كتاب عربي 21

من هنا وهناك.. الطائفية كورقة في الانتخابات التركية

علي باكير
كيليتشدار أوغلو تحدّث لأوّل مرّة منذ عقود عن الهوية الطائفية وانتمائه العلوي- (الأناضول)
كيليتشدار أوغلو تحدّث لأوّل مرّة منذ عقود عن الهوية الطائفية وانتمائه العلوي- (الأناضول)
التدخل الخارجي في الانتخابات التركية

خلال العقد الماضي، كثرت الشكوى لدى الديمقراطيات الغربية من محاولات التدخل الخارجي في الانتخابات الخاصة بها والتلاعب في إتجاهات الراي العام لديها ومحاولة التأثير على نتائجها بأساليب وطرق متعدّدة إعلامية، دعائية، سياسية، مالية، إستخباراتية، وسيبرانية. وعند الحديث عن التدخلات الخارجية، غالباً ما كان يتم توجيه أصابع الإتهام الى روسيا التي تحتل المرتبة الأولى في قائمة المتّهمين بالتدخل في الانتخابات التي جرت في كبرى البلدان الغربية كالولايات المتّحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدولي الغربية.

المفارقة أنّ بحثاً سريعاً عن خلاصة الدراسات الأكاديمية حول تاريخ التدخلات الخارجية في الانتخابات حول العالم تضعنا أمام حقيقة غير متعارف عليها، وهي انّ الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكية أكبر متدخّل في الانتخابات في عدد كبير من الدول. لا يخفّف هذا بطبيعة الحال او يلغي دور روسيا المعروف، وإنما يعني أنّنا عندما نتحدث عن تدخل خارجي، يجب أن نأخذ موضوعياً كل المتدخّلين بعين الاعتبار.

اليوم، تشهد تركيا من دون مبالغة الانتخابات الأهم في تاريخها الحديث. تجري هذه الانتخابات وسط ظروف استثنائية في كل المقاييس. أي متابع موضوعي باستطاعته أن يلاحظ أنّ هناك تدخّلات خارجية في الانتخابات التركيّة، وأنّ هذه الانتخابات كانت قد بدأت قبل موسوم الانتخابات، وهي مستمّرة بشراسة اليوم لاسيما على الصعيد الإعلامي والدعائي -وربما يتبين لاحقاً المالي أيضاً ـ ضد تيار بعينه ومرشّح واحد باسمه. التركيز اليوم على الانتخابات نفسها، والانتخابات نفسها ستكون مادة دسمة لمن يريد دراسة هذه التدخلات.

الطائفية ورقة في الانتخابات التركية

في تركيا، الطائفية ليست عنصراً أساسياً في أي ركن من أركان الدولة لا قانونيا ولا دستورياً ولا سياسياً، كما أنّ الناس في عمومهم لا يهتمون للإنتماء الطائفي لأسباب كثيرة ليس هذا مجال ذكرها. الإنتماء الطائفي الذي لا يتمّ التعبير عنه علناً ولا يتم تسجيله ليس محدًداً في أي شيء مهم في تركيا سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى الدولتي. انتماؤك الطائفي لا يحرمك من وظيفة إذا كنت تستحقها ولا يمنعك من منصب إذا كنت مرشحاً إليه، ولا يقفل أي باب في وجهك.

في السابق، وعند تأسيس الجمهورية تمّ قمع كل أشكال الانتماءات الهويّاتية لصالح إعلاء هويّة الإنتماء الدولتي- الوطني، وبخلاف ما يروّج له اليوم حول المظلوميّة الاستثنائية لبعض المكوّنات الطائفية أو الإثنية كالعلوية أو الكردية، فإنّ المظلوم الأكبر من هذه المعادلة كان المكوّن السنّي ـ إن صحت التسمية ـ أو التيار الإسلامي بشكل عام والذي ظل حتى الأمس القريب الهدف الأوّل للمؤسسة العسكرية التركية تحت يافطة حماية العلمانية.

