مقالات مختارة

هل يتجه الموقف الفرنسي لإعادة تقييم العلاقات مع الجزائر والمغرب؟

بلال التليدي
تصريحات السفير الفرنسي السابق، كانت قاسية وربما تجاوزت حدود التوصيف والتقييم- جيتي
تصريحات السفير الفرنسي السابق، كانت قاسية وربما تجاوزت حدود التوصيف والتقييم- جيتي
خلال هذا الأسبوع خرج مسؤولان فرنسيان مختلفان في الدرجة للتعبير عن مواقف جديدة تجاه الجزائر. يخص الأمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أجرت معه صحيفة «لوبوان» الفرنسية حوارا أدلى فيه بمواقف حساسة تجاه الذاكرة، وأيضا غزافييه دريانكور، السفير الفرنسي السابق بالجزائر، والذي نشر بـ«لوفيغارو» الفرنسية مقالا عن الوضع السياسي بالجزائر وتأثيره على فرنسا.
يمكن أن نطرح ملاحظتين مشتركتين: تزامن التوقيت، أي صدور التصريحات في أسبوع واحد، ثم تصريف هذه التصريحات عبر الصحافة الفرنسية. ويمكن في المقابل أن نسجل، الاختلاف حول الموضوع، أي الحديث عن الوضع السياسي والاقتصادي الجزائري، مقابل الحديث عن الذاكرة وتأثيرها على مستقبل العلاقات الفرنسية الجزائرية.

ثمة ملاحظة أخرى جديرة التسجيل، تتعلق باختيار الصحيفة، فالسفير الفرنسي السابق اختار جريدة «لوفيغارو» الليبرالية المنفتحة، بينما اختار الرئيس الفرنسي جريدة «لوبوان» تمثل يمين الوسط، وتعبر عن المصالح الوطنية كما ترتسم في تقدير الدولة الفرنسية. لكن، من زاوية أخرى، من الضروري الأخذ بعين الاعتبار أن السفير الفرنسي السابق اختار أن يكتب مقاله في الجريدة نفسها التي أجرت حوارا مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في ديسمبر من السنة الماضية.

من حيث المضمون السياسي، تبدو هذه التصريحات متباينة، فالسفير الفرنسي السابق يكتب بنفس تحذيري للدبلوماسية الفرنسية، ويدعوها إلى إعادة تقييم الموقف، وإحداث مراجعة حقيقية في العلاقة مع الجزائر، وعدم مسايرة المقاربة التي بلورها الرئيس إيمانويل ماكرون غداة زيارته للجزائر، وإبرامه لشراكة استثنائية معها. فتصريحاته، تصور الوضع السياسي في الجزائر بشكل قاتم، وأنه على وشك الانفجار والانهيار، وأن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل سيمس حسب تقييمه المصالح الفرنسية، وسينتج عن الثقة في النظام السياسي الجزائري أن تجر فرنسا إلى أزمة قد تؤدي بها إلى سقوط الجمهورية الرابعة.

لا نريد التعليق على هذا التقييم الذي صدر من سفير تراكمت خبراته في الجزائر، ومارس مهمته بها لفترتين، وذلك بين عامي 2008 و2012 وأيضا بين 2017 و2020، لكن ما يهم هو التقاط إشارته، أي توجيه نقد للسياسة الخارجية الفرنسية، بسبب انبنائها على معطيات غير صحيحة أو تقييم غير واقعي بخصوص الوضع في الجزائر، فالرجل يريد من مقاله أن يحفز الدبلوماسية الفرنسية على إعادة تعريف مصالحها في المنطقة، وإعادة مراجعة سياستها ورهاناتها في الجزائر.

مضمون تصريحات الرئيس الفرنسي تبدو مختلفة، فهو يتحدث من داخل منطق الاستمرارية، أي ترتيب الشروط التي تجعل من الشراكة الاستثنائية التي أبرمت مع الجزائر في متم السنة الماضية ناجحة وفعالة. ولأن قضية الذاكرة تعتبر في التقدير الجزائري محددا أساسيا من محددات تطوير هذه الشراكة، فقد توجه الرئيس إيمانويل ماكرون إلى بسط وجهة نظره في الموضوع، وبيان السقف الذي يمكن أن يصل إليه فرنسا، ورفع الالتباس عن موقفها فرنسا الذاكرة، بعد أن روجت في وسائل الإعلام روايات كثيرة عن سقف المخرجات التي يمكن أن تصدر عن الحوارات الأكاديمية (التاريخ) والسياسية والدبلوماسية.

