صحافة دولية

فايننشال تايمز: كيف أنعشت أموال الأمم المتحدة النظام السوري؟

الهلال الأحمر السوري- جيتي
الهلال الأحمر السوري- جيتي
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على "الفشل" الذريع للأمم المتحدة في شمال سوريا بعد الزلزال المدمر الذي حدث الشهر الماضي، وهو ما يفضح علاقاتها المتشابكة مع نظام دمشق، والتي تضمنت تعيين ابنة رئيس المخابرات السورية في مكتب وكالة إغاثة.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن بطء وصول المساعدة الدولية إلى مناطق المعارضة الفقيرة في سوريا بعد الزلزال، وهو ما اعترفت به شخصيات بارزة في الأمم المتحدة، يؤكد كيف يستخدم نظام الرئيس بشار الأسد المساعدات الإنسانية لخدمة مصالحه، كما كشفت هذه الأحداث النقاب عن الطرق التي تُجبَر بها الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى على تقديم تنازلات تعود بالنفع على رئيس النظام السوري وشركائه، وفقًا لخبراء الإغاثة والأشخاص العاملين في هذا القطاع.

وذكرت أنه وفقا لأربعة أشخاص على دراية بالمسألة، تعمل ابنة حسام لوقا، رئيس المديرية العامة للمخابرات السورية - الذي فرضت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عقوبات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان - في مكتب الصندوق المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة في دمشق. وفي شأن ذي صلة، أوضح المتحدث باسم الوكالة أن الأمم المتحدة لا تكشف عن معلومات شخصية عن الموظفين، مؤكدًا أن "جميع الموظفين يتم تعيينهم وفقًا لعمليات التوظيف الصارمة".

وبحسب الصحيفة؛ فقد أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن ابنة لوقا، عملت في صفوف اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السابق، رغم نفيها تعاملها مع ملفات حساسة للمعتقلين. وأظهرت الوثائق التي تم تسريبها في سنة 2016 أن الأمم المتحدة وظفت في السابق أقارب لمسؤولين رفيعي المستوى في النظام. وفي هذا السياق؛ أوضح أحد عمال الإغاثة المقيمين في الشرق الأوسط: "لا يمكنني إخبارك بعدد المرات التي دخل فيها مسؤول حكومي سوري إلى مكاتبنا وأجبرونا على توظيف مرشحيهم".

وأضافت أن ممارسات التوظيف تشير إلى أن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة قد توظف أقارب للموالين للنظام ضمن فرق عملها، والتي يقول الخبراء إن لها "تأثيرا مخيفا" على بعض الموظفين المحليين، كما توصلت الوكالات إلى حلول وسط مع النظام بشأن المسائل التشغيلية الأساسية. وتدفع الأمم المتحدة ملايين الدولارات - 11.5 مليون دولار في سنة 2021، أو 81.6 مليون دولار في المجموع منذ سنة 2014، وفقًا لبياناتها الخاصة - لموظفيها للإقامة في فندق فور سيزونز الذي يقع في دمشق، المملوك في الأغلب لرجل الأعمال سامر الفوز الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات في سنة 2019 بسبب علاقاته المالية مع الأسد.

ولفتت الصحيفة إلى أن النظام يمتص ملايين الدولارات من المساعدات الإنسانية من خلال إجبار وكالات المعونة الدولية على استخدام سعر صرف رسمي غير مناسب، في ظل تنامي شعبية الأسواق الموازية على نطاق أوسع. ويقول الخبراء إن الأموال التي تُجمع بهذه الطريقة تُستخدم لدعم الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي. ومنذ أن بدأت الليرة السورية في التراجع في 2019، قالت الأمم المتحدة إنها طالبت بتعزيز سعر صرف للمساعدات الدولية، والذي لم يوافق عليه إلا في ثلاث مناسبات.

ونوهت إلى أن تاريخ التعاون بين الحكومة السورية وجماعات الإغاثة يعود إلى بداية الحرب في البلاد في سنة 2011؛ حيث زادت الأمم المتحدة والوكالات الدولية من وجودها في البلاد، متوقعة سقوط الأسد. لكن قوات الأسد صمدت، واستعادت في نهاية المطاف السيطرة على معظم البلاد، بدعم عسكري من قبل روسيا وإيران. ومع ذلك، لم يتم إعادة التفاوض بشأن الامتيازات التي قدّمتها وكالات الإغاثة.

وتجدر الإشارة إلى أن مجموعات الإغاثة استجابت على مر السنين لمطالب النظام وضغطه المسلط عليها خوفًا من فقدان الوصول إلى المناطق المتضررة ومن أجل استمرار تدفق المساعدات الإنسانية. ويشير هذا إلى المعضلة الأخلاقية التي يواجهونها والتي أجبرتهم إما على الخضوع لقواعد الحكومة أو عرقلة جهودهم لمساعدة السوريين المحتاجين.

