قضايا وآراء

"ذكرى الانقلاب على قيم شعب الإمارات"

محمد بن صقر الزعابي
1300x600
1300x600

شعب الإمارات هو شعب الدولة الناشئة الذي ينتمي للقبيلة العربية بأصالتها ولأعراف العرب بأخلاقهم،  ومن قبلها تشريع دينه الإسلام الذي هذب فيه قيم وأخلاق العدل والحرية والكرامة والمساواة بين الحاكم والمحكوم وصاحب الدار والغريب.

 

قيم نشأ عليها أبناء الإمارات ومارسوها قبل نشوء الدولة وبعد قيامها، وهم جزء من كيانها بل هم صانعو نهضتها ومكانتها بين الأمم بجدهم واجتهادهم وحرصهم عليها كما يربي الأب ابنه أو يرعى أسرته.


فكان تأسيس هذه الدولة على أساس مصلحة شعب الإمارات الذي هو أساس أي بلد، لذلك نجد حكام الإمارات وعلى رأسهم زايد يسارعون في مشاورة إخوانهم وأبناءهم من كل أطياف المجتمع في تسيير أمور الدولة ، ولا ينقص ذلك من مكانة أحد منهم لأن الجميع يخدم الدولة في مكانه سواء كان الحاكم في حكمه أو المدرس في مدرسته أو القاضي على منصته وحتى الحارس على مبنى يحرسه ، فكلهم يخدم مشروع قيام دولة الاتحاد ، ولا يعيب أن يسمع من تولى شيء من أمر الناس أن يستمع لرأي من هو من عامة الشعب ويأخذ برأيه إذا وجد الصواب معه.

 

وفي منتصف عام 2012 بدأت الاعتقالات وسبقتها حملة تشويه ضارية في بلد لم يتعود على هذا الكم من التشويه والافتراء في حق أناس أبرياء

هكذا تعودنا وهكذا تربينا من تعاليم ديننا أو من أعراف وعادات أهلنا ، ولم نسمع في يوم من الأيام أن من يعبر عن رأيه أو يطالب بحق من حقوق أهله أو بلده أو يعبر عن رأي شريحة معينة من شرائح المجتمع بأنه مجرم ويجب أن يعاقب على فعله ، وأن التعبير عن الرأي أو حمل فكر لا يناسب صاحب السلطة أو المطالبة ببعض الإصلاحات التي تناسب تطور الدولة يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.

لكن للأسف أن تطور الدولة العمراني ، وقف في مقابله تطور الدولة السياسي-الحقوقي عند مكانه -بل قد يكون رجع للخلف- في يوم 3/3/2011 عند رفع عريضة وطنية موقعة من 133 إماراتي يطالبون فيها بمجلس وطني منتخب يشارك فيه جميع أبناء الإمارات بأصواتهم ويكون له سلطة حقيقية للتشريع والرقابة وضبط سير الدولة في هذا الفترة الحرجة من الزمن ، ومع توسع الدولة وخروجها من دائرة القبيلة إلى كيان يفترض أن له مؤسسات تسيره بشكل قانوني ومرسوم.

العريضة كانت مقبولة بشكلها وبمطالبها ، وتم الاحتفاء بها في البداية لكونها رسالة موجهة لرئيس الدولة تحترم فيها مكانة المُرسل والمرسل إليه.


لكن ردة الفعل اللاحقة بعد أن بدأ جهاز الأمن في تحوير الهدف من العريضة وربطها بالتخريب والإرهاب أو زعزعة أمن الدولة وتشويه صورة أو مهاجمة كل من وقع على العريضة جعل  كل من وقع على العريضة هدف للابتزاز إما بالتراجع عن دعمه للعريضة أو التعرض للانتهاكات الأمنية.


تسارعت الأحداث من سحب جنسية سبعة من أبناء الإمارات دون مسوغات أو اتهامات أو حتى إجراءات قانونية وليس نهايةً بقضية أبناء الإمارات ال 94 .


