كتب

السي آي إيه الوجه القبيح للسياسة الأمريكية.. القوة والديمقراطية

كتاب يرصد توجهات السياسة الخارجية الأمريكية من مدخل أجهزتها الاستخباراتية في العالم
كتاب يرصد توجهات السياسة الخارجية الأمريكية من مدخل أجهزتها الاستخباراتية في العالم
الكتاب: "الكتاب الأسود لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (باللغة الفرنسية)"
Le livre noir de la CIA
الكاتب: Yvonick Denoël
الناشر:  دار العالم الجديد للنشر باريس 2021 ، Nouveau Monde éditions


منذ بداية الحرب الباردة، قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي.أي.إيه) الجهاز السرَّي للمخابرات الأمريكية بالإطاحة بما يربو عن خمسين حكومة أجنبية، كانت غالبيتها منتخبة ديمقراطياً، وتدخلت بأكثر من أسلوب؛ من بينها التأثيرات السياسية في الانتخابات.

ولعل أكبر الجرائم التي يجب التنويه بها من ضمن قائمة بعشرات الجرائم التي قامت بها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في حق الشعوب، هي تلك التي تمت بحق محمد مصدق في إيران، في عام 1953، وأحمد سوكارنو، في إندونيسيا في1965. ففي الأولى، أسقطت الولايات المتحدة تجربة ديمقراطية متكاملة؛ مثلها مثل تجربة سلفادور الليندي في تشيلي في عام 1973، الذي كررت معه واشنطن ذلك، بعد مصدق بعشرين عاماً، وكلاهما مع سوكارنو عوقبوا أمريكياً، بسبب سعيهم لامتلاك قرار بلادهم السياسي، وفي حالتي سوكارنو والليندي، كان الثمن مئات الآلاف من الضحايا؛ بعضهم لم يُعرف مصيرهم إلى الآن، بعد اختفائهم على أيدي الشرطة السرية التي ساعدت المخابرات المركزية الأمريكية في تأسيسها لدعم نظام سوهارتو بديل سوكارنو، ونظام بينوشيه بديل الليندي.

ضمن هذا السياق يأتي كتاب: "الكتاب الأسود للمخابرات الأمريكية" الذي صدر في يوليو / تموز 2021 في باريس عن دار "نوفو موند"، من تأليف المؤرخ  الفرنسي المتخصص في مجال الاستخبارات إيفونيك دينوال، حافلاً بالمعلومات حول جرائم وكالة المخابرات الأمريكية .

ومع أن الجرائم متنوعة فهو يجمعها في ثلاث: أولاها الاعتداء على حقوق الأشخاص سواء أكانوا أمريكيين أم أجانب (عبر وسائل متعددة وأسباب متعددة). والثانية تخص الدول والأمم الأجنبية، إذ خلال 60 سنة تدخلت الوكالة وغيرت المسار التاريخي في العديد من دول العالم. والمسألة الثالثة تتعلق بمبدأ المسؤولية التي تتعارض مع مبدأ الفعالية، وتتضمن هذه المسألة كل النتائح غير الإرادية، ولكن المُنْتَظَرة للحركات والعمليات السرية.

يورد الكاتب أنه في سنة 1947، حذر السفير الأمريكي في فرنسا جيفيرسون كافري حكومته من أن النفوذ السوفييتي يمكن أن يتمدد بفضل الحزب الشيوعي الفرنسي وقلعته النقابية المنيعة (CGT الكونفيدرالية العامة للعمل) وعبَّر السفير الأمريكي عن حزنه لأنّ المسؤولين النقابيين الذين يتصدون لسيطرة الشيوعيين على نقابة CGT ليسوا قادرين لأسباب مالية على تنظيم مجموعات معارضة فعّالة. وهكذا ففي سنة 1947، وحين دعا الشيوعيون الفرنسيون إلى إضرابات ضد مشروع مارشال الأمريكي، قامت وكالة الاستخبارات بهجومات مضادة سرِّية.

وهكذا "قامت، عن طريق الفيدرالية النقابية الأمريكية، بضخّ أموال للاشتراكي ليون جوهو Leon Jouhaux الذي قام بانشقاق، مع القوة العمالية Force ouvriere عن نقابة CGT التي كان يهيمن عليها حينها الحزب الشيوعي الفرنسي". ويعترف جورج ميني George Meany رئيس الفيدرالية النقابية الأمريكية في ما بعد كيف أنّه موّل انشقاق النقابة التي كانت خاضعة للتأثير الشيوعي: "دفعنا لهم أموالا، أتينا لهم بأموال من النقابات الأمريكية، ونظمنا مكاتبهم وبعثنا لهم بالمعدات". يبدو الأمر غريباً من كون الأمريكيين يمولون الاشتراكيين، ولكن المؤلف يرى أنَّه من بين القوى السياسية الثلاث التي كانت قوية آنذاك: الشيوعيون والديغوليون والاشتراكيون، كان الاشتراكيون الأقرب إلى الأميركيين.