ونقلت الصحيفة عن مصادر سورية وعمال إغاثة وخبراء قولهم إن "هيئات الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة مطالبة بالشراكة مع الوكالات التابعة للحكومة على غرار الهلال الأحمر العربي السوري، الذي يديره مساعد الأسد، خالد حبوباتي، والأمانة السورية للتنمية، التي أسستها أسماء الأسد، زوجة الرئيس، والتي لا تزال تتمتع بنفوذ كبير على عملياتها".

وعلى الرغم من أن الهلال الأحمر العربي السوري يعتبر الشريك الرئيسي للأمم المتحدة في سوريا ويمتلك سلطة واسعة على المنظمات غير الحكومية الدولية، لكن ينبغي أن تحظى جهوده، مثل جميع برامج المساعدة في سوريا، بموافقة لجنة حكومية مع مدخلات من مختلف الوزارات وفروع المخابرات،  ناهيك عن موافقة إضافية من جهاز أمن الدولة، وهو ما يبين أن النظام يلعب دورًا كبيرًا في توجيه جهود المساعدة. في هذا الصدد، توضح مجموعات الإغاثة أن الحصول على هذه التصاريح يمثل عقبة كبيرة أمام عملهم.

وتابعت الصحيفة قائلة إن ما يقرب من ربع أكبر 100 جهة موردة مدرجة على أنهم يتلقون أموال مشتريات من الأمم المتحدة بين 2019-2021 كانوا شركات إما خاضعة لعقوبات من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة، أو مملوكة لأفراد خاضعين للعقوبات، وفقًا لتقرير شارك في تأليفه كرم شعار، وهو خبير اقتصادي سياسي في معهد الشرق الأوسط.

وخلص التقرير ذاته إلى أن إجراءات الشراء لوكالات الأمم المتحدة لا تتضمن معايير حقوق الإنسان، مما يجعلها عرضة لمخاطر من شأنها أن تضر بسمعتها وتورطها في تمويل الجهات المسيئة. من جانبها، أوضحت الأمم المتحدة أن "كيانات الأمم المتحدة في سوريا لا تتعاقد مع أي شركات أو أفراد مدرجين في قوائم العقوبات الدولية"؛ مشيرة إلى أن "ملكية الشركات من قبل الأفراد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان أو الجرائم الكبرى الأخرى تمثل سببًا للأمم المتحدة لاستبعاد بعض البائعين"، وشددت الأمم المتحدة على "تبنيها ممارسات أكثر صرامة منذ فترة، مؤكدة أنها أنهت بعض العقود".

وأكدت الصحيفة على أنه خلال 12 سنة من الصراع؛ وُزعت مليارات الدولارات من المساعدات عبر منظمات مثل الأمم المتحدة. في هذا السياق؛ وأشار عامل إغاثة سابق في دمشق إلى أن سيطرة النظام على قطاع المساعدات كانت بمثابة "سر مكشوف". والجدير بالذكر أن الناجين من الزلزال في مناطق شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها جماعات معارضة وتركيا، التي تدعم المعارضة، اضطروا إلى إخراج العائلات من تحت الأنقاض، نظرا لعدم وصول مساعدات دولية.

ووفقًا لتقارير منفصلة صادرة عن ناتاشا هول، الزميلة الأولى في برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، وهيومن رايتس ووتش؛ يُقيد نظام الأسد بشكل روتيني الوصول إلى المناطق المتضررة، ويحوِّل المساعدات إلى مجتمعاته، ناهيك عن مضايقته لمسار عمل موظفي المنظمات غير الحكومية.

وأوردت الصحيفة أن تدفق الأموال والمساعدات إلى سوريا منذ الزلزال، الذي أودى بحياة ما يقرب من 6 آلاف شخص في سوريا، وما يصل إلى 46 ألفا في تركيا المجاورة، أدى إلى زيادة المخاوف بشأن براعة النظام في استغلال نقاط ضعف شعبه لخدمة مصالحه. وأشار الخبراء إلى حالات لتقييد جهود الإغاثة أو عند نقاط التفتيش النظامية والقوافل المتوجهة إلى شمال غرب أو شمال شرق سوريا.

واختتمت الصحيفة التقرير، بما قالته إيما بيلز، الزميلة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، من أنها "تخشى أن تستغل دمشق الأضرار الناجمة عن الزلزال لهدم الممتلكات في المناطق المتنازع عليها ومصادرة أراضي الأشخاص الذين تعتبرهم معارضين"، وأكدت هول أن دمشق "نجحت مرة أخرى في تحويل اهتمام العالم بمعاناة شعبها إلى وسيلة لجني الأرباح".
التعليقات (0)