أول ما ينبغي ملاحظته في حوار الرئيس الفرنسي، هو حسمه الموقف بشأن قضية الاعتذار، وحديثه عن اعتذار وحيد ممكن يقدمه، هو لأبناء «الحركيين» بحجة أن فرنسا تخلت عنهم ولم تف بوعودها تجاههم، وأن الطلب الجزائري، الذي يستمسك بمفهوم تاريخي للذاكرة، لا يمكن الوفاء به، وأن السياسيين الفرنسيين وحتى الجزائريين السابقين، كانوا يدركون صعوبة وتعقيد هذا الملف، وأن ما قدمت فرنسا بهذا الخصوص في التفاعل مع ملف الذاكرة يمثل أقصى ما يمكن تقديمه.
ما تبقى من تفاصيل موقفه حول الذاكرة، يمكن تصنيفه ضمن محاولة تقديم مفهوم للذاكرة من وجهة نظر فرنسية، لا يتوقف عند حدود التاريخ، بل يأخذ ضمن الاعتبار أبعادا جديدة، تتعلق بمستويات التمازج والتداخل بين شعبي البلدين، وتتعلق أيضا بالنظر للمستقبل.

من زاوية رد الفعل الجزائري، مؤكد أن تصريحات السفير الفرنسي السابق، كانت قاسية، وربما تجاوزت حدود التوصيف والتقييم إلى محاولة سحب الشرعية عن النظام السياسي القائم في الجزائر، وربما تبرير الثورة أو الحراك الشعبي ضده، بحجة أنه لا يختلف في شيء عن نظام بوتفليقة السابق الذي قام الحراك الشعبي ضده، وأنه نظام عسكري بواجهة مدنية، وغير ذلك من التوصيفات التي أزعجت النخب السياسية والعسكرية في الجزائر.

لكن ما يقلل في التقدير الجزائري من أهمية هذه التصريحات، هي أنها صدرت من مسؤول دبلوماسي سابق، يوجد اليوم خارج الخدمة، وأن الأمر ربما لا يعدو أن يكون تصريفا لحسابات خالصة بين مسؤولين داخل الجهاز الدبلوماسي الفرنسي، وأن تركيزه على عدم صحة المعطيات التي تقدم إلى الخارجية الفرنسية بخصوص الجزائر، يستهدف بشكل خاص التمثيلية الدبلوماسية الفرنسية التي أعقبت تمثيليته في الجزائر.

قد يكون هذا التأويل ممكنا رغم ضعف حجته، لكن، بالنسبة إلى تصريحات الرئيس الفرنسي، فالأمر لا يقبل التأويل، خاصة وأنه أنهى الحوار حول ملف الذاكرة قبل أن توضع له الهياكل التنفيذية، وقبل أن تنطلق فعاليته الأكاديمية والعلمية، إذ لم يكتف بتسقيف الأفق الممكن لحله، بل قدم صياغة تقريبا نهائية لمفهوم الذاكرة، وصدم الجزائريين بالقول بأن مقاربة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بهذا الشأن تسير في نفس الاتجاه الذي ينحو نحو المستقبل، ولا ينشد إلى الماضي.

الصدمة، لا تكمن فقط في رفض تقديم الاعتذار، أو الادعاء بأن الاعتذار لا يصلح لشيء لبناء المستقبل، بل تتمثل في استفزاز الشعب الجزائري، بالحديث عن وجود اعتذار وحيد يمكن أن تقدمه الدولة الفرنسية، موجه لأبناء «الحركيين» لأن الجمهورية الفرنسية تعهدت بحمايتهم والترحيب بهم وخانت كلماتها عدة مرات.

تبدو المقارنة بين تصريحات السفير الفرنسي السابق والرئيس الفرنسي غير ذات محل، فالأول، يرى أن المستقبل في إعادة تقييم الموقف من التعامل مع النظام السياسي الجزائري، والثاني، يتحدث عن شروط تطوير الشراكة، والبناء عليها لتصل إلى أهدافها المرجوة.

