صحافة دولية

وداعا للعمال الجديد: فوز كوربين يجعل البليرية تاريخا

أوبورن: أثبت كوربين أنه يملك رؤية وعلى أعضاء البرلمان من حزب العمال إعطاؤه الفرصة- أ ف ب
أوبورن: أثبت كوربين أنه يملك رؤية وعلى أعضاء البرلمان من حزب العمال إعطاؤه الفرصة- أ ف ب
نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للصحفي البريطاني بيتر أوبورن، تحدث فيه عن زعيم حزب العمال جيرمي كوربين والمصاعب التي يواجهها، بعد إعادة انتخابه زعيما لحزب العمال، مشيرا إلى أنه سحق معارضيه، وحصل بذلك على أقوى تفويض يحصل عليه زعيم معارضة منذ رئيس الوزراء السابق توني بلير عام 1994

ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الإعلام البريطاني تحدث الأسبوع الماضي عن كارثة كبيرة تنتظر رئيس حزب العمال جيرمي كوربين، لكن لا تصدق أيا من هذا الهراء".

ويشير أوبورن إلى أنه "بحسب تلك الرواية الإعلامية، فإن كوربين يقود حزبا منقسما، وليست لديه أي فرصة في الفوز في الانتخابات القادمة، وتحركه أفكار سياسية مجنونة، ستأخذ بريطانيا إلى أسوأ من أيام سبعينيات القرن الماضي". 

ويقول الكاتب: "كوني محافظا لا أشارك كوربين أفكاره السياسية، لكنني متأكد من أن كثيرا مما يكتب عنه في الصحافة (غير صحيح)، والحقيقة هي أن كوربين حظي بأسبوع رائع أثبت فيه صحة ما فعل وقال، بصفته رجلا وسياسيا، وقام كونه زعيما لحزب العمال بإيصال هذه الرسالة في خطاب رأئع في لفربول هذا المساء".

ويضيف أوبورن: "كان الإنجاز كبيرا، ولا يزال كوربين يزداد تمكنا من عمله، وفاز هذا الأسبوع بمصادقة كبيرة من أعضاء حزب العمال، وعلى نطاق يحسده عليه الكثير من السياسيين، والأهم من ذلك هو أن هذه المرة، هي الثانية التي يحصل فيها على مصادقة من أعضاء حزب العمال خلال 12 شهرا".

ويتابع الكاتب قائلا، إن "هذا يعني أنه لا يمكن لأحد أن ينازعه زعامة الحزب، فهو لم يهزم مناوئيه فحسب، بل إنه سحقهم، فحصل بذلك على أقوى تفويض يحصل عليه زعيم معارضة منذ توني بلير عام 1994". 

الطريق الصعب 

ويبين أوبورن أنه "خلافا لبلير، فإنه كان على كوربين أن يسلك طريقا صعبا للوصول، حيث حقق انتصاره في وجه عدوانية شديدة من وسائل إعلام ظالمة وحزبية، كثير منها يصر بشكل مفتوح على تدميره، وتشويش أفعاله، واضطر لدفع ثمن عال جدا لتحديه الآراء التقليدية، لكنه قام خلال أقل من عام بإعادة إنشاء حزب العمال حزبا سياسيا، ورفع عضوية الحزب من 200 ألف عضو، إثر انتخابات 2015، إلى أكثر من 500 ألف عضو اليوم".

ويشير الكاتب إلى أن "كوربين حقق هذا الأمر بإعادة ابتكار الخطاب العام، حيث تخلى عن سياسة تلفيق الأفكار والتلاعب، المرتبطة ببيتر ماندلسون وتوني بلير، اللذين اخترعا مفهوم (حزب العمال الجديد)، أو ديفيد كاميرون وحزب المحافظين، وليس كوربين خطيبا مفوها، لكنه يتحدث باللغة البسيطة التي يفهمها الإنسان العادي".  

ويقول أوبورن: "عملت صحفيا متخصصا بالسياسية لمدة 25 عاما تقريبا، ولا أشك بأنه يجب الاحتفاء بجيرمي كوربين؛ لإدخاله هذا النوع الجديد من السياسة".

كسر النموذج القديم

ويلفت الكاتب إلى أن "كوربين كسر، من خلال خطابه المهم، نموذج السياسة التوافقية، التي ميزت ربع القرن الماضي، منذ صعود توني بلير عام 1994، وحتى الانتخابات العامة عام 2015، كان هناك ما سماه كوربين (صفقة) بين الأحزاب الرئيسية، وكان هناك اتفاق ضمني بين حزبي العمال والمحافظين على أنهما سيعملان في مساحة ضيقة، فحزب كاميرون المحافظ وحزب العمال البليري دَعَوَا إلى سياسات قريبة جدا بينهما، من حيث النفقات والضرائب، وكلاهما دعم خضوع القطاع العام للسوق، وكلاهما اتفق على النموذج الاقتصادي النيوليبرالي".

