مدونات

الأمن القومي والمصلحة القومية

أورهان آقزاده
CC0
CC0
كانت بداية شيوع مصطلح الأمن القومي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في ظل ظروف سياسية وعسكرية وتحالفات دولية جديدة وانتشار كثيف للأسلحة وتطور نوعي فيها؛ وهذا أدى لتغير في الثوابت الدفاعية والرؤية الأمنية للدول وتحديداً جديداً لمفهوم الأمن، ونشأت بعد ذلك عدة جهات بين مجلات ومؤسسات ذات طابع أكاديمي بحثي وإعلامي اهتمت بمسائل الأمن القومي ومصادره، ومقوماته وإجراءات ضمان حمايته(1).

وكان أول تشكيل مؤسسي تنظيمي يعبر عن الأمن القومي في عام 1947 حين صدر قانون الأمن القومي عن الكونغرس الأمريكي، والذي أسس لما يسمى مجلس الأمن القومي، وأوكل له مهمة تقديم المشورة للرئيس في الأمور السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ ولم يتطرق القانون لضبط مصطلح الأمن القومي وترك التعريف مفتوحاً، وبمرور الوقت وانتشار مصطلح الأمن القومي بدأت كل دولة بصياغة مفهومها الخاص بالأمن القومي، والذي تقوم من خلاله بحماية مصالحها في عالم جديد كانت سِمَته الرئيسية أنه متغير(2).

ليس هناك اتفاق أكاديمي بشأن تعريف الأمن، أو الأمن القومي، حيث تختلف منظورات المفكرين والمتخصصين الأمنيين وفقاً لتحيزاتهم المعرفية أثناء دراسة الظاهرة الأمنية، وهذا يؤثر على المخرج التطبيقي لهذه المفاهيم الأمنية(3)، وظهرت العديد من التعريفات للأمن القومي نذكر منها:

- الأمن القومي: هو حفظ الأمة بكل مكوناتها. وفي مقدمة أولوياته حماية الأمة والشعب من أي هجوم أو خطر خارجي من خلال ضمان جاهزية القوات المسلحة وحماية أسرار الدولة(4).

- وفقاً لتشارلز مائير فإن الأمن القومي: هو القدرة على التحكم في تلك الظروف المحلية والأجنبية التي يرى الرأي العام لمجتمع ما، أنها ضرورية ليتمتع باستقلاليته ورخائه(2).

بتحليل مصطلح الأمن القومي لغةً، فإن الأمن هو عكس الخوف، ويعبر عن مجموعة من المترادفات مثل الأمان، الاطمئنان، السكينة، الثقة.. إلخ، وأما القومي فهي من كلمة قوم، والقوم: الجماعة من الناس تجمعهم جامعةٌ يقومون لها، والجامعة هو ما يشتركون به من دين أو أرض أو لغة أو نسب أو عرق أو دولة أو فكرة.. إلخ.

المصلحة القومية، هي الأوضاع التي ترى الدولة في وجودها واستمرارها ما يحقق أهدافها، وهي تتضمن الحفاظ على قيم الدولة وصيانة استقلالها وكيانها وحرياتها في علاقاتها الخارجية، ودعم هيمنتها الاقتصادية. وغالباً ما تستخدم الدولة هذا المفهوم في محاولتها للتأثير على البيئة الدولية لصالحها(1).

عند الحديث عن المصلحة لغةً، فإن كلمة مصلحة تعني المنفعة، وتعني ما فيه صلاح شيءٍ أو حالٍ، والمصلحة من الصلاح، والفلاح، والنجاح.

بالحديث عن العلاقة بين المصلحة القومية والأمن القومي سنجد أن هناك اتجاهاً يستخدم كلا المصطلحين كمرادف للآخر، وهناك اتجاه آخر يرى أن العلاقة هي علاقة تأثير متبادل، فنظرية الأمن القومي لدولة ما تعكس مصلحتها القومية، وكذلك فإن تحديد المصلحة القومية ينطلق من مفهوم واضح لأمنها القومي، وما يمكن أن يشكل خطراً أو تهديداً له(1).

يمكن تعريف الأمن القومي بتعريف مختصر جامع بأنه "امتلاك الاستطاعة والقدرة على رعاية وتحقيق المصالح القومية واستدامتها من خلال تبني سياسات وإجراءات وفقاً لاستراتيجية واضحة".

أما المصلحة القومية فيمكن تعريفها بأنها "كل ما من شأنه حماية وتطوير المقومات الجامعة لمجتمع ما"، وأما المقومات الجامعة للمجتمع فهي الدين والفكر، الأرض، الثقافة، اللغة، الدولة، العرق، التاريخ المشترك، الموارد الطبيعية وغيرها، وسنجد أنها ذات أبعاد مختلفة فمنها السياسي، ومنها الاجتماعي، ومنها الاقتصادي، ومنها الفكري وغير ذلك، وهي نفسها الأبعاد التي يعمل من خلالها الأمن القومي، وهذه الأبعاد ليست ثابتة وقد تتغير بناء على رصد الواقع والتغيرات الداخلية والخارجية.

مجرد القول بوجود أمن قومي فهذا يعني حكماً وجود مصلحة قومية متحققة وإن بنسبة، ولكن المصلحة القومية أحياناً قد تكون متحققة بشكل طبيعي دون وجود أمن قومي، ولكن من غير المضمون استمراريتها وديمومتها دون وجود الأمن القومي.

يمكن القول إن الأمن القومي بحد ذاته هو مصلحة قومية والمصلحة القومية بحاجة لأمن قومي لتحقيقها ورعايتها وتطويرها؛ وبالتالي العلاقة بين الأمن القومي والمصلحة القومية هي علاقة متبادلة لا يمكن الفصل بين المصطلحين، وفي نفس الوقت لا يمكن استخدام أحدهما كمرادف للآخر.
__________
(1) علاء عبد الحفيظ، "الأمن القومي.. المفهوم والأبعاد"، 11 آذار/ مارس 2020.
(2) فرناز عطية أحمد، "الأمن القومي.. التطور والأبعاد"، المعهد المصري للدراسات، 6 تموز/ يوليو 2022.
(3) عبد الوهاب محمد، "مفهوم الأمن بين تعدد المنظورات وتباين السياقات"، المعهد المصري للدراسات، 5 نيسان/ أبريل 2021.
 (4) K. R. Holmes، "What Is National Security?", 2015 INDEX OF U.S. MILITARY STRENGTH, pp. 17-26, 1 January 2015.
التعليقات (1)
مصري
الأربعاء، 31-05-2023 06:37 م
الامن القومي في مصر هو امن مغتصب الحكم و كل المؤسسات في مصر من جيش و شرطة و غيرهم هم خدم و عبيد عنده يحمونه و يحققون احلامه و اذا انت اعترضت على خيانات السيسي فانت عميل و ارهابي و ستنكل بك كل المؤسسات حتى لوافق على سد اثيوبيا في مارس 2015 و هو اكبر خطر وجودي على مصر في كل تاريخها فتلك المؤسسات مازالت تحميه و تحقق احلامه لانه ترك لها اقتصاد مصر مستباح للجيش