لكن في الواقع، يطرح تزامن هذه التصريحات، سؤالا مهما حول المشترك بينها، وما إذا كانت خرجة السفير الفرنسي السابق خطوة ممهدة لتصريحات الرئيس الفرنسي، لا سيما وأن السفير السابق تحدث عن الأسلوب الناجع في التفاوض مع النظام الجزائري، وأنه يعتمد بدرجة أولى على ممارسة الضغط والقوة.

تقديري أن الزمن مهم لفهم تصريحات الرئيس الفرنسي، إذ لو سبقت هذه التصريحات زيارته إلى الجزائر لتعذر إجراؤها في ذلك التوقيت، ولبقي التوتر بين فرنسا والجزائر ممتدا لفترة أطول، وأن ما دعا الرئيس الفرنسي إلى إثارة هذه التصريحات المزعجة للنظام الجزائري اليوم، هو إعادة تقييم فرنسي للعلاقات مع كل من الجزائر والمغرب، وأن سياسة الانعطاف نحو الجزائر لابتزاز المغرب والضغط عليه للخضوع لرؤية فرنسا لتصحيح العلاقة مع الرباط فشلت بالكامل، وأن هدية إنهاء أزمة التأشيرات لم تحل المشكلة، ولذلك، تتجه فرنسا للعبة مقابلة، وهي خلق توتر مع الجزائر، يعينها في تليين موقف الرباط تجاهها، أو يساعدها في تحقيق تقدم في موقفها في قضية الصحراء ينهي حالة الجمود في العلاقات مع الرباط.

يبقى سؤال رد الفعل الجزائري مهما، لكن المعادلة صارت جد صعبة، والخيارات زادت تعقيدا، فتصعيد الموقف ضد فرنسا على خلفية تصريحات ماكرون سيكلف الجزائر إنهاء «المنجز» الذي تحقق في نهاية السنة الماضية، أي الشراكة الاستثنائية مع فرنسا، والدخول في عزلة كاملة، وتقديم هدية للرباط بدفع باريس إلى تسريع إعادة تقييم موقفها من الصحراء، وفي المقابل، فإن القبول بهذه التصريحات، وعدم التعليق عليها، يعني انتقاصا من شرعية النظام الحاكم، الذي رفع شعار «الذاكرة»، وجعله محددا من محددات التفاوض في تصحيح العلاقة مع فرنسا.

