قضايا وآراء

عبد الرحمن عرنوس ومسرح القهوة

هشام عبد الحميد
عبد الرحمن عرنوس- فيسبوك
عبد الرحمن عرنوس- فيسبوك
ذاك الفنان الكبير والروح المتقدة بعشق المسرح وسحره وجنونه الذي لا ينتهي، عبد الرحمن عرنوس البورسعيدي، الجدع الشاطر الذي بدأ حياته المسرحية بكل عزم وهمّة أن يقدم ما يراه وما يريده لمعشوقه المسرح.

بدأ نبوغ عبد الرحمن عرنوس لافتا الأنظار إليه أثناء دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية؛ قسم تمثيل وإخراج، وقد تخرّج فيه بتفوق لكي يبدأ مسيرة فنية طموحة مليئة بالضحك والدموع، بالفشل والنجاح.

ولعل سبب تعاسة هذا المسرحي الكبير هو نفسه سر انطلاقه وتميّزه، فقد آثر عرنوس الحق على الزيف، أراد لمسرحه أن يقول الحقيقة لا نصف الحقيقة، أراد بشكل أو بآخر أن يستثمر كل أبجديات المسرح لنقد كل المعطيات الثقافية والسياسية والاجتماعية، وكذلك ما طرأ عليه من تغييرات. ولذلك اصطدم بمسارح القطاع العام والخاص وقتذاك، وكفر بها وانتقدها وهاجمها بعنف وضراوة، وقد بادله أصحاب المسارح وكذلك المتنفّذون بالأمور هجوما بهجوم، وضيّقوا عليه فرص الرزق، ولكنه أبدا لم يستسلم.

وجاب القرى والمحافظات ليقدم مسرحَه المؤمن به، مسرح الحقل والجرن، مسرح الناس البسطاء الطيبين. ولعل أهم ما قدمه عرنوس عرضه الناقد والرافض لهزيمة ٦٧، وضرورة شحن الهمم لاستعادة الأرض والعرض.

وكذلك إنشاؤه لما سُمي بمسرح القهوة، وقد احتضنت جهوده قهوة أسترا بميدان التحرير. وقد أقام عرنوس بروحه الوثابة والتوّاقة لكل ما هو جديد وحر، مسرحا صغيرا في المقهى، في تجربة علّها تكون الأولى والأخيرة بتاريخ المسرح المصري. وقد أضاء المسرح الصغير بفوانيس تقترب من الفوانيس الكلاسيكية القديمة للحنطور.

وقد كان المنظر العام برغم بساطته وفقره؛ مبهرا وموحيا وملهما وساحرا في الوقت ذاته، وفي وقت قصير أصبح هذا المسرح يجمع المواهب الشابة والفنانين من كل صوب وحدب. فقد كان من روّاده كل فرقة المشاغبين لقرب مسرح قهوة أسترا من مسرح الفنانين المتحدين، وقد كانت تمتد عروض المسرح وما يصاحبها من أمسيات ثقافية بديعة حتى خيوط الصباح الأولى، فكان يحضرها على سبيل المثال لا الحصر، محمد فاضل وعلي بدرخان ونجيب محفوظ. وفيها تم اكتشاف الوجوه الشابة وقتذاك، محمود الجندي كمغن أول، قبل أن يتجه إلى التمثيل، وكذلك علي الحجار، والشعراء الشباب وقتذاك، عبد الرحمن الأبنودي وفؤاد حداد والكبير صلاح جاهين ولويس جريس ويوسف شاهين وسيد حجاب وغيرهم. وقد كان لكاتب هذه السطور أيضا حضور على خشبة مسرح القهوة وقد شرفت بهذا، وكان هذا إبان دخولي للمعهد العالي للفنون المسرحية مباشرة.

ولكن لم تَسِر الأمور كما تمناها عرنوس، فقد أغلقت القهوة أبوابها وتحولت مع الزمن لمحل بيع الأكلات السريعة، وكذلك الحال لمعظم مقاهي المنطقة، وقد خسرت منطقة وسط البلد زخمها الثقافي التي كانت تتمتع بها، إلا من رحم ربي. فتوجه عرنوس إلى الأردن، حيث وجد ضالته المنشودة في عمل مختبر للتدريب على التمثيل وإعداد الممثل والممثلة الجيدين، كان ذلك بجامعة اليرموك في بداية ثمانينيات القرن المنصرم.

وقد سجّل نجاحا كبيرا في الأردن، أحدث ونتج عنه جيل كامل من الفنانين الأردنيين، ما زالوا يدينون بفضله، ويتصدرون المشهد الفني والمسرحي هناك، منهم المخرج حكيم حرب مدير فرقة الرحالة المسرحية، الذي يقيم مهرجانا مسرحيا في الفضاءات المفتوحة، ودورته القادمة باسم عبد الرحمن عرنوس، عرفانا وتقديرا لما قدّمه لهم من علم نافع وأستاذية حقة، فلا كرامة لنبي في وطنه.

وعندما انتهت بعثته إلى الأردن وعاد للمعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة، لم تسر الأمور كما تمناها، وتعثرت خطاه، وعانى ما عانى من الجاحدين وناكري الجميل والحاقدين أيضا، حتى تمكن منه المرض، ورحل عن عالمنا غاضبا حانقا على كل مظاهر القبح والتي تسيّدت وأصبحت عنوان مرحلة مع شديد الأسف والأسى.