تشهد تركيا من دون مبالغة الانتخابات الأهم في تاريخها الحديث. تجري هذه الانتخابات وسط ظروف استثنائية في كل المقاييس. أي متابع موضوعي باستطاعته أن يلاحظ أنّ هناك تدخّلات خارجية في الانتخابات التركيّة، وأنّ هذه الانتخابات كانت قد بدأت قبل موسوم الانتخابات، وهي مستمّرة بشراسة اليوم
خلال الأسبوع المنصرم، استجلب مرشّح المعارضة الرئيسي وزعيم حزب الشعب الجمهوري اليساري (المفترض أنّه علماني) مسألة الهويّة الطائفية إلى البرنامج الانتخابي. وقد تحدّث كيليتشدار أوغلو لأوّل مرّة منذ عقود عن الهوية الطائفية وانتمائه العلوي مخاطباً الناخبين الشباب الذين يصوتون لأوّل مرة وعددهم حوالي 7 مليون ناخب "أبنائي الأعزاء أولئك من سيضعون صوتهم للمرة الأولى، أنا علوي، أنا مسلم مخلص...."، داعياً إلى وضع الخلافات جانبا وتخليص البلاد من "الجدل الطائفي" من خلال التصويت له.

والحقيقة أنّ هذا الكلام مثير للاستغراب على أكثر من صعيد. فحزب الشعب الجمهوري حزب علماني ـ يساري لا يولي أهميّة تقليدياً للدين، بل إنّه في كثير من المحطات التاريخية كان في موقف المعادي له، ولم يمانع حينها من قمع حقوق الأغلبية، وساهم بشكل أساسي في ذلك. مؤخراً، بدأ الحزب ينفتح على الاتجاه الإسلامي في محاولة لتوسيع دائرة نفوذه التقليدية والحصول على أصوات المحافظين الإسلاميين. وهو ضمن هذا السياق على ما يبدو، يريد أيضاً أن يضمن أصوات الأقليات بما في ذلك أصوات الطائفة العلوية. هذا التكتيك قد يكون مفهوماً من الناحية الانتخابية، لكن المثير للعجب أنّه يستخدم الورقة الطائفية ثم يتّهم خصومه السياسيين بافتعال جدل طائفي.

لقد شجّع هذا الموقف على ما يبدو آخرين في المعارضة على القيام بتصريحات استفزازية من بينها أحزاب يسارية معروفة بمحاباتها لمجموعات إرهابية محزب العمال الكردستاني، إذ قالت سارة كادجيل المتحدثة باسم حزب العمّال اليساري بأنّه "ما لم تكن رجل طاعناً في السن، تركي، وسنّي، وغني، فإنّ حياتك ستكون صعبة" في تركيا. وفي هذا التصريح لوحده إثارة للكراهية والعنصرية والطائفية والتمييز الجندري ما يجعل المرء يتساءل عمّا إذا كان استخدام المعارضة للطائفية في الإنتخابات المقبلة استراتيجية مدروسة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ستنجح هذه الاستراتيجية أم أنّها ستأتي بنتائج عكسية؟
التعليقات (1)
احمد ج
الإثنين، 24-04-2023 06:38 ص
في تركيا او اي بلد تتدخل به الدول الغربيه بشكل او آخر الطرف المدعوم من الغرب حتى و لو كان نازيا هتلريا كلب ابن ستين سيتم التغاضي عن ذلك وسوف يدعم و يقدم على انه ابو الديمقراطيه و انه الخيار الامثل !! بل حتى في الغرب نفسه كثير من الدول يتحكم فيها اليوم اليمين المتطرف الذي لا يخفي ايمانه بالتفوق العرقي النازي و لا يستحي من عدائه للعرب و المسلمين و لقد انزلقت دولا لم تحكم من اليمين المتطرف فأصبحت اكثر تطرفا من اليمين المتطرف في عدائها للمسلمين على سبيل المثال النرويج السويد هولندا بلجيكا اليونان فرنسا بريطانيا اسبانيا بأستثناء ايطاليا التي يحكمها اليمين المتطرف الذي يتخذ من موسيليني قدوه و مثالا !! كل تلك الانظمه فقدت بوصلتها الايدولوجيه و لم تجد اسهل من استخدام الفصل العنصري و الديني كورقه للحكم والذي دائما يجد قبولا لدى شريحه عريضه من شعوبهم و التي هي ايضا تبحث عن قميص عثمان لتبرر افلاسها الايدولوجي و الاقتصادي