السي آي إيه تحمي المجرمين النازيين

في 15 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من سنة 1949 أصدرت فرنسا طلبا لإيقاف كلاوس باربي Klaus Barbie، المتهم من قبل المحكمة العسكرية في مدينة ليون الفرنسية بـ"ارتكاب جرائم حرب". ولكن هذا الشخص ثبت أنه يشتغل مع فرع مستقل عن المخابرات الأمريكية على الرغم من ماضيه، وهو مكلف بالصراع السري ضد الشيوعيين تحت أوامر فرانك فيسنير، وهو فرع سيتم إدماجه سنة 1952 في إدارة عمليات وكالة الاستخبارات الأمريكية.

يقول الكاتب إنه من الصعب تصديق قيام الأمريكيين عشية الانتصار على النازية، أي سنة 1945، بتجنيد قدامى المجرمين النازيين. لكن المعادلة مع كل هذا بسيطة جدًّا وهي أن الأمريكيين انتصروا على النازيين بدعم من السوفييت، ويمكن لهم الآن هزيمة السوفييت بمساعدة من قبل قدامى النازيين. "من هو الأفضل من هؤلاء، الذين هم في غالب الأحيان لا وظيفة لهم ولا مصدر عيش، من يُراكِم تجارب مهنية صلبة عن المعلومات الاستخبارية ويُراكم أيضاً حقدا شرسا على الشيوعية"؟

ويرى الكاتب أنه في نظر كبار المسؤولين الأمريكيين الذين لا يتقنون اللغة الألمانية ويجهلون التاريخ الأوروبي، ولا يعرفون كيف يمكن التعامل مع الامبراطورية السوفييتية. صحيح أن الرئيس ترومان وضع سنة 1945 قواعد لهذا التعامل مع النازيين السابقين، إذْ إنَّه استثنى المتحزبين العاديين واكتفى بمقاطعة "مجرمي الحرب الكبار". وهو موقف ضبابي فيما يبدو من أول وهلة، ولكنه يسمح، وهنا مربط الفرس، بـ "تجنيد عدد كبير من العلماء والمهندسين الألمان لوضعهم في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية.

السي آي إيه تُطِيحُ بنظام مصدق في إيران

الكثير لا يعرفون أنَّ ثمة ثلاثة أشخاص تحمل أسماء روزفيلت Roosevelt وكيرميت Kermit والجد ثيودور Theodore وأيضاً العم فرانكلين Franklin، ولكن كيرميت يظل هو اللغز الوحيد، في هذه العائلة، والتاريخ ظلمه، ضمن من ظلم، على الرغم من أنَّه كان "الشخصية المفتاح في العلاقات ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط أثناء الحرب الباردة. الرجل المفتاح في وكالة الاستخبارات الأمريكية قبل أن يلتحق بالصناعة البترولية، وأصبح صديقاً حميماً لأمراء عرب، وأدار الأمور من وراء الستار في "اللعبة الكبرى" الشرق الأوسطية.

ولكن الإنجاز الأكبر لكيرميت يظل هو "ضربة معلم" في إيران سنة 1953.

يكتب المؤرح إيفونيك: "في بداية سنوات الخمسينيات بدأت الحركات القومية الإيرانية في البرلمان الإيراني تنتقد توزيع الريع النفطي، وانتهى الأمر بإعدام رئيس الوزراء الذي كان مواليا لبريطانيا سنة 1951 وحلّ مكانه الزعيم الوطني محمد مصدق الذي قام بتأميم شركة النفط الإيرانية البريطانية. لم يتأخر موقف البريطانيين الذين ذهب بهم الغضب إلى درجة محاولة زعزعة مصدق، وبدأوا حصارا على صادرات النفط الذي يمنع البلد من عائداته. هنا قام الشاه، وهو مُوال للغرب، بإقالة مصدق، ولكن البرلمان الإيراني أعاده على الفور".

السياق التاريخي لم يعُدْ يُساعد بريطانيا على القيام بحركة سياسية كبرى ضد الزعيم مصدق: "بريطانيا التي خرجت من الحرب الكونية الثانية منهوكة القوى، يديرها زعيم كاريزمي ولكنه عجوز، ونستون تشيرشل، كانت على وعي بأنها لم تعد تهيمن على الوضعية، وبالتالي طلبت تدخل الولايات المتحدة الأمريكية".