(عن صحيفة القدس العربي)
التعليقات (2)
ناقد لا حاقد الى غزاوي
السبت، 11-02-2023 11:50 م
يواصل غزاوي محاولاته البائسة الدفاع عن النظام العسكري الجزائري الذي لا يمثلني كجزائري و اعتبره فقط سلطة الامر الواقع اي القوة القاهرة فلا شرعية له لا مشروعية و لا حتى دستورية بل مجرد نظام قبيح قمعي عسكري مثله مثل انظمة عربية كثيرة إن لم تكون كلها تاريخ اجرامي كبير و سجل كبير و طويل من الفساد و المجازر ضد الشعب .... للتذكير لا يمكن لهذا المعق المطبل للرنجاز ان يحدثكم عن نزار الجزار الذي يعيش اليوم حرا طليق مثله مثل الجنرال محمد مدين المدعو توفيق بينما الاف الاحرار في السجون فقط بسبب أرائهم المعارضة و رفضهم لحكم العسكر
غزاوي
الجمعة، 13-01-2023 11:11 م
مجرد تساؤل. هل الجزائر في عجلة من أمرها !!!؟؟؟ المقال ركز على أربعة نقاط يريد من خلالها وضع الجزائر في موقف ضعف وحرج. "إما" و"إما". لكنه يجهل أو تجاهل أن للجزائر العديد من "إما". 1- مقال السفير الأمريكي: حاول الكاتب إعطاؤه أكثر من ما يستحق: وإثبات أنه لا يعكس الواقع نأخذه من مذكرات السفير نفسه "اللغز الجزائري"، التي قال فيها عن الجزائريين ما نصه: "أنا معجب بشجاعة الجزائريين ، وأنا معجب بلطفهم ، وأنا معجب بقتالهم، لقد أظهروا ذلك خلال سنوات طويلة من النضال ضد فرنسا. كما أنني معجب بإصرارهم ، والطريقة التي يجيدون بها حَنْي (تركيع) محاوريهم، ونحن منهم طبعا ...أن الجزائر بالنسبة للفرنسيين لا تقل أهمية عن ألمانيا من حيث التاريخ المشترك والشراكة الاقتصادية”. انتهى الاقتباس. 2- رفض الاعتذار: حاول الكاتب أن يصوره كالنقش على الصخر ليبقى أمد الدهر. فإن لم يعتذر ماكرون اليوم، فأعلموا يقينا أنه سيأتي مِن سلفه مَن يعتذر صاغرا للجزائريين. لأنه لسوء حظ الفرنسيين خصمهم جزائريون، لا يتنازلون عن مثقال ذرة من حقوقهم. لم يخضعوا يوما للمغتصب ولم يسمحوا له يوما برسم مستقبلهم. وإثباتا لذلك نأخذه من التاريخ: بعد 132 سنة من استعمار وحشي ومدمر حاول الفرنسيون ضم الجزائر ووصفوها بـ "الجزائر الفرنسية" فأجبروهم أحفاد عبد القادر على الإقرار أن " الجزائر جزائرية". وبتاريخ: 05/09/1960 أقر ديغول صاغرا بما نصه: « Il y’à une Algérie. Il y’à une entité algérienne. Il y’à une personnalité algérienne» فضلا أن ورقة الاعتذار لا تسقط بالتقادم وتبقى ورقة ضغط في يد الجزائر، كل مرة تذكر فيها فرنسا بماضيها الاستعماري البغيض. في مقال نشره في صحيفة “لوبوان” الفرنسية بتاريخ: 22/08/2022، تحت عنوان: " ريح باردة بين المغرب وفرنسا"، قال الطاهر بن جلون الكاتب المغربي ما نصه: "إن الجزائر لا تقدم تنازلات" انتهى الاقتباس. 3- الاعتذار للحركة: الكاتب حاول أن يصوره بأنه صدمة للجزائريين، بل هو عكس ذلك تماما. فاعتذار ماكرون للحركى يثبت صواب نظرة الجزائريين إليهم كونهم خونة خانوا دينهم ووطنهم وشعبهم. فضلا أن الجزائريين تبرؤوا منهم قبل استقلال بلادهم. وبالتالي فاعتذار ماكرون لهم يعتبرونه شأن فرنسي داخلي بحت، لا يعني الجزائريين في شيئ. 4- أسلوب التفاوض مع الجزائر: لإثبات أن الجزائر لا تخضع لا لإملاءات ولا لضغوطات، وأنها ليست جمهورية أو مملكة موز يحكمها عرائس قراقوز وأن لها العديد من "إما" كما سبق وأن ذكرنا. فقد سبق لماكرون أن ذاق مرارة ردها عندما حاول إهانتها، فأغلقت الأجواء في وجه طائراته،واستقبلوه الجزائريون في وهران بما يليق به. وأسألوا محمد السادس وسانشيز اللذين أصبحا يتوسلان الصفح منها ويتسولان ودها أمام بابها. في مقال نقلته "القدس العربي" يوم 07/01/2023 عن جريدة "لوموند" الفرنسية، تحت عنوان:" لعبة التوازن الحساسة لفرنسا في المنطقة المغاربية "، جاء فيه ما نصه: " الجزائر عاقبت إسبانيا بقسوة بسبب دعمها للأطروحات المغربية...بالنسبة لباريس، لا يفتقر الجزائريون إلى الرافعات للضغط على عدد معين من القضايا: مصالحة الذاكرة المتعلقة بالحرب الجزائرية، وإمدادات الغاز (الثمين في سياق الحرب في أوكرانيا)، أو التعاون الأمني في الساحل " انتهى الاقتباس. في حوار نشرته جريدة " algeriepatriotique" الجزائرية يوم:25/08/2022، قال جاكوب كوهين عن زيارة ماكرون للجزائر ما نصه: "Il (Macron) vient donc en demandeur et devra donner des gages qui iront dans l’intérêt de l’Algérie. Cela n’est pas dans sa nature, mais il devra faire preuve d’humilité." قال إمامها عبد الحميد بن باديس: من كَـان يَبغـي وَدَّنَــا ***فَعلى الكَــرَامَــةِ وَالـرّحبْ /أو كَــانَ يَبْغـي ذُلـنـا *** فَلهُ الـمـَهَـانَـةُ والـحَـرَبْ/ هذا نِـظـامُ حَـيَـاتِـنَـا ***بالـنُّـورِ خُــطَّ وَبِاللَّـهَـبْ/ حتى يَعودَ لـقَــومــنَـا ***من مَجِــدِهم مَــا قَدْ ذَهَبْ.