كتاب عربي 21

رسائل نتيجة انتخابات نقابة الصحفيين المصرية

ممدوح الولي
Arabi21-Brand-article1-final
Arabi21-Brand-article1-final
رغم حشد القيادات الصحفية في المؤسسات الصحفية الصحفيين العاملين بها لاختيار المرشح الحكومي بمنصب النقيب، وهي المؤسسات الأكثر عددا بالمقارنة بعدد الصحفيين العاملين بالصحف الخاصة والحزبية، وتعليمات رؤساء تحرير الصحف والمجلات الحكومية للعاملين فيها، للكتابة على مواقع التواصل الإجتماعى الخاصة بهم لتأييد المرشح الحكومي.. ورغم المزايا المادية للصحفيين التي أتى بها المرشح الحكومي وغير المسبوقة في كبر قيمتها، والتي بلغت تكلفتها مائة مليون جنيه، وحدد موعد صرفها بداية من الشهر المقبل، لتصبح قيمة الدعم الحكومي السنوي للنقابة 580 مليون جنيه حسب تصريح المرشح نفسه، فقد اختار الصحفيون المرشح المنافس الذي قدمه تيار اليسار، والذي لم يكن يملك أية وعود مالية، ولكنه ركز برنامجه على قضية الحريات التي تراجعت منذ النصف الثاني من عام 2013 وحتى الآن.

ويظل السؤال عن أسباب ما حدث، خاصة وأن مرشح الحكومة كان هو الفائز خلال الدورتين الأخيرتين، بما جلبه من زيادات مالية للصحفيين، وأول تلك الأسباب هو رفض الكثيرين للمرشح الحكومي سواء لأدائه السابق خلال عضويته في مجلس النقابة أو في اتحاد الصحفيين العرب أو في البرنامج التلفزيوني الذي يقدمه بجانب رئاسته لتحرير جريدة الأخبار، أو بسبب التحيز الصارخ له من قبل الصحف والقنوات الفضائية الحكومية والخاصة، وعدم استضافة المرشح المنافس كما جرت التقاليد الانتخابية طوال السنوات الماضية.

حتى أن قارئ الأهرام على سبيل المثال كان يمكن أن تمر عليه تلك الانتخابات، ولا يعرف اسم المرشح المنافس للمرشح الحكومي الذي تتابع الصحف جولاته ووعوده على مساحات جيدة، لولا مقال وحيد لأحد كُتاب الجريدة الذي أراد تعريف القارئ بأن هناك مرشحين رئيسيين في الانتخابات النقابية، بذكر اسم المرشح الآخر المجهول صحفيا وإعلاميا.

تسبب هذا في تعاطف الكثيرين مع هذا المرشح، خاصة أنه يعمل كرئيس تحرير لموقع الكتروني محجوب ضمن عشرات المواقع الإلكترونية المحجوبة منذ سنوات، ومن هنا فقد صوت الكثيرون له نكاية في مرشح الحكومة، الذي لم يجد إجماعا على شخصه داخل مؤسسة أخبار اليوم التي ينتمي إليها، خاصة عندما رأوا الوجبات الغذائية الوفيرة القادمة من أحد المطاعم التي يتم توزيعها على الناخبين رغم العُسر المالي للمؤسسة
التحيز الصالح جلب التعاطف

ولقد تسبب هذا في تعاطف الكثيرين مع هذا المرشح، خاصة أنه يعمل كرئيس تحرير لموقع الكتروني محجوب ضمن عشرات المواقع الإلكترونية المحجوبة منذ سنوات، ومن هنا فقد صوت الكثيرون له نكاية في مرشح الحكومة، الذي لم يجد إجماعا على شخصه داخل مؤسسة أخبار اليوم التي ينتمي إليها، خاصة عندما رأوا الوجبات الغذائية الوفيرة القادمة من أحد المطاعم التي يتم توزيعها على الناخبين رغم العُسر المالي للمؤسسة.

وكان وراء المرشح المنافس التيار اليساري صاحب الخبرة الانتخابية والقدرة على الحشد، والتشهير بالمرشح المنافس من خلال أحد مواقفه، مثلما فعلوا من قبل مع صلاح منتصر سنة 2003 بترويج زيارته لإسرائيل ومواقفه المؤيدة للتطبيع، فاستثمروا نقطة ضعف في الحياة الشخصية للمرشح الحكومي ووسعوا من ترويجها.

كما نشروا رسالة منه لرئيس مجلس إدارة أخبار اليوم يطلب فيها منع أحد العاملين من دخول المؤسسة، لأنه انتقد في كتاباته على صفحته الشخصية في مواقع التواصل قبل عامين، إلى جانب نشرهم أحد مطبوعاته الدعائية في انتخابات نقابية سابقة، ووعوده الموقوتة لتحقيق بعض مطالب الصحفيين التي لم يتحقق منها شيء.

