عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: وحَّد وجود الإمام الخميني وطبيعة شخصيَّته الشعب الإيراني إلى حدٍّ كبير، ولعبت الحرب دورها في ترسيخ قيادته الدينيَّة والسياسيَّة، بل وكانت خصوصيَّة رمزيَّته القياديَّة أحد أدوات استدعاء الهويَّة القوميَّة، خصوصا حين بدأ العدوان البعثي في 1980م متبوعا بحصارٍ كامل. هذا البروز القيادي المطلوب صار أزمة في حد ذاته؛ إذ جعل الحصار من الالتفاف حول القيادة التفافا قوميّا، أو في أفضل الأحوال التفافا مذهبيّا؛ عاجزا عن الخروج إلى النطاق الأممي العام
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: شجاعة الوعي وصدقه قد تُحول المقاطعة (المؤقتة بتعريفها) إلى خلاصٍ (دائم بطبيعته) من النمط الضار على كل المستويات، وذلك إذ يُغير هذا الوعي الصورة الذهنيَّة عن السلع، فإذا ازداد عمقا نفر حتى من الألوان والأشكال الموجَّهة دعائيّا التي يحرص عليها النظام الاستهلاكي الضار، والمقصود منها التلاعُب بغرائزه ومشاعره؛ فكان ذلك أول طريقه لتغيير نمط حياته وطريقة استهلاكه، واستعادة نفسه وإنسانيته
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: صارت الذائقة الكامنة خلف تفضيلٍ غالبٍ في تصميمٍ؛ تجسيدا لما يُعاني المجتمع من تغييبه، ويحتاج إلى استحضاره ولو على المستوى الشكلي/ البراني؛ لتهدأ نفسه بعض الشيء وتقرَّ إلى أجل، فإن الاستحضار البراني لا يُمكن أن يُغني طويلا عن الاستحضار الجواني الكامل وأسبقيته
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب؛ إن أكل المصري للعدس والفول والبصل (أيام كنَّا نزرع العدس!)، أو أكل الفلسطيني للزيت والزعتر بخبزة مما تُنبته الأرض بإذن الله بغير تدخُّل بشري: عافية في البدن، وقوَّة للروح، واستقلال اقتصادي، وحُريَّة سياسيَّة.
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: كان من الطبيعي أن تطَّرِد عناية الإسلام بطعام المؤمن، ويَبرُز تحقيقه في انتقاء ما يدخُل جوفه من الحلال الطيب؛ إلى العناية بعمليَّات إعداد هذا الطعام لتعظيم انتفاع السالك به. فإن كل جهد في هذا الصدد هو عمليَّة طبخٍ روحيَّة قبل أن تكون ماديَّة
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: المعالجة الربانيَّة-الإنسانيَّة، ترفع قدر الطعام وقيمته من تصوره كأنه مُجرَّد شهوة دنيَّة عمياء، يلهث وراءها البشري بلا كرامة؛ إلى مرتبة الأداة الرفيعة والوسيلة الطاهرة، التي يُتقرَّب بها إلى الله؛ في النفس والأهل والمجتمع.