الظروف الأمريكية كانت ملائمة، حسب المؤرخ . فقد انتخب الأمريكيون رئيساً جديداً وهو إيزنهاور، الذي كان، على خلاف مع سابقه، متحمّسًا لحركة سرِّية، لقلب مصدق، الذي كان من أنصار سياسة عدم الانحياز، وإذن فهو متهم، في المنظور الأمريكي، بالتعاطف مع الشيوعيين. من هنا جاء مشروع أجاكسAjax ، الذي صاغته وكالة الاستخبارات الأمريكية، ويروم "قلبا شبه قانوني" لمصدق من خلال التحكم والسيطرة على الرأي العام الإيراني وعلى البرلمان. وحين سيصل التذمّر إلى نقطة اللاعودة يقوم الشاه بخلع رئيس الوزراء ويكون قراره مدعوما ومُقوّى من قبل إضرابات وتظاهرات شارع "تلقائية"، وحينها سيتم استبدال مصدق بجنرال مُوال للغرب.

ولكن الشاه لم يقبل على الفور وأظهر ترددًا واضحًا على الرغم من تطمينات المبعوث الأمريكي حينها وهو الجنرال نورمان شوارتزكوف Norman Schwartzkopf ( أبو الجنرال الذي كان رئيساً لأركان الجيش الأمريكي في حرب العراق الأولى 1991). الرغبة الأمريكية في الإطاحة بمصدق إذن كانت واضحة. ولكن يبدو أن تصرفات ومواقف مصدق عجّلت من تصميم الأمريكيين على الحسم. إذ إنَّه بدأ مفاوضات تجارية مع السوفييت لتعويض الحصار البريطاني. وهو "ما جعل منه حليفا للسوفييت في نظر الأمريكيين".

العملاء الإيرانيون لكيرميت روزفيلت طلبوا مبلغ 5 ملايين دولار لتنفيذ العملية. وعلى الرغم من شكوك مصدق في الأمر ،وعلى الرغم من هروب الشاه إلى إيطاليا، فإنَّ روزفيلت استطاع تجنيد وتحريك مضربين ومتظاهرين دُفِعَتْ لهم أموال كبيرة كما استطاع استمالة قطاعات واسعة من الجيش، وكانت أول مرَّة تختار فيها الولايات المتحدة، باسم محاربة الشيوعية وفي تناقض مع سياستها، بطريقة مباشرة وشبه مفتوحة، قلب حكومة شرعية في بلد أجنبي، مؤثرة على تاريخه بشكل جذري. لكنَّ العملية عادت بأهمية قصوى على الولايات المتحدة: إذ اعتبرت "نجاحاً كبيراً منح وكالة الاستخبارات الأمريكية مكانة المنظمة التي لا تقهر وأظهرت الرغبة في تجريب الأمر في مناطق أخرى ساخنة من الكرة الأرضية".

السي آي إيه تُعِيدُ استعمار الكونغو

الكونغو البلد الإفريقي الصاخب مصدر كل الأطماع، تعرض لكل الجرائم التي يمكن للاستعمار، أي استعمار، أن يقترفها في مسيرته الظافرة. وقد كتب السّير أرثير كونان دُويْل، وهو مؤلفّ كتاب هجائي غير معروف بشكل كبير، حول الجرائم والفظاعات التي اقترفتْ ما بين سنتي 1885 و1908 في "دولة الكونجو المستقلة"، المِلْكية الشخصية لملك بلجيكا والغنية بالثروات الطبيعية، ما يلي: "إن استغلال الكونجو هو أكبر جريمة ضد الإنسانية تمّ ارتكابها في تاريخ البشرية".

قبل أن يحصل هذا البلد على استقلاله سنة 1960 أزهقت أرواح الملايين من سكانه. وما إن حصل الاستقلال حتى بدأت مختلف الفصائل الوطنية في التناحر ومن بينها الحركة الوطنية الكونجولية التي كان يقودها الزعيم الراحل باتريس لومومبا. الكونجو بلد مُحاط بتسع دول وهو ما جعل منه مسرحا للحرب الباردة ما بين أمريكا والاتحاد السوفييتي. وفي هذه الفترة، أي سنة 1960 كان الأمريكيون متواجدين بل وسيستغلون مناجم الكوبالت (أي 75 في المائة من مؤونتهم) وأيضا الزنك والحديد والبوكسيت وهي معادن مهمة في ما يخص صناعتهم.