وهنا بداية الانقلاب بشكل كامل على أبسط حقوق الإنسان ، في دولة صغيرة الحجم قليلة عدد السكان والناس يتعارفون فيما بينهم ويعرف بعضهم أخلاق بعض وأعمالهم وإنجازاتهم ومساهماتهم في نفع أو الإضرار بسمعة البلد.

 

اليوم في الذكرى السادسة نتذكر غياب مؤسسة العدالة وغياب القضاء المستقل الذي هو صمام الأمان لقيام أي دولة ، القضاء الذي يؤمن الضعيف ويردع الظالم ، القضاء المستقل الذي تتساوى فيه الأطراف ولا يكون لجهاز أو سلطة يد عليا عليه تمنعه من الحكم بالعدل

وفي منتصف عام 2012 بدأت الاعتقالات وسبقتها حملة تشويه ضارية في بلد لم يتعود على هذا الكم من التشويه والافتراء في حق أناس أبرياء، فاعتقل المدرس والقاضي والمحامي ورجل الأعمال بدون تهمة واضحة للرأي العام ، وفجأة أصبح الاتهام بعد أشهر طويلة من الإخفاء القسري والتعذيب والحرمان من أبسط الحقوق هي "محاولة الانقلاب على نظام الحكم" ، نعم محاولة كانت أدواتها حروف الهجاء فقط لكن دونما هجاء.

مجموعة من الناس المدنييين الذين يحملون فكر وسطي معتدل ويساهمون في بناء الوطن -رجال ونساء- أصبحوا في الزنازين بلا حقوق ولا حماية من يد الجلاد.


وأصبحت حقوقهم وحقوق أسرهم مباحة للأجهزة الأمنية على امتداد السبع سنوات.


سبع سنوات عجاف من المعاناة لم تنته حتى الساعة ، لكن سيتبعها بإذن الله سبع سمان.

واليوم في الذكرى السادسة للحكم عليهم في محاكمة غير شرعية في قضية ليس لها أصل بل هي من تأليف وخيال مريض يريد أن يمنع صوت العقل وصوت الرأي الآخر وصوت المشاركة وصوت الدعوة إلى الخير بالحسنى ، ما زال المعتقلون يعانون في السجون وأسرهم تعاني في الطرقات وتعاني من ملاحقة الأجهزة الأمنية في إنجاز أبسط المعاملات.


اليوم في الذكرى السادسة نتذكر غياب مؤسسة العدالة وغياب القضاء المستقل الذي هو صمام الأمان لقيام أي دولة ، القضاء الذي يؤمن الضعيف ويردع الظالم ، القضاء المستقل الذي تتساوى فيه الأطراف ولا يكون لجهاز أو سلطة يد عليا عليه تمنعه من الحكم بالعدل دون محاباة أو خوف من العزل من كرسي القضاء ، فالقاضي غير المستقل نكبة على الوطن قبل أن يكون نكبة على الخصوم.

اليوم في الذكرى السادسة نقول لا بد من مراجعات يجتمع عليها أبناء الوطن أو حلف فضول ننصر من خلاله المظلوم ونأخذ على يد الظالم ، ونبني دولة الإنسان ودولة المؤسسات ودولة العدل ودولة المجتمع الحر الذي يعبر عن نفسه دون خوف أو وجل، وهي ذكرى لتصحيح المسار واختيار الطريق الصحيح قبل فوات الأوان.


صحيح أنه كثير من الحقوق انتهكت في هذه السنوات وهي موثقة في مؤسسات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الحقوقية الفاعلة ، وغض النظر عنها لن يصلح ما أفسدته الأجهزة الأمنية ، لكن يبقى خيارنا هو إصلاح الداخل والتصالح مع من تعرض للظلم ، ووضع كل مؤسسة في سياقها الصحيح حتى نحقق الدوام لدولة أردناها أن تقوم بالعدل وهو أساس دوام الدول، وأن نزيل أسباب الظلم وهو سبب زوال وخراب الدول والأمم.


0
التعليقات (0)