كتاب عربي 21

العصف الذهني الإماراتي.. والمشاركة

محمد بن صقر الزعابي
1300x600
1300x600
قبل أيام دعا الشيخ محمد بن راشد رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشعب الإماراتي لعصف ذهني إماراتي في موضوعي الصحة والتعليم عبر التغريد في تويتر، وهي فكرة لا شك جميلة وطريفة لأن يتم استمزاج رأي الشعب من خلال هذه الوسائل الحديثة من وسائل التواصل الاجتماعي لعملية التطوير؛ خاصة أن مجلس الوزراء عقد اجتماعه بعدها بأيام، وقد أسفرت هذه الحملة عن حوالي 82 ألف فكرة قيل أنه سيتم النظر فيها وتقييمها وأخذ الصالح منها.
ما لفت نظري خلال عملية العصف الذهني أن أحد المشاركين من أبناء الإمارات  وهو عضو مجلس وطني سابق أشار إلى دور المجلس الوطني -وهو دور استشاري بطبيعة الحال- فقال أن "التوصيات البناءة وبعد دراسات ميدانية وسماع لآراء ذوي الخبرة والمختصين موجودة في أرشيف المجلس الوطني الإتحادي". 
وهي إشارة جميلة لكنها في ذات الوقت مؤلمة لأنها تذكر بحقيقة أن هناك آلاف التوصيات في أرشيف المجلس الوطني كانت مجرد حديث مجالس واقتراحات ولم تر النور. 
إن المجلس الوطني الذي قام مع قيام الاتحاد والذي يفترض أن يكون هو صوت أبناء الإمارات، حيث يشاركون ويتفاعلون ويكون لهم من خلال هذا المجلس "البرلمان" صوت مسموع يعبر عن هموهم ومشاكلهم ويتم اتخاذ القرارات المهمة والخطيرة من خلاله، ويراقب أداء الحكومة فيما ترفعه من مشاريع قوانين أو ما يلاحظونه من قصور أو تجاوزات أو ما يساهمون به من أفكار للتطوير أو لتصحيح المسار؛ إلا أن الحقيقة هي خلاف ذلك. وقد ذكرت فكرة العصف الذهني أبناء الوطن أن لهم مجلسا وطنيا ما يطرح فيه هو أقرب "للعصف الذهني"! رغم أنه تبذل فيه وعليه الكثير من الأموال والأوقات ليناقش التعليم والصحة والقضاء والداخلية والخارجية وكل ما يمس الوطن والمواطن، وبعمل هو أقرب للتفرغ والاحتراف منه لعمل الهواة. 
نعم فكرة العصف الذهني للجهاز التنفيذي جيدة وكل فكرة للتطوير جيدة ، لكن أليس من باب أولى أن نطور من البناء المؤسسي للدولة والذي يقوم على سلطات ثلاث مستقلة تساند بعضها بعضا كل في مجاله، وأحد أهم أركانها وهو ما جرنا إليه الحديث هنا أن يكون هناك برلمان "مجلس وطني" وهو من يفترض به أن يؤدي الدور الرئيس في تحريك مثل هذه الأطروحات القائمة على أسس منهجية وبحث وتحري واستقصاء، ثم بعد ذلك يراقب مصير مثل هذه الأفكار الجميلة التي يريد الكل أن يساهم بها إلى أين وصلت وهل تم تنفيذها وما جدواها وهل كل ما يقال يصلح للتنفيذ أم أنه يحتاج للدراسة والبحث المستفيض.
ويقودنا هذا النقاش إلى تساؤل محير: هل نحن بالفعل نبدأ اليوم من الصفر سواء في التعليم أو في الصحة؟ وألا يوجد لدينا أفكار من السابق لتطوير هذه الصروح؟! وأين ذهبت كل الخطط السابقة واللاحقة والتي صرفت عليها الملايين من الدراهم وقدم المجلس فيها تصوراته لنقدها أو تطويرها. 
لذلك لا بد من وقفة ومراجعة للأداء نطمئن من خلالها على أننا في اتجاه العمل والبناء المؤسسي الذي يشارك الجميع فيه، وليس الاعتماد على الأفكار العامة المقبولة مبدئياً كإطار عام لتشجيع الناس للمشاركة ولكنها ليست الأسلوب الأمثل لتطوير دولة ذات مؤسسات لها نظام يحكمها، وأن تكون أداتنا الفاعلة مجلسا وطنيا منتخبا له صلاحيات رقابية وتشريعية يقود التغيير من خلال عصف ذهني حقيقي له نتائج على الأرض، ويستطيع الشعب مراقبتها ومسائلة أعضائه عما تم إنجازه وما لم يتم.
إن هذا التحول في البناء المؤسسي للدولة ليصبح أبناء الإمارات شركاء حقيقيون في وطنهم هو الوعد الذي انتظره شعب الإمارات ليكون له صوت فاعل في الحياة الدستورية الحرة الكريمة، والسير به قدمًا نحو حكم ديمقراطي نيابي متكامل الأركان منذ زمن طويل، وقد حان وقت تحقيقة ليتوازى مع أحلام أبناء الإمارات في تحقيق الأفضل.
التعليقات (1)
أبوحسام
الأحد، 11-10-2020 08:15 ص
مقال قوي ... هل يا ترى يسمح سقف الحرية المسموح به في الإمارات العربية بمثل هذا المستوى من التعبير عن الأفكار؟ المقال كتب في 2013 أيام بركة الحرية التي حلقت في سماء الوطن العربي.