة للمرّة الثالثة بعد العام ٢٠٠٥!
وتبقى الأيّام القلقة القليلة القادمة هي الحَكم في مصير مجمل العمليّة السياسيّة التي لم تنجح في ترتيب البيت العراقيّ.
وبالتوازي مع الملفّ السياسيّ المُتشنّج، تصاعدت مؤخّرا
التصفيات الجسديّة، ومن بينها حادثة مقتل أبو مريم الأنصاري، وزير البلديّات الأسبق والنائب السابق، والرجل الثاني في منظّمة بدر بزعامة هادي العامري، يوم الجمعة الماضي. وقد اختلفت الروايات حول مقتله. وهنالك أشرطة فيديو خلال تشييعه تؤكّد الغدر به، بينما رواية المنظّمة تقول بأنّه توفّي بحادث سير. وبعد أقلّ من 24 ساعة توفّي القياديّ في مليشيا "أئمّة البقيع" محمد التميمي، في ديالى بحادث سير آخر!
بالتوازي مع الملفّ السياسيّ المُتشنّج، تصاعدت مؤخّرا التصفيات الجسديّة، ومن بينها حادثة مقتل أبو مريم الأنصاري، وزير البلديّات الأسبق والنائب السابق، والرجل الثاني في منظّمة بدر بزعامة هادي العامري، يوم الجمعة الماضي. وقد اختلفت الروايات حول مقتله
ولا أحد يعرف مَنْ يقف وراء هذه التصفيات بين "رفاق الأمس"!
أمّا على الصعيد المجتمعيّ فقد وصلنا لمراحل مُخيفة لم نسمع بمثلها في أسوأ عصور العراق الحديث، لدرجة أنّ شجارا وقع بين مواطنين في منطقة البساتين شرقيّ بغداد يوم 9 أيار/ مايو 2022 انتهى بمقتل أربعة أشخاص، وجرح آخرين بسبب الاختلاف على "سعر البطّيخ"!
ولكم أن تتخيّلوا المديات السحيقة التي وصلها المجتمع، بحيث أنّ البطّيخة أصبحت أغلى من دم الإنسان!
صدقا، لقد اختلط الحابل بالنابل، ولا يُمكن تصوّر ماذا سيكتب المؤرّخون عن العهد "الديمقراطيّ" في العراق، وكيف سيصفونه!
ارحموا العراق، وارحموا الناس فلقد بلغ السَيل الزبى!
twitter.com/dr_jasemj67