كتب

مشكلاتنا الكبرى حلولها ممكنة وواقعية.. وهذا الدليل

غياب المساواة ليست ظاهرة جديدة، وهي نتاج ثانوي لا مفر منه للرأسمالية، لكنها مشكلة ذات حدين مما يضاعف من صعوبة التعامل معها.
غياب المساواة ليست ظاهرة جديدة، وهي نتاج ثانوي لا مفر منه للرأسمالية، لكنها مشكلة ذات حدين مما يضاعف من صعوبة التعامل معها.
الكتاب: "الإصلاح.. كيف تنجو الأمم وتزدهر في عالم يتداعى؟"
المؤلف: جوناثان تيبيرمان
المترجم: أشرف سليمان
الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- عالم المعرفة، 2022


يحكي كتاب جوناثان تيبيرمان، الصحفي ومدير التحرير لمجلة "الشؤون الخارجية"، عشر قصص نجاح لمجموعة من الدول على مستوى العالم، في مواجهة أكثر التحديات انتشارا، والتي تبدو مستعصية على الحل مثل الفقر، والتطرف، والعنصرية، والفساد، والهجرة، والركود الاقتصادي، حيث أثبت عدد من قادة هذه الدول الذين التقاهم تيبيرمان، وخلافا لما يشبه الإجماع العام، على أن ثمة حلول لهذه المشاكل وهي حلول واقعية يمكن تنفيذها.

ويصف تيبيرمان كتابه بأنه شهادة على قدرة الناس على تجاوز هذه التحديات، وأن الهدف منه أن يبين كيف يمكن للأفراد المناسبين التغلب على العقبات "الأكثر ترويعا" إذا اتبعوا الاستراتيجيات الصحيحة. ويقول إن إحدى الفرضيات الأساسية للكتاب هي أنه على الرغم من تباين تفاصيل جميع المشكلات التي تعصف بالعالم حاليا، فإنها تشترك في سبب أساسي هو فشل السياسيين في القيادة، وقد أقنعت إخفاقاتهم المتواصلة كثيرا من المحللين بأن هذه المشكلات لا يمكن حلها.

مشكلات لها حل

قبل أن يعرض قصص نجاح الزعماء الذين "فكروا خارج الصندوق" وتغلبوا على كل العقبات واستطاعوا استكشافها، يشرح  تيبيرمان مطولا كيف تؤثر مجموعة من المشكلات الكبيرة في حال مجتمعاتنا المعاصرة، وتسهم في تعقيد عمليات البناء والتطور فيها. مشكلات مثل التطرف، والفساد، والحروب الأهلية، والطاقة، وتوفر الموارد الطبيعية في بلدان هشة سياسيا.

وواحدة من أهم هذه المشكلات، كما يقول، غياب المساواة. وهي ليست ظاهرة جديدة، كما أنها نتاج ثانوي لا مفر منه للرأسمالية، لكنها مشكلة ذات حدين مما يضاعف من صعوبة التعامل معها. فهي نتيجة لبعض التحديات الأخرى، كما أنها سبب أو مساهم في العديد منها، فاللامساواة تعزز الفساد، وتديم الفقر، وتثير الاضطرابات الشعبية، وتزيد من كراهية الأجانب، وتقوض ثقة الناس بالديمقراطية والأسواق الحرة. لقد توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تتسع فجوة الثروة العالمية بنسبة 30% على مدار الخمسة عقود المقبلة.

يضيف تيبيرمان أنه ليس من العسير فهم حالة التوتر الحادثة في الولايات المتحدة، حيث يحصل 20% من السكان الآن على نصف إجمالي الدخل السنوي، ويملك ال10% الأكثر ثراء أكثر من ثلاثة أرباع ثروة البلاد. وقد يرى البعض أن الحل يكون بزيادة النمو الاقتصادي بيد أن هذه الاستراتيجية قد انهارت في الآونة الأخيرة. في الواقع أن الولايات المتحدة تعيش بالفعل انتعاشا اقتصاديا، وربما تكون البطالة قد انخفضت بشكل كبير، لكن الأجور أيضا انخفضت كثيرا لأن معظم المكاسب التي تحققت تسربت إلى رواتب المديرين التنفيذيين، وإلى أرباح الشركات، وسوق الأوراق المالية. هناك تفسيرات لانهيار الصلة بين النمو والمساواة تتراوح من العولمة إلى الأتمتة إلى الفساد إلى تحول الدول المتقدمة من التصنيع إلى الخدمات المالية، وهي صناعة تفيد بشكل غير متناسب القلة في القمة.