إن البلجيكيين ظلوا حاضرين على الرغم من استقلال البلد وذلك من خلال العديد من الشركات. "لقد حرصوا على ألا يفككوا استعمارهم وعلى ألاّ يُكوّنوا نُخَباً محلية قادرة على أخذ زمام الأمر، وهذا من أجل تأمين محافظتهم الفعلية على البلد".
لقد حاولت الحكومات المتعاقبة في أمريكا اغتيال أكثر من خمسين زعيماً أجنبياً، وأمطرت شعوب أكثر من ثلاثين بلداً بالقنابل، وحاولت أيضاً قمع حركات شعبية أو قومية في ثلاثين بلداً، ظل أهم الأهداف الجوهرية للسياسة الخارجية الأمريكية استدامة، هو الحيلولة دون صعود أي مجتمع قد يصبح مثالاً صالحاً لنموذج بديل، وكان هذا هو جوهر الحرب الباردة، هذا هو رصيد الولايات المتحدة من دعم الديمقراطية في العالم، ومن نافلة القول التأكيد على أن الباعث الرئيسي لهذه النوعية من التدخلات الأمريكية الفتاكة، هو حماية مصالحها المختلفة عبر العالم، وضمان عدم منازعتها زعامة العالم، والقضاء على أية دولة أو حكومة تحاول أن تغيّر من النظرة الأمريكية للسياسة العالمية.

بدأ الصراع ما بين القبائل يوم الثاني من يوليو/ تموز، وفي الأيام القليلة التي تلت، قام قسم من الجيش بالتمرد على الضباط البلجيكيين. فقامت بلجيكا القلقة على مصالحها من تفجر الوضع بالضغط على رئيس الوزراء لومومبا للسماح لها بالتدخل عسكريا لحماية رعاياها ومصالحها الاقتصادية، وكجواب قرّر لومومبا إقالة رئيس أركان الجيش. وفي الثامن من يوليو ساعد الذعر في العاصمة التي كانت تسمى آنذاك ليوبولدفيل Leopoldville، فاضطرت السفارتان الفرنسية والبريطانية إلى إجلاء رعاياهما. وقررت بلجيكا تجاوز موقف لومومبا وأرسلت قواتها في العاشر من نفس الشهر. وفي 11 تموز أعلن إقليم كاتانغا الغني استقلاله تحت حكم موويز تشومبي بإيعاز من بلجيكا.

أما الأمم المتحدة فقد طالبت البلجيكيين بالانسحاب. وقام رئيس الوزراء بزيارة إلى الولايات المتحدة كليا للتدخل لوقف التدخل البلجيكي، ولكن الاستقبال الأمريكي كان فاترًا خصوصا حينما هدَّد الأمركيين بطلب المساعدة من السوفييت إذا رفض الأمريكيون. ويرى المؤررح إيفونيك أنَّ ملف باتريس لومومبا كان قد حُسِم أمريكيّا. إذْ إنّ "ألين دالاس، رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية كان يرى أن باتريس لومومبا "اشتراه الشيوعيون"، في حين طالب الرئيس ايزنهاور بـ "عمل صارم" ضده.

وفي السادس والعشرين من أغسطس/ آب أعطى كولس الأمر لمجموعته في العاصمة ليوبولدفيل" بتخليص الكونجو من رئيس وزرائها الأول. تم التفكير في إطلاق مشروع تسميم رئيس الوزراء: تم إرسال الدكتور سيدني غوتلييب وهو خبير كيماوي من وكالة الاستخبارات الأمريكية، إلى الكونجو لإيصال فيروس خاص بإفريقيا الوسطى، موجه لباتريس لومومبا. لكن السمّ لن يستخدم لأن الطاقم الأمريكي الموجود في عين المكان ارتأى أنه توجد وسائل أخرى لتصفية الرجل.

وعثر ألان دالاس على الرجل القادر على الحلول محل لومومبا، وهو أحد مسؤولي الجيش: جوزيف موبوتو، "الرجل الوحيد في الكونغو القادر على إظهار نوع من الصرامة". موبوتو كان صحافيا سابقا يتحدث اللغة الفرنسية جيدا (وهو تفصيل مهم بالنسبة لوكالة الاستخبارات الأمريكية، إذ لم يكن يوجد من أعضائها من يتحدث اللغة المحلية)، وأصبح مع حكم لومومبا كولونيلا. ومن بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول بدأت الاستخبارات الأميركية تحول له الأموال: 250000 دولار وأسلحة. وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني خسر لومومبا السلطة بعد صراع سياسي مع الرئيس الكونجولي كازافابو وموبوتو. فالتجأ إلى حماية القوات الدولية ثم اعتقلته قوات موبوتو في الثاني من ديسمبر/ كانون الثاني، وفي 17 يناير/ كانون الأول تم إعدامه. وجرى تذويب جثمانه بالحامض.