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: باستعادتنا الآداب الشرعيَّة القويمة للتعاطي مع النعم، والتقاليد المحليَّة في مُعالجتها إلى بؤرة الطرح، استنقاذا للذائقة المصريَّة التي فسدت وكرَّس فسادها المطاعم الرديئة المتكاثرة، والأنماط الاستهلاكيَّة الرأسماليَّة المدمِّرة؛ فإننا نؤكد بذلك على أن نقيض هذا الفساد والانحطاط ليس الزُّهد المطلَق، وإنما هو الأدب الرباني في التعاطي مع النعم
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: انتشار المطاعم الرديئة ليس مسؤوليَّة الذائقة الجمعيَّة الفاسدة وحدها؛ وإنما هو كذلك مسؤولية يتحمَّل قسطا عظيما من وزرها مطاعم كُبرى وصُغرى، يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون.ا
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: عناصر تأسيسيَّة، أشبه في تحقُّقها بالمتتالية؛ كان لها الأثر الجلي في تحطيم ما أمكننا تسميته بالذائقة المصريَّة، حتى صار المستورَد الرديء في كل بابٍ سلعة يُروَّج لها، بل ومعيارا لغيره؛ فتردَّى من ثم "الذوق الاستهلاكي" في مصر بعد تحطُّم الذائقة العامَّة والقيم الحاكمة فوق هذه الذائقة
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: يُطالعنا في هذا الإعلان/ المانيفستو/ البيان؛ الوجه الحركي لعلي عزَّتبيغوڤيتش رحمه الله، وهو ما أدركه النظام الشيوعي الحاكم في يوغوسلاڤيا؛ فقرَّر معاقبته عليه. ورغم أن هذا الجانب لم يكُن -إبَّان محاكمته- قد تبلور بعد في نشاط سياسي مُكتمل، يُهدد النظام القائم تهديدا حقيقيّا، بل كان هذا النشاط يتوهج حينا ويخفُت أحيانا، لأسباب شتَّى؛ فإن الدولة المتألهة قد أدركت أن هذا الإعلان، يُرادُ به مزاحمة "البيان الشيوعي" -على المدى البعيد- وإزاحته
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: ما إن بدأتُ أدرِك قصور التحصيل بغير مكابدة، حتى شرَعَتْ أبواب المعرفة تُفتح لي. صحيح أن كلنا يُكابد الحياة يوميّا، بيد أن مكابدة ما نتعلَّمه تبدأ بمحاولة تمثُّله تمثُّلا واعيا؛ فلا شيء يُنضج المعرفة ويعمقها ويختبر قدراتها الحقيقية مثل محاولات تنزيلها.
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: كل مفكر يمرُّ بمراحل يتطور فيها تصوره ومعجمه تطورا جليّا، ومن الخطر العبث بنصوصه وإظهارها كأنما كُتبت كلها في الآن نفسه. وعلى سبيل المثال، فإن استعماله للفظتي "دين" و"إسلامي" في كتاب: "عوائق النهضة الإسلاميَّة"؛ يختلف اختلافا واضحا عن استعمالات اللفظتين إذ نضجت نُضجا بينا في "الإسلام بين الشرق والغرب"، ثم تحدَّدت تحدُّدا أيديولوجيّا حزبيّا صراعيّا في "الإعلان الإسلامي"
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: صحيح أن الصورة الجديدة -التي اتضحت لنا- هي صورة مُسلم مُلتزم، بل شديد الالتزام بحدود الشرع ومعاييره الأخلاقيَّة؛ بيد أنه مُفكر أوروپي حداثي بامتياز، "مُتحرِّر" ومُطَّرِدٌ فكريّا إلى مدى قد يُثير حفيظة الحداثيين والمحافظين العرب في آن معا
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: لعلَّ المفارقة الكبرى في حياة الأستاذ أنه بدفاعه المستميت عن البوسنة الديمقراطيَّة، تلك "الفكرة النبيلة" التي يُفترض أن تؤوي أديانا وأعراقا مُختلفة؛ كان يذود عن الممارسة السياسيَّة الأوروپيَّة -التي ترسَّخت في القارة العجوز مذ نهاية الحرب- ويحاول استنقاذها من الاضمحلال
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: علي عزَّتبيغوڤيتش وفكره حلقة محورية في تاريخنا، حلقة مُلهمة وجديرة بالدرس والتأمُّل؛ خصوصا وهو المفكر المسلم الوحيد، الذي تمخَّض عنه الإطار التحديثي إبَّان القرن العشرين؛ الذي حمل فكره معه إلى أريكة السلطة، وسعى لتنزيله في الواقع، والاطراد معه
عبد الرحمن أبو ذكري يكتب: نمط الحركة التاريخية النبوية يُبين لنا أن مرحلة الإعداد صيرورة دائمة، وأن خروج المؤمن بالدعوة إلى العالم البراني فتنة في كل شيء، لطالما أخفق ابن آدم في معالجتها؛ إلا من رضي الله له عصمة منها. لهذا، كانت حقيقة اليُسر والعُسر معا هي التلاقي في رباط دائم، يسبح فيه المرابط ضد تيار نفسه الأمّارة بالسوء، الراغبة في الإخلاد إلى الأرض، وضد تيار المجتمع الذي يُزين له ذلك، ويسوغه له بشتى الحجج. وهي سباحة طويلة بطول عُمر الفرد، وتلزمها طاقة نفسية هائلة.