كتاب عربي 21

استدارة في الخليج.. إعلان فشل واتساع باب الاحتمالات

1300x600

الانعطافة الإماراتية في الخليج وبحر العرب قد لا تعني بالضرورة فضًّا للتحالف مع المملكة العربية السعودية، ولكنها تعني فشلاً واضحًا في سياسات التحالف الإقليمي، الذي يجري بناؤه منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وبهدف إعادة هندسة المنطقة، في لحظة سيولة تاريخية، بما يوافق مصالح الحلفاء، الذين يضمّون إليهم "إسرائيل"، وفي هذا الإطار ظهر مشروع ما يُدعى بـ "صفقة القرن".

 

تغيير السياسات المعلنة تجاه إيران


تنقسم الانعطافة الإماراتية إلى شقّين متّصلين: الأول استعادة الحوار مع إيران من بوابة اللجنة الحدودية المشتركة بين البلدين، والثاني الانسحاب من اليمن بعد تمكين الأطراف الانفصالية الموالية لها في جنوب اليمن مكان حكومة عبد ربه منصور هادي، التي يُفترض أنها مدعومة من المملكة العربية السعودية، ومقرّ قادتها في الرياض، كما يفترض أنّها، أي حكومة هادي، العنوان القانوني للحملة على اليمن، بدعوى استعادة الشرعية فيه.

 

تتوقع السعودية الآن، أن تتمكن بموافقة حلفاء الإمارات اليمنيين من مدّ أنبوب نفطيّ من جنوب المملكة إلى بحر العرب عبر الأراضي اليمنية الشرقية، يحرّر السعودية من إكراهات الخليج ومضيق هرمز في تصدير النفط.


تغيير السياسات المعلنة تجاه إيران، يقوم على فشل الرهان على إدارة ترامب، التي نسجت التحالف الإقليمي بخيوط العداء لإيران، ومن الدعم لأشخاص محدّدين في الحكم في تلك البلدان الخليجية، وأخذت أثمانه سلفًا، من القضية الفلسطينية، ومن ثروات تلك البلاد، بيد أنّها كشفت عن تردد هائل في إمكانية الهجوم على إيران، كما أظهر الموقف الدولي انحيازًا في القناعات والمصالح عن السياسات الأمريكية في أزمات الخليج، بالإضافة إلى ما يَظهر من انقسام داخل المؤسسة الأمريكية نفسها، وبالنظر إلى المخاطر المدمّرة التي قد تتعرض لها دولة الإمارات في حال نشوب حرب، وإلى مشكلاتها الاقتصادية المتفاقمة، والانغماس المكلف في اليمن بلا أفق للنهاية، كان لا بدّ من استدارة نسبيّة بما يقلّل الخسائر، ويفتح أفقًا أوسع للمناورة.

 

مصالح الإمارات في جنوب اليمن


في اليمن لم يكن الإعلان الإماراتي مفاجئًا، كما لم تكن المصالح الإماراتية الخاصّة في الجنوب خافية، وقد تكاثرت التقارير في الشهور الأخيرة عن رجاءات إماراتية سرّية للحوثيين بعدم استهداف بلادهم إلى حين انسحابهم من اليمن، واللافت في هذه القضية المشتركة بين السعودية والإمارات، أن كلّ الخطوات الإماراتية، فيما هو معلن، جرت من طرف واحد، ودون إعلانات مشتركة بين طرفيّ تحالف الحرب على اليمن.

 

تغيير السياسات المعلنة تجاه إيران، يقوم على فشل الرهان على إدارة ترامب، التي نسجت التحالف الإقليمي بخيوط العداء لإيران،


يثير ذلك الكثير من التكهنات حول علاقة الحليفين الآن، وهي علاقة بين شخصين، أكثر مما هي تحالف استراتيجي بين بلدين طالما شاب علاقتهما قدر من التوتر والاختلاف، وفي هذه العلاقة أظهرت الإمارات المبادرة والاستقلالية والقيادة الفكرية والسياسية، وإن تركت المظهر القيادي المعلن دعائيًّا للشقيقة الكبرى، فلن يعود مستغربًا والحال هذه أن تتصرف الإمارات وفق مصالحها الصرفة، وباستقلالية واضحة، إلا أنّ طريقة الإخراج، في استدارتيها الإيرانية واليمنية، ضربت الصورة الدعائية التي حرص عليها الطرفان.

الفاعلية الإماراتية المنفردة، عزّزت الآراء التي تذهب باتجاه وجود خلاف حقيقي، بيد أنّ الصمت السعودي عن السياسات الإماراتية في جنوب اليمن طوال الفترة الماضية، وترك السعودية حلفاءها في عدن عراة من الدعم، أشّر باتجاه قدرة الإمارات على إقناع الحليف السعودي بصوابية تسليم الجنوب للانفصاليين في مدخل للتخلّص من الفخّ اليمني الذي علق به الطرفان بلا مخرج بيّن، فطالما أنّ الحرب غير قابلة للحسم فتسليم الجنوب للانفصاليين أفضل من تركها عرضة لاحتمالية الاجتياح الشمالي الحوثي، كما أنّ خروج "الشرعية" تمامًا من اليمن، سيفتح الباب للتخلّي عن هذه "الشرعية" الفاشلة، وربما تتوقع السعودية الآن، أن تتمكن بموافقة حلفاء الإمارات اليمنيين من مدّ أنبوب نفطيّ من جنوب المملكة إلى بحر العرب عبر الأراضي اليمنية الشرقية، يحرّر السعودية من إكراهات الخليج ومضيق هرمز في تصدير النفط.

 

مصالح سعودية وإماراتية مختلفة

أيًّا ما كانت مآلات ما يجري، وحقيقة علاقات الحليفين، وما يمكن أن تنتهي إليه سياساتهما في اليمن، فالمؤكّد، أنّ مصالح البلدين ليست واحدة، وأن تحالفات الأشخاص قاصرة، وأنّ تكديس الرهانات كلّها في سلة ترامب وبنيامن نتنياهو كانت مقامرة مستعجلة وغير محسوبة بما يكفي، وأنّ الانخراط الواسع في هندسة الإقليم وإعادة صياغته فاق قدرات البلدين وأحجامهما.

والحاصل، أن الاستدارة الإماراتية في اليمن تحديدًا، إعلان رسميّ لفشل تحالف الحرب على اليمن، وضربة لدعاية التحالف، ولاسيما للدعاية التي ابتكرها العهد الحالي في المملكة العربية السعودية، الذي اجتهد في ترويج صورة مضخّمة للمملكة وقدراتها، والتأسيس لوطنيّة جديدة على هذه التصورات غير الحقيقية، وإذا كان هذا الفشل يكشف بالضرورة خطأ كل الحسابات التي نهضت عليها الحرب، فقد كشف كذلك خطأ كل من أيّد هذه الحرب، ومع أنّ الغموض ما يزال يلفّ المستقبل القريب، فإنّ هذا الفشل يكشف عمّا هو أهم، أي سيولة المنطقة وعدم استقرارها وانفتاحها على الكثير من الاحتمالات.