يقول المؤرخ إيفونيك :إنَّه "من الناحية التقنية لا دخل لوكالة المخابرات الأمريكية في اغتياله، ولكنها هي التي سلمت موبوتو المعلومات التي أتاحت له اعتقاله. بعد يوم فقط من هذه المؤامرة أصبح جون فيتزجيرالد كينيدي الرئيس 53 للولايات المتحدة الأمريكية. وقام موبوتو بتغيير اسم الكونجو إلى الزائير سنة 1971 حيث أصبح البلد قاعدة مهمة لوكالة الاستخبارات الأمريكية، في حين تميّز موبوتو عن غيره من القادة باعتباره من أكثر الديكتاتوريين فسادا وأكثرهم دموية في القارة الإفريقية، إذْ إنه اختلس عدة مليارات من عائدات المناجم، كما قام بتصفية العديد من المعارضين. وكأن الأمريكيين عبروا عن بعض الندم من تعاملهم مع الرجل، إذ ها هو ألان دالاس يقول في حوار تلفزيوني: "إن الأميركيين بَالَغُوا في تقدير تورّط الروس في الكونغو".

ابن لادن وانقلاب السحر على الساحر

في سنة 1985 ـ 1986 استقر بن لادن في بيشاور، ومن هذه الساعة أصبح وجهًا معروفًا من طرف زعماء الحرب الأفغان، بسبب هباته وأيضا بسبب مساعدته على بناء المدارس الدينية. بدأ "الجهاد" في جذب متطوعين إسلاميين من كل المنطقة، هكذا وصل إلى بيشاور في نفس تلك الفترة، المصري أيمن الظواهري، الذي كان معتقلا في القاهرة بسبب مؤامرته ضد الرئيس السادات.

أهمية بن لادن تأتي من تصريحه بأنه مستعد لتحمل كل أعباء أيّ مجاهد عربي يأتي إلى أفغانستان، بل ووصل به الأمر إلى أنه فتح مراكز تجنيد في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في أريزونا. وهذه العلاقات الطبيعية بل والودية بين الأمريكيين وابن لادن، دفعتْ ميلت بيردين Milt Bearden ، رئيس قسم وكالة الاستخبارات الأمريكية في إسلام أباد إلى أن يرى الأمر بعين الرضى، لم يكن ابن لادن في هذه الأوقات يُنظر إليه على أنه مُعادٍ لأمريكا. حركته كانت تذكّر حركة اللواء الدولي للمتطوعين الذين قدّموا المساعدة للجمهوريين.

في هذا الإطار نفذ تنظيم "القاعدة" الذذي كان يتزعمه ابن لادين هجمات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن، وكان حجم الصدم قويًا في الولايات المتحدة  ، كيف تجرأ ابن لادن على إهانة الإمبراطورية وتوجيه ضربة لها! .

كانت حقاً صدمة أليمة للنظام العصبي السياسي، حيث يفترض القادة الأمريكيون أن سلطة الولايات المتحدة الأخلاقية مثل قوتها العسكرية؛ مطلقة ولا يمكن تحديها، لقد حاولت الحكومات المتعاقبة في أمريكا اغتيال أكثر من خمسين زعيماً أجنبياً، وأمطرت شعوب أكثر من ثلاثين بلداً بالقنابل، وحاولت أيضاً قمع حركات شعبية أو قومية في ثلاثين بلداً، ظل أهم الأهداف الجوهرية للسياسة الخارجية الأمريكية استدامة، هو الحيلولة دون صعود أي مجتمع قد يصبح مثالاً صالحاً لنموذج بديل، وكان هذا هو جوهر الحرب الباردة، هذا هو رصيد الولايات المتحدة من دعم الديمقراطية في العالم، ومن نافلة القول التأكيد على أن الباعث الرئيسي لهذه النوعية من التدخلات الأمريكية الفتاكة، هو حماية مصالحها المختلفة عبر العالم، وضمان عدم منازعتها زعامة العالم، والقضاء على أية دولة أو حكومة تحاول أن تغيّر من النظرة الأمريكية للسياسة العالمية.
التعليقات (1)
وكالة الإجرام و التخريب
الخميس، 02-03-2023 12:17 م
إنقلب السحر على الساحر؟!! وكالة الإجرام ليست ساحرا أبدا كل تخريب قامت به كان بحساب و دقةمتناهية لكن عملية 11 سبتمبر 2001 مكنتها من الحصول على جائزة نوبل في التخريب. بن لادن و مجرميه لا ناقة و لا إبن ناقة لهم فيه