تعتمد سلطات
الاحتلال الإسرائيلي على
سياسات تناقض الأعراف والقوانين الدولية كافة، وتعكس سلوكا ينافي الإنسانية، حيث
ما تزال تحتجز المئات من جثامين
الشهداء الفلسطينيين بينهم أطفال، بعضها في
الثلاجات، وأخرى فيما يعرف بـ"مقابر الأرقام" العسكرية.
وخلال الأيام الماضية، سادت حالة من
الغضب والقلق الكبير لدى مختلف محافل الاحتلال الإسرائيلي، عقب قيام عناصر من
المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين بالتحفظ على جثمان إسرائيلي يدعى تيران فيرو،
توفي في حادث سير، واشتراط إعادته بتحرير جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال.
وبعد تدخل العديد من الجهات، أفرجت
المقاومة الفلسطينية عن جثمان الإسرائيلي، بعدما تبين أنه ينتمي للطائفة الدرزية
من دالية الكرمل بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ولم يكن من وحدة
المستعربين التابعة لجيش الاحتلال.
احتجاز الجثامين
وعن آخر تطورات احتجاز جثامين الشهداء،
أوضح منسق "الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء"، حسين شجاعية، أنه
وفق توثيق الحملة، "يحتجز الاحتلال 373 جثمان شهيد بينها 256 فيما يسمى
بـ"مقابر الأرقام"، وهي موزعة على أربع مقابر عسكرية تابعة لجيش الاحتلال؛
في النقب والجليل".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21":
"يحتجز الاحتلال 117 جثمانا منذ عام 2015 في ثلاجات تابعة لمعهد (أبو كبير)
الإسرائيلي؛ بينهم 12 طفلا تقل أعمارهم عن 18 عاما".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد شجاعية، أن "الاحتلال يضرب
بعرض الحائط الأعراف والقوانين الدولية كافة، التي تحرم احتجاز الجثامين، وتدعو
لتشييعهم وحفظ كرامتهم الإنسانية".
ونوه إلى أن "سلطات الاحتلال تسخر أذرعها كافة؛ القضائية، والكابينت (المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر)، وجهاز
الشرطة والجيش الإسرائيلي، من أجل احتجاز جثامين الشهداء، وتربط هذا الملف
الإنساني الحقوقي بملف مفاوضات تبادل الجنود الإسرائيليين الأسرى في غزة".
وأفاد أن "الحملة الوطنية
لاسترداد جثامين الشهداء، مستمرة منذ 2008 وحتى الآن، وهي تعمل جاهدة من خلال
العديد من الأعمال التي منها التواصل مع مقررين في الأمم المتحدة، إلى جانب المرافعة
القانونية أمام محاكم الاحتلال من أجل حلّ هذه القضية".
وعن التوجه لمحكمة الجنائيات الدولية،
ذكر منسق الحملة، أن "العملية معقدة، خاصة فيما يتعلق باستنفاد الإجراءات
القانونية المحلية في القضية، والاحتلال حذر بشأن هذه النقطة، فهو يزعم أن
الاحتجاز مؤقت، وهذا ما يجعل توجهنا للجنائية الدولية معقدا، ويحتاج إلى ترتيب وعمل
أكثر".
وأشار إلى أن "قرارات احتجاز
جثامين الشهداء، إما بقرار الكابينت الإسرائيلي أبو بقرار ضباط المنطقة التابعين
لجيش الاحتلال، وليس عبر القانون الإسرائيلي، علما بأنه كانت هناك محاولات لسن
قانون احتجاز الجثامين في الكنيست لكنه سقط، وهذا ما يعقد التوجه لمحكمة
الجنايات".
جريمة إنسانية
ولفت شجاعية إلى أن محاكم الاحتلال، خاصة المحكمة العليا على مر السنوات الأخيرة، لم يصدر عنها أي قرار إيجابي في ملف
احتجاز جثامين الشهداء".
وتابع: "عندما عملنا على التوجه
للمحكمة العليا بخصوص جثمان الشهيدة مي عفانة، نصح قضاة المحكمة النيابة العامة
الإسرائيلية بتسليم جثمان الشهيدة، قبل إصدار قرار قضائي بالقضية؛ لأنهم لم يرغبوا
بأن يكون تحرير جثمان الشهيدة عبر قرار قضائي".
وأضاف: "في أحد الملفات، كان رد
المحكمة العليا الإسرائيلية، أن السلطات تحتجز جثمان الشهيد لغرض المفاوضات، وكورقة
ضغط على حركة حماس في ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها".
وعن الوضع القانوني لهذا السلوك
الإسرائيلي، قال رئيس الهيئة الدولية لحقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، صلاح
عبد العاطي: "هذا انتهاك صارخ للقانون الدولي وللمبادئ الإنسانية
والأخلاقية كافة، ومخالفة كبيرة للمعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب، التي تحظر الممارسات
الوحشية وغير الإنسانية ضد أي مواطن، وتعدّها جريمة حرب".
وأوضح لـ"عربي21"، أن
"دولة الاحتلال، هي الجهة الوحيدة في العالم التي تحتجز الجثامين، وتخرق
المواثيق والمنظومة الدولية بشكل مستمر"، منوها إلى أن المادة 17 في اتفاقية جنيف
الرابعة، تؤكد في نصها "حق عائلات الشهداء معرفة أماكن وجود أبنائهم
الذين قتلوا في النزاعات أو الصراعات".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد عبد العاطي، أن "الاحتلال
صعد من احتجاز رفات الشهداء بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية"، موضحا أن احتجاز
جثامين الشهداء، هو عقاب للعائلات وإمعان في مضاعفة معاناتهم، بحسب تعبيره.
وعن كيفية مواجهة هذا السلوك والعمل
على إنهاء هذه "الجريمة الإنسانية"، شدد الحقوقي الفلسطيني على وجوب
"قيام المجتمع الدولي والأمم المتحدة والأطراف السامية الموقعة على
"اتفاقية جنيف"، بالتدخل للضغط على دولة الاحتلال لتسليم جثامين الشهداء
من أجل دفنهم".
ونبه إلى ضرورة "تعزيز التحرك
الدبلوماسي والقانوني لمحاسبة إسرائيل باستخدام مبدأ الولاية القضائية الدولية، والتحرك أمام محكمة الجنايات الدولية لمحاسبة قادة الاحتلال كمجرمي حرب".