برحيل عرنوس رحل معه الحلم والطموح والجنون والجمال.
التعليقات (1)
نسيت إسمي
الأربعاء، 31-05-2023 03:57 م
'' من الفنان هشام عبد الحميد إلى نص عليك و نص علينا '' قهوة أسترا نص عليك و نص علينا نشط عقلك تحويل العمل الفني إلى رمز ثقافي أو شمولي. ثم إن الفنان عبد الرحمن عرنوس يتخذ من فنه سبيلا للعيش لأنه يجد في داخله حاجة طاغية للتعبير عن مكنوناته؛ ويجد الكثير من الفنانين رغبة عميقة لديهم لأيصال ما ينجزونه من أعمال إلى المجتمع. الأدب نمط معريفي غايته تنشيط العقل و إلهامه من خلال إستثارة الأفكار و المشاعر التي تنطلق من داخل الصندوق إلى خارج الصندوق .. اشتهر عرنوس فى السبعينيات بتقديم الأدوار الصعبة على المسرح والتلفزيون، ومثل دور الصعلوك في مسرحية "زيارة السيدة العجوز"، والأخرس في المسلسل الشهير "أغراب"، والميكانيكي في "الناس والفلوس"، و"وحشي قاتل حمزة" في مسلسل "آية وقصة"، بالإضافة لتجسيده شخصية "الجنرال الفرنسي كليبر" في مسرحية "حياتي والزمن". 1 ـ (الفنان ماجد الكدواني خلال ظهوره في برنامج "سهرانين" تحدث عن المخرج الراحل عبد الرحمن عرنوس) وقال: "بعد ما خلصت من فنون جميلة وطلبوني في معهد الفنون المسرحية، وأنا في امتحانات القبول، كان هناك دكتور عظيم في معهد الفنون المسرحية، كان اسمه الدكتور عبدالرحمن عرنوس، وقال لي تعالى عايز أقولك على حاجة، فقال لي "وماذا بعد" وبعدين مشي، قلت له طب يعني إيه؟ فقالي خلي الكلمة دي حلقة في ودنك". وأضاف الكدواني: "جريت وراه قلت له لازم تشرح لي، قال لي وماذا بعد؟ فقلت له مش هسيبك إلا لما تشرح لي، فقال لي هقولك على حاجة، اوعى تعمل عمل تعيش عليه، كل ما تخلص عمل قل وماذا بعد؟ واللي اتعمل يتنسي وفكر في اللي بعده، ودايما الكلمة دي بقت حلقة في ودني، مبدأ حياة". 2 ـ (رمزية قهوة أسترا) أنا المحبوبة السمراء. وأسقى بالفناجين. وعود الهند لي عطر. وذكري شاع في الصين»، إذا كان هذا هو لسان حال القهوة، فإن ذكر هذه السمراء على ما يبدو شاع في كل بقاع الأرض، وعلى مر الثقافات والأجيال كانت القهوة حاضرة في الشعر والكتب الأدبية والأشعار ورسائل الحب. وذكر الزبيدي في «تاج العروس» عدداً من الفوائد الطبية للبن. وأوضح أن البن شاع اسمه بالقهوة، إذا حمص وطبخ طويلاً، إذ يُلقى على النار قليلاً وهو جاف، ثم يدق ويغلي بالماء. وألف الزبيدي كتاباً اسمه «تحفة الزمن في حكم قهوة اليمن»، جمع فيه أقوال أهل اليمن في القهوة وخواصها، وقال: «إن القهوة سميت بهذا الاسم لأنها تشبع شاربها، وتفعل في النفس فعل النشوة والنشاط، وتمثل مصدر الأنس والسعادة لدى العربي، لذا حرصوا أن تُدار دائماً في منازلهم». وأوجدت أكثر من 85 طريقة لإعداد القهوة منتشرة عالمياً، تأتي الطريقة العربية للقهوة كإحدى أشهر الطرق في ارتباطها ارتباطاً وثيقاً بما ترمز له من معانٍ عميقة تجاه إكرام الضيوف، إذ كانت مشروب «الأجاويد» ومفتاح السلام، والبدء في الكلام وتلعب دوراً اجتماعياً مهماً في حل مشكلاتهم. وتعبر عن الفرح والحزن أيضاً، إذ كان يعبر عن الحزن بموت شيخ القبيلة قديماً بأن تكبّ القهوة، وتنكس الدلّة، دلالة على الحداد، ولها معانٍ أخرى تبدأ من «فنجان الهيف»، ليطمئن بأن القهوة جيدة، ويأتي بعده «فنجان الضيف»، الذي يعبر عن العيش والملح بينهم، ويليه «فنجان الكيف» تمثلاً بشعور النشوة والسعادة. ويأتي أخيراً «فنجان السيف»، الذي يعني القوة والمنعة .. نص عليك و نص علينا نشط عقلك ومعنى كلمة آستارا باللغة التالشية تعني السائر ببطء ويقال أن السبب في هذه التسمية يعود إلى أن القوافل المارة بالمدينة تبطيء السير لكثرة المستنقعات الموجودة بسبب كثرة الأمطار .. أصبحنا نعيش فقط على نسمة الماضي ف الحاضر لا طعم له.