تؤكد عمليات القتل المتواتر للسوريين التي لجأ إليها نظام الأسد، على عدة نتائج بالنسبة للمجتمع السوري، المستهدف بسلسة طويلة من المجازر منذ العام 2011، فهذه المجازر شديدة الأثر على السوريين، ومن النوع الذي لا يمكن إخفاؤه أو السكوت عنه، ذلك أن القتل الممنهج والتدمير بمختلف الوسائل، أثار عدة اشكالات أخلاقية وسياسية وقانونية، لذا تطورت ردود الفعل بسرعة بما يتعلق بمذابح الكيماوي وغاز السارين قبل سنوات، وتختفي بشكل كلي، ردة الفعل المتعلقة بإبادة أسرٍ بكاملها تحت القصف أو بالإعدام تحت التعذيب أو الحرق الجماعي لجثث المعتقلين، وتكشف جردة السنوات العشر الماضية، رضوخ المجتمع الدولي و"تآلفه" مع مشاهد الدمار والقتل المستمر، المغطى بمواقف سياسية مائعة منافقة أصبحت الشرط الصريح والمعلن لتصفية الثورة السورية، وتبديد الحقوق السورية، في نيل الكرامة والمواطنة والحرية من الاستبداد.
قبل أيام نشرت صحيفة سورية معارضة "زمان الوصل" شهادة مصورة لمعتقلة فلسطينية "سناء الحسين" من مخيم اليرموك، أفرج عنها في العام 2018 وتمكنت من الوصول للشمال السوري، تحدثت فيها عن معاناتها في فرع فلسطين وعن عملية اغتصابها وتعذيبها لمدة ستة أشهر، وعن الظروف المحيطة بالمعتقلات، الشهادة لا تضيف شيئاً جديدا لآلاف الشهادات المدونة في سجل جرائم الأسد بحق أبناء سوريا وفلسطين، لكنها تضيف تأكيدا جيدا على خصوصية الانتقام من "فلسطين" في نسائها وأبنائها السوريين، كما قال لها السجان "أنت فلسطينية مع شتائم حقيرة ومبتذلة ".
لا يكاد يمر أسبوع، دون تسجيل فظاعة جديدة بطيران موسكو ونظام الأسد وأجهزته الأمنية، وتسجيل شهادات جديدة لانتهاكات فظيعة بحق المعتقلين من الاغتصاب والتعذيب والقتل، لذلك يندر أن نجد، في التاريخ الحديث، مثيلًا لجرائم الأسد، لكن ترابطها وتناغمها مع جرائم المحتلين في تل أبيب وموسكو وطهران، وهي تنتزع أجساد السوريين وممتلكاتهم وتاريخهم، في الوقت الذي يتنزع فيه نظام الأسد، كلّ ما تشير إليه قواميس الانحطاط والبربرية في إكمال الجريمة، التي لم يعد بالمقدور حصرها في بقعة جغرافية واحدة في سوريا، وحيث تعيّن على السوريين أن لا يحاربوا عدوًا واحداً، كالذي يتفرد في تعاليم الإفناء والسطو والذبح لهم، فسياسة انتقام الأسد من المجتمع الثائر والخارج عن سيطرته، مبني على حقدٍ وإرهاب متأصل مسلط على رقاب السوريين.
وفي وصف بعض المواقف الدولية والاقليمية لسياسة النظام اتجاه الشعب السوري، منذ مجزرة الكيماوي في الغوطة آب (أغسطس) 2013، والتي راح ضحيتها 1400 سوري، وما تبعها من هجمات خلفت الكثير من المآسي والكوارث، نجد كل المواقف التي يشار إليها بالحيرة والعجز من اتخاذ موقف حاسم، هي بنهاية المطاف تبرؤ كلي من المعاناة السورية، والمسؤول الوحيد هنا الذي تأتيه "لياقة" السياسة "الإرهاب" ومكافحة العنف، لكي ينسى العالم المتحضر الجرائم اليومية للأسد بحق السوريين.
تعيّن على السوريين أن لا يحاربوا عدوًا واحداً، كالذي يتفرد في تعاليم الإفناء والسطو والذبح لهم، فسياسة انتقام الأسد من المجتمع الثائر والخارج عن سيطرته، مبني على حقدٍ وإرهاب متأصل مسلط على رقاب السوريين.
المجتمع الدولي الذي حدد سابقاً، سخطه وحزنه وادعى بإصابته بصدمةٍ عنيفة من مجازر الكيماوي والسارين ومشاهد القتل تحت التعذيب "صور قيصر"، يبدو غير منزعج في طمأنينته لجره لقضية لا تعنيه في تكرار واستمرار سياسة التدمير والحصار والتجويع والقتل التي ينتهجها النظام وحلفاؤه لا في إدلب، ولا في درعا وحماة وأرياف حلب، وإذا خاطر الشعب السوري مجدداً ورفض كل محاولات التطبيع مع قاتله وتجرأ واستعمل بعض من وسائل الدفاع عن نفسه بنفس الأسلحة التي تسحقه وتسحق أطفاله ونساءه صداً للجرائم، فعندئذٍ يعم سخط المجتمع الدولي ويغضب لتمدد "الإرهاب".
تعاقب المجازر، منذ اندلاع الثورة السورية، حتى يومها الأخير في "مشون" بجبل الزاوية، هو توجه متأصل وراسخ بعمق في نظام الأسد وحلفائه، ومنذ ذلك الحين صار من الصعب على أي منطق وصف السياسة الدولية والإقليمية أنها تقف في وجه جرائم الأسد، لكن من السهل إيجاد أشياء كثيرة تضفي "شرعية" على إرهاب الأسد ضد السوريين، ويكفي برهاناً على ذلك أن نعيد قراءة المواقف المستعملة عربيا وغربياً مع نظام الأسد وأركان حكمه بدءاً من العقوبات وانتهاءً بدعوات التطبيع معه، لنرى أن هذه التغييرات في مستويات التعاطي مع ملف نظام بشار الأسد تؤدي لتحويل مرمى مطالب الشعب السوري إلى غير محلها وهدفها.
فلم يعد الأمر بالنسبة للمواقف الدولية الرسمية من إرهاب النظام ومجازره، إظهار أحقية الشعب السوري بالتخلص من طاغية عصرهم، بقدر التركيز والتكيف مع سيطرة القوة والإرهاب على المجتمع السوري كخيار بين "السلام والإرهاب"، أو بين البربرية والحضارة وبين البراءة والشر، وبين الحياة والموت، لفرض اتجاه القبول بنظام فاشي نسف الحق الطبيعي للسوريين بالحياة، التي يزعم النفاق الدولي بقدرته على التكيف مع مذابح، لا تُزعج طمأنينة المحتل في تل أبيب بقدر ما تُكسبه ثراء جرميا يعينه لعقودٍ قادمة لأفضلية وأسبقية الأسد في اقترافها .