وينوه أوبورن إلى أنه "من ناحية السياسة الخارجية، يقبل الحزبان بتبعية بريطانيا لأمريكا، ومن هنا جاءت عقيدة المحافظين الجدد، المتعلقة بالتدخل العسكري لتحقيق مصالح الغرب في الشرق الأوسط وغيره، ولا يستطيع أحد أن يدعي أن هاتين العقيدتين -الليبرالية الجديدة في الداخل، وعقيدة المحافظين الجدد في الخارج- كانتا ناجحتين، حيث قادتا إلى انهيارات في أفغانستان والعراق وليبيا، بالإضافة إلى انهيار النظام المصرفي عام 2008، لكن كان مصير أي شخص يعارض هاتين العقيدتين الأرثوذكسيتين هو التهميش". 

ويقول الكاتب: "اليوم كان كوربين هو أول زعيم حزب سياسي من التيار الرئيسي، الذي يتحدى هذا النموذج بشكل مباشر، ويقول: (لقد كسرنا النموذج القديم ودخلنا عصرا جديدا)، إن كوربين يستحق ثناء غير محدود على توفيره بديلا". 

إما أن تدعم أو تستقيل أو تتآمر

ويذهب أوبورن إلى أن "انتصار كوربين خلق مأزقا حقيقيا لمعارضيه من برلمانيي حزب العمال، فقد هزموا مرتين، وليس مرة واحدة، وحان الوقت ليعترف هؤلاء بأنهم هزموا، وهناك طريقان شريفان لفعل ذلك، إما أن يقفوا ويدعموا كوربين في محاولته لتطبيق الرغبات الديمقراطية لحزب العمال، وهذا يعني قبول مناصب في حكومة الظل، وتأييد القيادة في الوقت الذي تضع فيه رؤيتها المتميزة لمستقبل بريطانيا، أو على الأقل دعم كوربين بصدق من المقاعد الخلفية للبرلمان".

ويذكر الكاتب أن "البديل عن ذلك هو الاستقالة من الحزب تماما، وهذا سيكون طريقا مؤلما، لكنه شريف تماما، فالـ(بليريون) أحرار في أن ينشئوا حزبهم الخاص بهم، بالضبط كما قامت شيرلي وليامز وديفيد أوين بإنشاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي؛ ليأسهما بسبب سيطرة اليسار على حزب العمال في ثمانينيات القرن الماضي، وعندها يستطيعون فحص شعبيتهم لدى الناخب". 

ويجد أوبورن أن "الخيار الثالث هو أن يستمروا في التصرف بالأسلوب ذاته، الذي تصرفوا به على مدى الاثني عشر شهرا الماضية، والاستمرار في التآمر على كوربين، وهذا سيكون عملا غير شريف على الإطلاق، وخطأ كبيرا".

ويرى الكاتب أن "هناك تشابها مثيرا بين عدم ولاء أعضاء البرلمان الـ(بليريين) لكوربين، وموقف الدولة العميقة في مصر من الرئيس محمد مرسي، بعد أن فاز بانتخابات ديمقراطية حرة عام 2012، فرفض الجيش المصري والمخابرات وكبار رجال الأعمال واليسار الناصري أن يعترفوا بشرعية انتخابات متعددة، ولم يسمحوا لمرسي بأن يحكم، ونجحوا في ذلك، لكن على حساب التحول الديمقراطي، الذي أعيد أعواما كثيرة إلى الوراء".

ويشير أوبورن إلى أنه "إلى الآن، فإن هذا كان نهج هيلاري بن وتوم واتسون وبن برادشو وغيرهم من مخربي حزب العمال، إنهم يرفضون قبول أن كوربين يملك تفويضا ديمقراطيا، ونتيجة لذلك، فإنهم مصممون على تدميره من داخل الحزب".

ويخلص الكاتب إلى القول: "حصل كوربين على فرصته بجدارة، وأثبت في خطابه في مؤتمر الحزب أنه يملك رؤية، وعلى أعضاء البرلمان من حزب العمال إعطاؤه الفرصة؛ ليثبت أنه يستطيع تشكيل سياسة بريطانية جديدة، الله وحده يعلم أننا بحاجة ماسة لها، وحتى بالرغم من كوني محافظا، فإنني ولأجل صحة النظام السياسي البريطاني، أتمنى له حظا موفقا". 
التعليقات (0)