كتاب عربي 21

المنطقة الآمنة وارتياح حذر

1300x600

وصلت الدفعة الأولى من الجنود الأمريكيين، الاثنين الماضي، إلى مدينة شانلي أورفا التركية للمشاركة في إنشاء مركز العمليات المشتركة لإقامة المنطقة الآمنة في شمال سوريا، بموجب الاتفاق الذي توصلت إليه أنقرة وواشنطن قبل أيام، بعد مباحثات طويلة أجريت بين الجانبين في العاصمة التركية.

ارتياح تركي حذر

هناك ارتياح حذر في تركيا، نظرا للتجارب السابقة غير المشجعة التي شهدتها العلاقات التركية-الأمريكية في الآونة الأخيرة، مثل اتفاق منبج الذي لم تلتزم واشنطن ببنوده، بل استغلته للمماطلة وكسب مزيد من الوقت لصالح وحدات حماية الشعب الكردي التي تدعمها في سوريا بحجة محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي. لذلك، فإنه بعد إعلان توصل الجانبين التركي والأمريكي إلى اتفاق لإقامة المنطقة الآمنة، طرح هذا السؤال نفسه: "هل سيكون مصير هذا الاتفاق كمصير اتفاق منبج؟".

وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، في تصريحات أدلى بها الأحد الماضي بمدينة أنطاليا، لفت إلى أن الولايات المتحدة لم تف بوعدها، مؤكدا أن أنقرة لن تسمح لواشنطن بإلهائها على غرار خارطة طريق منبج. 

وأضاف قائلا: "إما أن نقوم بتنظيف منطقة شرق الفرات معا أو أن تدخل تركيا وحدها المنطقة لتنظيفها من الإرهابيين". كما جاء ذات التحذير من وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، حيث أكد أن تركيا ترغب في التقدم وفقا لروح التحالف والشراكة الاستراتيجية والتحرك مع حلفائها الأمريكيين، بعد إقامة مركز العمليات المشتركة، مشددا على أنه في حال لم يتم ذلك فستكون لدى تركيا أنشطة وعمليات ستقوم بها بنفسها.

 

هناك ارتياح حذر في تركيا، نظرا للتجارب السابقة غير المشجعة التي شهدتها العلاقات التركية ـ الأمريكية في الآونة الأخيرة


وزارة الدفاع الأمريكية أرسلت حتى الآن إلى وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر. وحتى بعد إعلان التوصل إلى اتفاق لإنشاء مركز العمليات المشتركة، واصلت واشنطن إرسال عشرات الشاحنات المحملة بالأسلحة والذخائر إلى معسكرات تلك المليشيات في شرق الفرات، الأمر الذي أثار علامات استفهام حول ما تخططه الولايات المتحدة في شمال سوريا ومدى مصداقيتها في قولها بقبول الاتفاق والاستجابة لمطالب تركيا.

تركيا كسبت خلال السنوات الأخيرة تجارب واسعة في التعامل مع الولايات المتحدة والتصدي لضغوطها وابتزازاتها. ومن المؤكد أنها تضع كافة الاحتمالات في الحسبان، وأن لديها خططا بديلة في حال وصل تطبيق الاتفاق في أي مرحلة من مراحله إلى طريق مسدود أو انحرف عن أهدافه المرسومة. وكان الجيش التركي قد أكمل استعداداته لإقامة المنطقة الآمنة في شمال سوريا وحده دون التنسيق مع الولايات المتحدة. وبعد التوصل إلى اتفاق مع واشنطن، رفعت تلك الخطط إلى الرفوف ولكنها يمكن أن تنزل منها إذا اقتضت الحاجة. 

مقارنة لا تصح

المقارنة بين اتفاق منبج واتفاق المنطقة الآمنة لا تصح. لأن اتفاق المنطقة الآمنة والمساحة المعنية بها أوسع بكثير من منطقة منبج، كما أن تركيا لديها أهداف تريد تحقيقها من خلال المنطقة الآمنة ولا يمكن أن تتخلى عنها. ويأتي على رأس تلك الأهداف القضاء نهائيا على احتمال إقامة ممر يمتد من حدود العراق إلى البحر الأبيض المتوسط ويسيطر عليه حزب العمال الكردستاني. وهذا الهدف في غاية الأهمية لتركيا، لأنه متعلق بأمنها القومي ووحدة ترابها. وبالتالي، لا ينتظر أحد منها أن تصبر على مماطلة الولايات المتحدة وتلكؤها في تطبيق بنود الاتفاق كما صبرت في منبج. 

 

إقامة المنطقة الآمنة في شمالي سوريا ستؤدي إلى عودة نسبة من اللاجئين السوريين إلى بلادهم.


تفاصيل الاتفاق لم تعلن كلها حتى الآن وسط تكتم الجانبين. إلا أن المنطقة الآمنة ستكون بالطول والعمق اللذين تطالب بهما تركيا، لأنها بدونهما لا تحقق أهدافها، كما أن السيطرة فيها ستكون للقوات التركية وفصائل الجيش السوري الحر. ومن غير المقبول تواجد عناصر وحدات حماية الشعب الكردي فيها أو تحويل تلك المنطقة إلى منطقة آمنة للإرهابيين. 

إقامة المنطقة الآمنة في شمال سوريا ستؤدي إلى عودة نسبة من اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وكانت وحدات حماية الشعب الكردي قامت بتطهير عرقي في القرى العربية وتهجير سكانها العرب تحت تهديد السلاح. ومن المتوقع أن تعيد هذه الخطوة ديموغرافية المنطقة إلى وضعها الطبيعي من خلال إعادة أصحاب الأرض من أبناء القرى العربية إلى بيوتهم. 

الاتفاق الذي توصلت إليه أنقرة وواشنطن مهما أدّى إلى تحسن نسبي في العلاقات الثنائية بين البلدين فإن الثقة التامة بين العاصمتين ما زالت غائبة. ومن المتوقع أن تبدأ بعد العيد تحركات عسكرية في الساحة وفقا للخطة المتفق عليها، كما أن تركيا تضع جدولا زمنيا لكل الخطوات كي لا تمنح للجانب الأمريكي فرصة المماطلة.

 

*كاتب تركي