بغض النظر عن مآلات الأمور في أفغانستان خلال الفترة المقبلة إلا أن انتصار حركة طالبان وتمكنها من العودة إلى قصر الحكم بعد عشرين عاما من الإبعاد والحرب مثّل بارقة أمل كبيرة لكل الحركات السياسية الإسلامية التي تعرضت ولا تزال تتعرض لانتكاسات وهزائم، والتي أبعدت عن الحكم لأسباب مختلفة؛ الرابط بينها هو استخدام القوة سواء التنفيذية أو العسكرية وليس الصندوق الانتخابي.
ما من شك أن حالة من الإحباط أصابت أوساط وأنصار القوى الإسلامية في البلدان التي تعرضت فيها لانتكاسات، وانقلابات.
وما من شك أن قوى الثورة المضادة حرصت على ترسيخ هذا الإحباط عبر أذرعها الإعلامية والفنية والثقافية من خلال نشر دعاية حول نهاية التاريخ للتيار الإسلامي، أي نهاية دوره في الحياة السياسية وحتى الدعوية والاجتماعية، والمبالغة في تشويه صورته وحرقه شعبيا إلخ.
وما من شك أن قطاعات شعبية واسعة وقعت فريسة سهلة لهذه الدعاية السوداء، وأصبحت معادية أو على الأقل متحفظة تجاه أي دور سياسي للأحزاب والقوى الإسلامية.
وما من شك أن غالبية القوى الإسلامية التي تعرضت للانتكاسات وتتعرض حاليا لحروب التشويه تقف مغلولة الأيدي في مواجهة هذه الحملات بفعل القمع الأمني غير المسبوق.
ولكن ما من شك أيضا أن انتصار طالبان الأخير جاء بردا وسلاما على تلك الحركات والقوى حتى لو كانت مخالفة لفكر وممارسات طالبان قلبا وقالبا، ذلك أن ها الانتصار أعاد الثقة لنفوس قادة وأعضاء هذه الحركات، وأثبت لهم من جديد إمكانية العودة إلى صدارة المشهد ولو طال الزمن كما حدث مع طالبان.
وما من شك أن تخلي الإدارة الأمريكية عن الحكومة الأفغانية التي أنفقت المليارات على دعمها ورعايتها يؤكد أن الحكومات المحمية من الغرب في بلداننا لا تستطيع البقاء ساعة واحدة حين ترفع أمريكا الغطاء عنهم.
وما من شك أن نجاح طالبان في إدارة شؤون البلاد ونيل القبول الشعبي الداخلي والقبول الإقليمي والدولي سيمثل شحنة أمل جديدة لغيرها من القوى السياسية الإسلامية عبر العالم.
بغض النظر عن مآلات الأمور في أفغانستان خلال الفترة المقبلة إلا أن انتصار حركة طالبان وتمكنها من العودة إلى قصر الحكم بعد عشرين عاما من الإبعاد والحرب مثّل بارقة أمل كبيرة لكل الحركات السياسية الإسلامية التي تعرضت ولا تزال تتعرض لانتكاسات وهزائم، والتي أبعدت عن الحكم لأسباب مختلفة؛
لكن في المقابل أيضا فإن فشل طالبان في مهمتها سيمثل انتكاسة جديدة لها ولشقيقاتها، ويبدو الأمر في هذه الحالة أن طالبان قدمت شحنات من الهيروين السياسي (بالمعنى الرمزي أي الوهم) لأنصارها في الداخل والخارج.
من الهيروين السياسي الذي قدمه انتصار طالبان أن العمل العسكري هو الطريق الوحيد أمام الحركات والأحزاب الإسلامية للوصول والبقاء في السلطة، وليس النضال السلمي الذي نال كما كبيرا من السخرية والاستهجان.
العمل العسكري هو في الأساس لمواجهة احتلال أجنبي، وقد مارسته جميع الشعوب التي خضعت لهذا الاحتلال من قبل، وشاركت القوى الإسلامية المختلفة في تلك المواجهة المسلحة للاستعمار أو الاحتلال، كما شهدت بعض الدول حروبا مسلحة على السلطة لكنها في الغالب اتسمت بالطابع القبلي، أو العرقي، أو الديني (ديانات أو عقائد متصارعة)، لكن المواجهة المسلحة لا تصلح لحسم صراع سياسي، بل إن البندقية قد تنهي نظاما مستبدا لتأتي بنظام أكثر استبدادا.
المشكلة هنا أن هؤلاء الساخرين من النضال السلمي فهموه كمرادف للاستسلام، وتجاهلوا أصل المصطلح "النضال" أي السعي والتحرك، والمواجهة ولكن عبر الطرق السلمية المعروفة والتي تبدأ من الصدع بالحق قولا وكتابة، مرورا بالتظاهر والاعتصام والمقاطعة، وفضح النظام وتعريته، وإسقاط هيبته، ومحاصرته في كل المحافل، ووصولا إلى الاعتصام المدني الشامل الذي يمكن أن يشل مفاصل الحياة.
يمكن فهم حالة السخرية والاستهجان حين تكون موجهة ضد من يرتجى منهم القيام بهذا النضال السلمي فلم يقوموا به، سواء كانوا جماعات أو أحزاب، أو حركات سياسية، وانشغلوا بخلافاتهم السياسية الداخلية، أو مع غيرهم من القوى، أو لم يسعوا لامتلاك أدوات القوة الناعمة للتغيير، لكن القول بأن المواجهة المسلحة للجيوش المحلية هي الطريق الوحيد للانتصار يمثل جرعة مكثفة من الهيروين السياسي القاتل.
طالبان بصدد تقديم نموذج جديد للحكم، لن يكون ديمقراطيا على الطريقة الغربية لكنه حسب تصريحات قادتها سيضمن الحقوق والحريات الأساسية وفقا لقواعد الإسلام، وقد بدأت الحركة حواراتها واتصالاتها بممثلي القوى السياسية والعرقيات المشكلة للطيف الأفغاني.
صحيح أن من حق الحركة أن تقود المشهد السياسي بحكم شرعية التحرير الذي حررت بموجبه الدولة والشعب من الاحتلال الأمريكي، ولكن الصحيح أيضا أنها تحتاج إلى جانب الحاضنة الشعبية والسياسية المحلية قبول دولي حتى تتمكن من الاستمرار في الحكم، وحتى تستطيع مواجهة التحديات الكبرى للتنمية والاستقرار، وهذا لن يتأتى إلا من خلال إشراك القوى المجتمعية الرئيسية الأخرى معها في الحكم، حتى لو ظلت هي صاحبة نصيب الأسد..
وعلى ذكر الهيروين ونقصد هنا المعنى المادي، أي مخدر الهيروين المشتق من الخشخاش، فهو يمثل أحد التحديات الرئيسية أمام حركة طالبان، رغم أن الحركة نجحت في القضاء عليه في فترة حكمها الأولى من 1996 إلى 2001 بعد فتوى بتحريمه من زعيمها الملا عمر، لكن هذا النبات يمثل ما بين الربع إلى الثلث في الناتج القومي الأفغاني، ويمثل الدخل الرئيسي لشرائح واسعة بين مزارعين وتجار وأباطرة حرب، وقد وعدت طالبان على لسان متحدثها ذبيح الله مجاهد قبل عدة أيام بالقضاء مجددا عليه.. فهل ستنجح هذه المرة كما نجحت من قبل؟
طالبان وقوانين القبيلة وأحكام الجغرافيا
اختبار التاريخ.. أفغانستان والخطوة الأكثر خطرا
أَفغانستان.. مَقْبرَة الإمبراطوريَّات