اللامساواة تعزز الفساد، وتديم الفقر، وتثير الاضطرابات الشعبية، وتزيد من كراهية الأجانب، وتقوض ثقة الناس بالديمقراطية والأسواق الحرة.
مشكلة أخرى كبرى تتمثل في الاستراتيجية المتوترة والمتشككة-لأسباب سياسية أو اقتصادية- التي تتعامل بها الدول مع الهجرة، سواء كانت الناجمة عن الحروب والكوارث الطبيعية أو تلك العادية التي يبحث أصحابها عن حياة أفضل لأنفسهم ولأطفالهم في أوطان جديدة. رغم أنه بإعادة النظر في هذه الهجرات يتبين أنها يمكن أن تحقق أرباحا مادية هائلة، فمعظم المهاجرين طموحون ويعملون بجد. وخلافا لما هو شائع، لا يسرق المهاجرون الوظائف أو يخفضون الأجور، كما أنهم لا يزيدون من الخروج على القانون، وذلك بحسب تقارير وإحصائيات بهذا الخصوص.

فضلا عن ذلك فإن معظم الديمقراطيات الصناعية المتقدمة تواجه معضلة أن مجتمعاتها تشيخ بسرعة، وما لم يجدوا طريقة فعالة لقبول أعداد كبيرة من الأجانب فإنها ستواجه انهيارا اقتصاديا. وتشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية إلى أنه للحفاظ على معدل نمو متواضع نسبته 3% خلال السنوات الخمسين المقبلة، ستحتاج الولايات المتحدة وأوروبا إلى استيعاب خمسين مليون مهاجر لكل منهما.

براغماتية ومبادئ

يفرد تيبيرمان معظم صفحات كتابه للحديث عن عشر تجارب ناجحة لقادة سياسيين تمكنوا من التغلب على عقبات وتحديات بدى أنه من المستحيل تجاوزها مثل لولا داسيلفا في البرازيل، وبيير ترودو في كندا، وكيم داي جونغ في كوريا الجنوبية، وبينيا نييتو في المكسيك، وبول كاجامي في رواندا، وسيرسي كاما في بوتسوانا، وغيرهم. يرى تيبيرمان أن ثمة مشتركات بين هؤلاء جميعا الطامحين إلى حل المشكلات، واحد منها هي قدرتهم على التخلص من القيود الأيديولوجية التي قد تحول بينهم وبين تبني حلول خارج سياقاتهم السياسية التاريخية، دون أن يعني ذلك أن هذه البراغماتية  دليل على افتقارهم إلى المبادىء، لكنهم يرفضون حين تكون المخاطر كبيرة السماح للأيديولوجيا بالوقوف أمام البحث عن حلول، وقد أفضى ذلك إلى أنهم خدموا مؤيديهم في بعض الأحيان بطرق غير متوقعة.

ويضيف أنه على الرغم من أن الأزمات غالبا ما تمنح القادة حريات غير عادية وسلطات استثنائية، فصناع السياسة الناجحين يتوخون الحذر دائما في كيفية استخدام سلطتهم، حيث تتطلب القيادة الفعالة إلى ضبط النفس في كثير من الأحوال، وليس الجرأة فقط.

يقول تيبيرمان أن لولا داسيلفا تولى منصب الرئاسة في البرازيل عام 2003 بعد أن اكتسب البراغماتية بطريقة صعبة. فقد أحبطت الأيديولوجيا الصرفة محاولاته الثلاث السابقة في اعتلاء المنصب. ورغم أن هذه الخسائر كانت مؤلمة فقد ضمنت له أخيرا عندما تولى السلطة أن يكون منفتحا، على نحو غير مسبوق، للاستيلاء على أفضل الأفكار من أي مكان سواء كان اليسار أم اليمين.

وقد مكنه ذلك من وضع واحد من أكثر البرامج الاجتماعية الطموحة والناجحة وهو "صندوق الأسرة"، ما كفل له في النهاية استقباله الحماسي ليس فقط بين أفقر مواطني البرازيل ولكن بين أغنى مواطنيها أيضا. لقد فهم داسيلفا أهمية الواقعية ووضعها موضع التنفيذ عند إنشاء الصندوق.

لقد قطع صندوق الأسرة خطوات كبيرة نحو هدف داسيلفا المتمثل في منع انتقال الفقر بين الأجيال، وذلك ، على سبيل المثال، من خلال المساعدة في زيادة معدلات التطعيم إلى 99% من السكان، وعن طريق خفض سوء التغذية بين الأطفال في المناطق الأكثر فقرا بنسبة 16%، كما انخفض عدد الوفيات الناجمة عن سوء التغذيةبنسبة 58%،
أحد أهم عوامل نجاح هذا البرنامج كان بساطته من خلال تقديم الدعم المالي المباشر للفقراء، عن طريق التحويلات الإلكترونية، ما أدى للقضاء على الوسطاء والبيروقراطيين الذين يقوضون فاعلية الإنفاق الاجتماعي في البرازيل، إما بتخصيصه على نحو غير فعال أو بسرقته على نحو مباشر. وقد أفضى ذلك إلى الحد من الفساد ومن سلطة الزعماء الإقليميين الذين استخدموا لفترة طويلة توزيع الفوائد الحكومية من أجل الحصول على سلطة شبه إقطاعية لأنفسهم.