ثير النجاح عدة رسائل؛ أبرزها أن الجسد الصحفي يُوهن ويمرض لكنه لا يموت، في نقابة نشأت عام 1941، أي بلغ عمرها 82 عاما شهدت خلالها كبوات مماثلة في عهود سابقة، وأن قضية الحريات ما زالت لدى القطاع الأكبر من الصحفيين أهم من الزيادات المالية رغم حالة الغلاء الفاحش التي يمر بها المصريون، ورغم اعتماد كثير من الصحفيين الذين تعطلت صحفهم منذ سنوات على البدل النقدي الذي تصرفه النقابة بشكل شهري لهم
وهكذا لعبوا على جانبي الرافضين لمرشح الحكومة خاصة ممن عملوا تحت قيادته أو ممن عملوا في النقابة، أو الموالين لقيادة صحفية حكومية كانت قد قررت الترشح لمنصب النقيب، وكذلك على غير المقتنعين بصلاحية كلا المرشحين، وهو قطاع كبير يشير إليه إبطال 174 صحفيا لأصواتهم لمقعد النقيب رغم عمليات الاستقطاب.

وجاء نجاح المرشح اليساري من الجولة الأولى وبلا إعادة، مثلما حدث من إعادة في انتخابات مرشح اليسار جلال عارف عام 2005، بنسبة 50.1 في المائة أي أنه حقق الأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة حسبما تنص المادة 38 من قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970، مقابل 45.2 في المائة لمرشح الحكومة وباقي النسبة لباقي المرشحين.

الجسد الصحفي يوهن لكن لا يموت

ويثير النجاح عدة رسائل؛ أبرزها أن الجسد الصحفي يُوهن ويمرض لكنه لا يموت، في نقابة نشأت عام 1941، أي بلغ عمرها 82 عاما شهدت خلالها كبوات مماثلة في عهود سابقة، وأن قضية الحريات ما زالت لدى القطاع الأكبر من الصحفيين أهم من الزيادات المالية رغم حالة الغلاء الفاحش التي يمر بها المصريون، ورغم اعتماد كثير من الصحفيين الذين تعطلت صحفهم منذ سنوات على البدل النقدي الذي تصرفه النقابة بشكل شهري لهم، ووعد المرشح الحكومي بزيادته بقيمة 600 جنيه شهريا ليصل إلى 3600 جنيه.

والرسالة الثانية للنظام الحاكم أنه عندما تكون هناك انتخابات حرة فسوف تظهر نتائج مختلفة عن مزاعمه من وجود رافد شعبي له، وأن النظام لا يحظى بحجم التأييد الشعبي الذي يتحدث عنه إعلاميا، حيث لم ينجح النظام في تكرار نموذج الرئيس عبد الناصر بكبت الحريات وتوفير الغذاء الرخيص، حيث كبت الحريات وأخفق في الحفاظ على استقرار الأسعار.

تعطي النتيجة رسالة مجتمعية بأن تلك النجاحات الصغيرة تفسح المجال لنجاحات أكثر على طريق التغيير، وأن التغيير قادم لا محالة مهما استمر البطش وتغييب الجمهور، حيث عاقب الصحفيون أيضا مرشحا حكوميا آخر تسبب في إغلاق مبنى النقابة طوال السنوات الماضية بحجة القيام بأعمال ترميم لواجهة المبنى؛ وكافأه النظام بتعيينه في مجلس الشيوخ ورئاسة تحرير إحدى المحلات الأسبوعية وعضوية مجلس إدارة مؤسسة صحفية كبرى
والميزة في انتخابات نقابة الصحفيين أن هناك مندوبين للمرشحين بكل لجنة انتخابية، وبعد انتهاء التصويت يتم نقل صناديق الاقتراع الشفافة إلى قاعة الفرز بمصاحبة المندوبين، حيث يلتف الصحفيون حول أماكن الفرز ليروا بأعينهم المكتوب ببطاقات التصويت، ويقومون بعملية احتساب نتائج كل لجنة، بالتوازي مع ما تقوم به لجنة الفرز القضائية.

وتعطي النتيجة رسالة مجتمعية بأن تلك النجاحات الصغيرة تفسح المجال لنجاحات أكثر على طريق التغيير، وأن التغيير قادم لا محالة مهما استمر البطش وتغييب الجمهور، حيث عاقب الصحفيون أيضا مرشحا حكوميا آخر تسبب في إغلاق مبنى النقابة طوال السنوات الماضية بحجة القيام بأعمال ترميم لواجهة المبنى؛ وكافأه النظام بتعيينه في مجلس الشيوخ ورئاسة تحرير إحدى المحلات الأسبوعية وعضوية مجلس إدارة مؤسسة صحفية كبرى.

أما عن التوقعات فيما بعد تلك النتيجة، فتشمل عودة الفعاليات الثقافية إلى قاعات النقابة، وبروز قضية الصحفيين المعتقلين على السطح، وإشراك أعضاء مجلس النقابة الثاني عشر في تولي مسؤولية لجان النشاط بها، بعد أن تم منع الأعضاء غير الحكوميين من تولي رئاسة أية لجان نشاط بالدورة الأخيرة، وبما يعيد الحيوية المفتقدة للنشاط النقابي.

كما يتوقع إجراء تغييرات بقيادات المؤسسات الصحفية، كعقاب لهم على إخفاقهم في مهمة إنجاح المرشح الحكومي، وربما الإفراج عن بعض الصحفيين المعتقلين، لامتصاص الغضب الصحفي الذي تبلور في موقفهم من المرشح الحكومي.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)