ليست صورة الضحية جذابة. هي صورة ضعف. لذلك لا نحبذها. في المقابل اختارت السلطة التي يرأسها السبسي ان تتجاوز خطا احمر اي ملاحقة خصومها السياسيين على اساس الاختلاف في الراي وبتسخير اجهزة الدولة. وعليه في الحد الادنى سنقف امامها بل سنلاحقها. ومثلما تقدم بلاغا لنيابتها العمومية، نقدم هنا بلاغنا للراي العام. بلاغ اتهام واعلان رفض اننا لن نسمح لها باعادتنا الى الوراء ونزع المكسب الاساسي الباقي من ميراث ثورة لم تنته، مبدأ حرية الرأي.
تنقلت يوم 4 جانفي مع عدد من المحامين الى مركز الحرس الوطني التونسي بمنطقة العوينة في تونس العاصمة بناء على استدعاء تلقيته منه وتبين اني معني باستنطاق في بحث ابتدائي يتعلق بشكاية ضدي بصفتي "ذو شبهة" قدمها وزير الداخلية السابق ناجم الغرسلي (المعين لاحقا سفيرا لتونس في المغرب) اثر مشاركتي في البرنامج التلفزي "اليوم الثامن" (قناة "الحوار التونسي") يوم 20 مارس 2015 اي قبل ما يزيد عن العام والنصف.
واتهمتني الشكاية بناء على فصول قوانين المجلة الجزائية المتعلقة بـ"نشر اخبار زائفة" و"تعكير صفو النظام العام"، وعقوبتها السجن وكانت اكثر الفصول المستعملة لملاحقة المعارضين زمن الاستبداد، وذلك على اساس ما اشرت اليه من تلاعب بالتنصت الهاتفي ومحاولات تاثير رجال اعمال على الاجهزة الامنية وهي معطيات تم تداولها قبل الحصة المذكورة.
فمثلا تم تداولها في وثائق تم تسريبها ونشرها في شبكات التواصل الاجتماعي في علاقة بالتنصت على رجل الاعمال القريب من حزب السبسي شفيق الجراية بداية سنة 2015 وهي ذات الوثائق التي نشرها مرة اخرى واستعملها قياديون في حزب السبسي للتنديد بقياديين اخرين اسابيع قليلة قبل البرنامج الذي مررت فيه. أو ايضا تصريحات محامي الاعلامي معز بن غربية قبل اسبوع من ظهوري التلفزي حول تنصت هاتفي على موكله في قضية رجل اعمال اخر. او ايضا مقالات موقع "نواة" حول الاتصالات المكثفة بين رجال الاعمال كمال اللطيف وقيادات امنية سنة 2011. وتم تأكيد كل هذه المعطيات مرارا في سياق التصريحات والعراك والاتهامات المتبادلة بين قيادات حزب السبسي فيما بعد.
بمعنى اخر لم اكن انا من بادر بالحديث عن هكذا معطيات او نشرها وكل ما فعلته اني علقت على ما يتم تداوله اعلاميا، فهل قام وزير الداخلية بفتح بحث في هذه المواضيع؟! لا طبعا، ولولا محاولات المدير العام للامن الوطني المستقيل أخيرا عبد الرحمان الحاج علي للتحقيق في بعضها لما تم اصلا التحري فيها.
كما تمت مساءلتي على ما صرحت به حول محدودية التجهيزات التقنية في تونس ما يستدعي التعاون مع اطراف دولية. وهو امر بديهي وتبين مثلا فيما ورد من الوثيقة المسربة في اوت 2013 على المخابرة التي التقطها جهاز استخباري اجنبي ونقلها للسلطات التونسية في علاقة بالشهيد محمد البراهمي. وهذا الوضع امر بديهي يصرح به المسؤولون التونسيون بشكل متواتر وفقط قبل يومين صرح وزير الداخلية التونسي في جلسة علنية امام لجنة الامن بمجلس الشعب بان تونس متخلفة 20 سنة في منظومتها الامنية لا سيما في ما يتعلق بالاتصالات التي تعتمد الى اليوم على تقنية التناظر analogiques وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تعتمد هذه التقنية و محتاجين الى القيام بمجهود كبير لتدعيم الامن بهذه التجهيزات.
وتم التركيز خاصة في شكاية الوزير السابق الغرسلي على ما ذكرته من محاولة بعض رجال الاعمال استغلال اليات الدولة لمصلحتهم واجبت ان افضل مثال على ذلك هو قانون المصالحة الاقتصادية الذي قدمه السبسي والذي كان احد المواضيع الاساسية في الحصة التلفزية التي شاركت فيها حيث تم استغلال الدولة لتمرير قانون يبيض لوبيات مرتبطة وممولة للسبسي وحزبه.
في النهاية تشبثت باضافة فقرة في محضر البحث اتهم فيها الغرسلي والحكومة والسلطة التي يمثلها بانهم بهذه الشكاية لا يدافعون مع مصالح الدولة العليا بل بالعكس يحاولون ترهيب كل من يقف امام سياساتهم المدافعة عن توظيف الدولة من قبل من ترتبط بهم شبهات فساد وأهم مثال على ذلك قانون السبسي للمصالحة الذي رفضته هيئات ومنظمات دولية، وان ما قلته تشاركني فيه كل الاطراف السياسية والمدنية التي وقفت ضد قانون المصالحة.
يجب ان اشير أنه لم يتم التعامل معي من قبل الباحثين في فرقة الحرس الوطني في العوينة بشكل مسيء، وتمت عملية البحث ضمن قواعد الاحترام والآليات القانونية المتعارف عليها. وأؤكد ان جزءا مما صرحت به واصرح به هو دائما من اجل تدعيم قدرات اجهزتنا الامنية وتحييدها وتم تضمينه في الاستراتيجيا الوطنية لمكافحة الارهاب التي اشتغلنا عليها سنة 2014 وهو مطلب تصرح به بشكل دائم ومتواصل الاطراف الامنية على اختلافها.
أخيرا ان هذه الشكاية ليست استهدافا لشخصي فحسب بل استهدافا غير مباشر لحزب حراك تونس الارادة ولكل الاطراف السياسية والمدنية وكل من يحاول نقد وتعرية سياسات السلطة الحالية المتورطة في تبييض الفساد والفاسدين والتي هي لا تمثل مصالح الشعب التونسي بقدر ما تمثل مصالح اقليات ولوبيات معادية للحريات وحقوق شعبنا الاقتصادية والاجتماعية وخاصة حقه في تنمية عادلة ومحاربة الفساد. ازاء ازمة هذه السلطة مع فرقها الحكومية المتغيرة لم يبق امامها من افق الا ملاحقة الخصوم السياسيين واستهداف حرية التعبير، وهو طريق مسدود كما هو معلوم.
شكرا للسيدات والسادة المحامين الذين رافقوني الاساتذة ليلى الحداد وعبد الواحد اليحياوي وفتحي الطرابلسي.