ملفات وتقارير

أين تقف روسيا وتركيا من التطورات العسكرية بين المعارضة والنظام السوري؟

المعارضة السورية تواصل معاركها ضد قوات النظام لليوم الثاني على التوالي- الأناضول
المعارضة السورية تواصل معاركها ضد قوات النظام لليوم الثاني على التوالي- الأناضول
تشتعل المعارك على مشارف مدينة حلب بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام والمليشيات الإيرانية الداعمة له في أكبر تحرك عسكري يشهده شمال غربي سوريا منذ سنوات، وذلك على وقع ضبابية في مواقف الدول الفاعلة بالملف السوري مثل تركيا وروسيا.

ففي حين تعد تركيا داعما رئيسيا لفصائل المعارضة في شمال غربي سوريا وضابطا لسلوك هذه الفصائل بموجب تفاهمات "أستانا"، تعتبر روسيا التي تدخلت بالملف السوري عسكريا عام 2015 حليفا لنظام بشار الأسد.

ولليوم الثاني على التوالي، تواصل "إدارة العمليات العسكرية" التي تضم فصائل معارضة أهمها "هيئة تحرير الشام"، خوض معارك ضارية مع قوات النظام السوري على محوري ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي.

Image1_11202428194310467530674.jpg

وتحقق هذه الفصائل تقدما كبيرا على محاور القتال حيث سقطت عشرات القرى والوحدات العسكرية تحت أيديها بعد انسحاب قوات النظام والمليشيات الإيرانية.

وأشارت تقارير محلية إلى قطع فصائل المعارضة الطريق الدولي بين دمشق وحلب المعروف باسم "M5" بعد سيطرتها على قرية الزربة وكتلة الشؤون الإدارية وعقدة عالم السحر في ريف حلب.

اظهار أخبار متعلقة


كما أظهرت لقطات مصورة وصول مقاتلي المعارضة إلى ما يقرب من 1 كيلو متر فقط عن مدينة حلب بعد بسط سيطرتهم على بلدة خان العسل في الريف الغربي لثاني أكبر مدينة في سوريا.


وتجري هذه المعارك في مناطق "خفض التصعيد" التي اتفقت كل من روسيا وتركيا على الإبقاء عليها في اتفاقية جرى توقيعها بين الجانبين عام 2019، ونصت على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 - 20 كيلومترا داخل منطقة خفض التصعيد، لكن الخروقات من قبل النظام السوري تسببت في تقويض جوانب من الاتفاق.

وبالرغم من هذه التطورات التي تعيد تشكيل خريطة المشهد السوري لأول مرة منذ سنوات من الجمود الذي طرأ على القضية السورية بسبب التوافقات الدولية، إلا أن موقف كل من تركيا وروسيا الذي وصف بـ"البارد" يثير العديد من التساؤلات حول أسباب التزام الدولتين الفاعلتين الصمت إزاء هذه التطورات.

ولا يمكن فصل هذه الأحداث عن التطورات التي شهدتها سوريا خلال الأشهر الأخيرة، حيث دأبت تركيا مؤخرا على توجيه رسائل إلى الأسد من أجل تطبيع العلاقات إلا أن المسار تعثر على وقع تعنت النظام بضرورة سحب القوات التركية في المقام الأول من شمال البلاد.

وأثار موقف النظام المتعنت استياء تركيا، التي أشارت على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان قبل أيام إلى عدم اضطلاع روسيا بالدور المطلوب لجلب الأسد إلى طاولة المفاوضات.

وقال فيدان في تصريحات صحفية إن "هذا الملف القضية ليست على جدول الأعمال الروسي"، معللا عدم اهتمام روسيا بدعم مسار التطبيع بين بلاده والنظام السوري بهدوء جبهات التماس بين الأخير والمعارضة، قائلا: "يوجد بالفعل وقف لإطلاق النار في المنطقة ولم يظهر أي تهديد خطير".

"مصلحة تركية"
نقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن مصدر تركي وصفه بـ"رفيع المستوى" قوله إن "تركيا حاولت منع الهجوم لتجنب تصعيد التوترات في المنطقة بشكل أكبر، خاصة في ظل الحروب التي تخوضها إسرائيل في غزة ولبنان".

وأضاف أن "ما كان مخططا له في البداية كعملية محدودة توسع عندما بدأت قوات النظام (السوري) بالفرار من مواقعها"، مشيرا إلى أن العملية تهدف إلى استعادة حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب، التي تم الاتفاق عليها في الأصل عام 2019 بين روسيا وتركيا وإيران.

اظهار أخبار متعلقة


وفي السياق ذاته، قال مصدر أمني تركي لوكالة رويترز، إن "جماعات معارضة في شمال سوريا شنت عملية محدودة في أعقاب هجمات نفذتها قوات الحكومة السورية على منطقة خفض التصعيد في إدلب، لكنها وسعت عمليتها بعد أن تخلت القوات الحكومية عن مواقعها".

وأضاف المصدر التركي، أن "تحركات المعارضة ظلت ضمن حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا في عام 2019".

وتشير التصريحات المشار إليها إلى اطلاع تركي على خطط المعارضة السورية لشن هجوم ترددت أصداؤه محليا خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن التطورات الميدانية بدأت في إلقاء ظلالها على مسار العملية.