عدا ذلك فقد ربط داسيلفا المعونات التي يقدمها الصندوق بشروط تجعل منه برنامج تنمية ، فالأسر المستحقة عليها الالتزام بإرسال أبنائها إلى المدارس، وبالحصول على التطعيمات اللازمة للأطفال، والمتابعة الصحية للأمهات والمرضعات، وغير ذلك من الشروط التي من شأنها تحسين شروط الحياة بشكل عام. ورافق ذلك آلية للمراقبة والمراجعة لضمان ذهاب الدعم لمستحقيه وللملتزمين بهذه الشروط.

لقد قطع صندوق الأسرة خطوات كبيرة نحو هدف داسيلفا المتمثل في منع انتقال الفقر بين الأجيال، وذلك على سبيل المثال، من خلال المساعدة في زيادة معدلات التطعيم إلى 99% من السكان، وعن طريق خفض سوء التغذية بين الأطفال في المناطق الأكثر فقرا بنسبة 16%، كما انخفض عدد الوفيات الناجمة عن سوء التغذيةبنسبة 58%، وفي الوقت نفسه انخفض عدد الأطفال الذين أجبروا على العمل بدلا من الذهاب إلى المدرسة بنسبة 14%.. لقد أثبت للجميع أنه ليس مجرد برنامج مساعدة يثقل كاهل الدولة، إنما خطة لمساعدة الفقراء على أن يكونوا جزءا فاعلا ومساهمين في نموه البلاد.

أما بول كاجامي الذي نجح في العام 2000 في القضاء على معظم المنخرطين في الحرب الأهلية في رواندا، وقد أصبح رئيسا للبلاد، فإنه لم يستخدم قوته المكتسبة حديثا لإخضاع الهوتو في رواندا للمعاملة الوحشية نفسها التي تعرض لها كاجامي وزملاؤه التوتسي في السنوات السابقة، وإنما كرس كل جهده في تعزيز المصالحة. ودفع شعبه من التوتسي لتقديم تضحيات مؤلمة إلى جانب الهوتو. كذلك فعل بيير ترودو عندما كادت كندا تستلم لتهديد الانفصاليين الكيبيكيين في أواخر الستينات من القرن الماضي.

كان من الممكن أن يستجيب ترودو بإعطاء الناطقين بالفرنسية (المضطهدين) كل ما يريدون، لكنه استجاب لأزمة الهوية من خلال اعتناق التعددية الثقافية. وهي سياسة، بحسب تيبيرمان، ربما حرمت الأنجلوفون الكنديين من سلطتهم التقليدية، ولكنها منعت أيضا الفرانكفونيين من أن يصبحوا هم أنفسهم المهيمنين. هؤلاء القادة أدركوا أن الإرضاء هو الوسيلة للإدارة الجيدة لا سيما عند محاولة حل النزاعات. وكان باستطاعتهم أن يستجيبوا للأزمة من خلال إرضاء ناخبيهم الأساسيين، بمنحهم كل ما يريدون. ولكن نظرا إلى أنهم كانوا يعلمون أن مثل هذه التكتيكات الرابحة لن تؤدي إلا إلى تعزيز الانقسامات التي كانت تدمر مجتمعاتهم، فقد اختاروا إرضاء جميع الناس بعض الوقت.

هذا يعني أنه لم تحصل أي مجموعة على كل ما تطلبه. ولكن نظرا لأن كل مجموعة حصلت على جزء مما تحتاج إليه فقد قُبلت الحلول الوسط على نحو واسع، وبدأت هذه البلدان أخيرا بتجاوز التفسخات التي سببت الكثير من المتاعب في الماضي.
التعليقات (1)
سياسه
الثلاثاء، 14-02-2023 11:44 ص
ان لكل مشكة حل، ان كان هناك حكم عادل . لكن للاسف من يمسك بالحكم هم هؤلاء السياسين ورؤسا ء الشركات الكبرى ينهبون الشعوب بكل الطرق المتاحة. والا كيف يستوعب انسان عاقل اذا ذكرت له ان الوزير الفلاني او المدير الفلاني افلست الدولة او الشركة على يده و بدلا من طرده و الحجز على ممتلكاته ومحاسبته .يتم مكافءته وتعويضه بالملايين بحجة فسخ العقد. والعجب ان هؤلاء المفلسين يصبحون وزراء ومدراء في اماكن اخرى. و قمة الصخرية والعجب يسبحون مستشارين لدى الشركات والدول. اذا عن ماذ وفي ماذ استشارتهم !!!!!!! عن ماذ يستشار بولسونارو او بوريس جونسن او سركوزي او بلير هؤلاء بعض من الدول الديمقراطية المتقدمه، ناهيك عن البلدان الاخرى........