ويرى الباحث التركي علي أسمر أن تركيا تراقب عن كثب تطورات المعارك بين المعارضة السورية وقوات النظام شمال غربي سوريا، حيث يعكس موقفها حالة من الحذر والترقب تجاه التصعيد الحالي.

ويوضح أسمر في حديثه لـ"عربي21" أن أنقرة ترى في هذه العملية هجوما محدودا في إطار مناطق خفض التصعيد، لكن المعارضة توسعت بعدما انسحبت قوات النظام من مواقعها، مشيرا إلى أن "بعض المصادر الأمنية التركية عبرت عن أن العملية بدأت كتحرك محدود، لكن المعارضة استغلت تراجع قوات النظام لتوسيع نطاق عملياتها".

ومع ذلك، فتركيا جاهزة لأي سيناريو ميداني محتمل على وقع تواصل المعارك بين الجانبين، بحسب أسمر الذي أوضح أن التصريحات التركية حذرة في هذه المرحلة، لكنها قد تتصاعد مع تطورات الوضع الميداني على الأرض.

وبحسب الباحث التركي، فإن "هذا الهجوم يعكس ثلاثة عوامل رئيسية؛ الأول هو جمود المسار السياسي بين أنقرة ودمشق، وخاصة مسار التطبيع. الثاني هو التصعيد الكبير من قبل قوات النظام وحلفائه في مناطق المعارضة. أما الثالث فهو فشل قمة أستانا الأخيرة التي عُقدت قبل أيام".

من جانبه، يرى الباحث في مركز أبعاد للدراسات فراس فحام أن تركيا لديها مصلحة واضحة في تقويض النفوذ الإيراني في شمال غربي سوريا.

ويقول في حديثه لـ"عربي21"، إن "هذا النفوذ يشكل تهديدا مباشرا لتركيا، إذ يوفر دعما لعناصر حزب العمال الكردستاني (قسد) التي تنشط في المنطقة الممتدة من باشمرا وتل رفعت والشيخ عيسى ومرعناز".

"هذه العناصر كانت ولا تزال تشكل خطرا على القواعد العسكرية التركية المنتشرة في شمالي حلب، إضافة إلى قصفها للمدنيين في مدن مثل أعزاز والباب ومناطق أخرى من ريف حلب"، يقول فحام.

وتعد المليشيات الموالية لإيران داعما رئيسيا لنظام بشار الأسد في مختلف مناطق سيطرته، لا سيما في مناطق ريف حلب الجنوبي حيث تشير تقارير محلية إلى وجود تجمعات حاشدة لهذه المليشيات.

Image1_1120242819447537485737.jpg

وبحسب فحام، فإن "استمرار نشاط الميليشيات الإيرانية في المنطقة قد يؤدي إلى تدخلات غربية وإسرائيلية أوسع نطاقا، ما يهدد الاستقرار النسبي في المنطقة. كما أن هناك محاولات من قسد للترويج لدورها في تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، على أمل كسب موقع استراتيجي في السياسة الأمريكية الجديدة، خصوصا مع التوقعات بأن إدارة ترامب ستركز على تحجيم دور إيران الإقليمي".

الموقف الروسي: رسالة ضغط للنظام السوري
على الجانب الروسي، يبدو أن موسكو تتبنى موقفا مختلفا في التعامل مع التطورات الميدانية، خصوصا بعد غياب دور قوتها الجوية في التصدي لفصائل المعارضة المتقدمة على محاور القتال نحو حلب.

ومنذ تدخلها عام 2015، شكلت القوة الجوية الروسية عاملا مهما في مواجهة فصائل المعارضة السورية عبر القصف الكثيف واستهداف المنشآت المدنية والأحياء السكنية.

ويوضح أن السلوك الروسي قد يكون مرتبطا بالتقارب الإيراني مع النظام السوري خلال الأشهر الأخيرة، مشيرا إلى أن موسكو كانت تسعى إلى إدخال النظام في مسار سياسي برعايتها مع تركيا، لكنها اصطدمت بتعنت النظام واستمراره في تعزيز علاقاته مع إيران.

اظهار أخبار متعلقة


ويضيف أن "روسيا ترى في تركيا منفذا اقتصاديا يمكن للنظام أن يعتمد عليه بدلا من إيران، لكن زيارات المسؤولين الإيرانيين الأخيرة إلى دمشق، مثل زيارة علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني، أثارت انزعاج موسكو".

"هذه الزيارات أكدت أن النظام السوري يميل إلى تعزيز تحالفه مع إيران بدلا من تبني نصائح موسكو" بشأن التطبيع مع تركيا، وفقا للباحث التركي.

وفي السياق ذاته، يشدد فحام على أن روسيا تحاول تذكير النظام السوري بأهميتها كضامن رئيسي لبقائه، ويقول إن "الزيارة الأخيرة لعلي لاريجاني جاءت بعد نصائح واضحة من بوتين للأسد بضرورة الابتعاد عن إيران، لكن النظام لم يأخذ بهذه النصائح".

ويلفت الباحث إلى أن "روسيا تريد من خلال موقفها تجاه عملية المعارضة أن تؤكد للأسد أن إيران لا تستطيع حمايته كما تفعل موسكو"، مشددا على أن موسكو تظهر أيضا "مرونتها تجاه عدم عرقلة الجهود الإقليمية والدولية لإضعاف حضور إيران في سوريا".

التعليقات (0)

خبر عاجل