مقابلات

برلماني لبناني: أزمتنا "سياسية بامتياز".. والبعض يراهن على مستجدات خارجية

قال إن البعض يوحي بوجود أزمة دستورية في البلاد- عربي21
قال إن البعض يوحي بوجود أزمة دستورية في البلاد- عربي21
قال النائب في البرلمان اللبناني ورئيس "تيار الكرامة"، فيصل كرامي، إن جوهر الأزمة الحقيقي في بلاده "سياسي بامتياز، رغم محاولات بعض الأطراف الإيحاء بوجود أزمة دستورية؛ فالدستور اللبناني واضح في حين أن الانقسام الداخلي في لبنان هو انقسام سياسي يؤدي إلى صراعات تعرقل انتظام الحياة الدستورية".

وأكد، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "بعض الأطراف المحلية في لبنان تراهن على مستجدات خارجية، إقليمية ودولية، وبالتالي فإنها لا تسعى جديا إلى الائتلاف البرلماني التوافقي والحتمي دستوريا في إنتاج رئيس للجمهورية وحكومة جديدة؛ فتلك الأطراف تراهن أن التدخلات الخارجية من شأنها أن ترمم موازين القوى الداخلية وتحقق لها مكاسب أكبر".

ورأى كرامي أنه "من المبكر جدا التحدث عن المرشح الأقرب للفوز بالمنصب الرئاسي؛ فالأمور في لبنان تتبدل وتتغير بين يوم وآخر، والأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية تملك الجدارة لتبوؤ هذا المنصب".

وكرامي هو سياسي لبناني بارز، وعضو مجلس النواب منذ 6 أيار/ مايو 2018. شغل منصب وزير الشباب والرياضة في حكومة نجيب ميقاتي الثانية، وهو نجل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق عمر كرامي، وابن شقيق رئيس الوزراء رشيد كرامي، وحفيد عبد الحميد كرامي أحد رجال الاستقلال اللبناني.

وفي 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلن المجلس الدستوري اللبناني عن فوز كرامي -الذي يصفه البعض بأنه أحد أبرز حلفاء "حزب الله" في الشمال- بالمقعد السّني في طرابلس، بعدما تم إبطال نيابة المرشح رامي فنج، وذلك في أعقاب البتّ بالطعون الانتخابية التي بلغ مجموعها 15 طعنا.

اظهار أخبار متعلقة


ومنذ حزيران/ يونيو الماضي، فقد حالت الخلافات السياسية في لبنان دون تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي بعدما كلفه البرلمان مُجدّدا بالمهمة عقب استقالة حكومته إبان انتخابات برلمانية في أيار/ مايو الماضي.

وأخفق نواب البرلمان منذ أيلول/ سبتمبر الماضي في انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، رغم عقد 10 جلسات برلمانية لهذا الغرض.

ويبحث لبنان عن حلول للخروج من نفق أزماته المالية والاقتصادية والنقدية، منها طرق باب صندوق النقد الدولي للحصول على قرض مالي، وإمكانية تعويم العملة المحلية.

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":


كيف تقرأ واقع الأزمة الراهنة في لبنان؟ وهل تعتبر أزمة غير مسبوقة في ظل انقسام البرلمان، وعدم وجود رئيس للبلاد، وبقاء حكومة تصريف أعمال محدودة السلطات؟


جوهر الأزمة الحقيقي في لبنان سياسي بامتياز، رغم محاولات بعض الأطراف الإيحاء بوجود أزمة دستورية؛ فالدستور اللبناني واضح في حين أن الانقسام الداخلي في لبنان هو انقسام سياسي يؤدي إلى صراعات تعرقل انتظام الحياة الدستورية، وأبرزها الاستحقاقات الدستورية الأساسية التي تتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية أو بتشكيل حكومة فاعلة.

وليس صحيحا أن الأزمة التي نعيشها حاليا غير مسبوقة؛ فللأسف سبق أن مررنا بأزمة مشابهة قبيل انتخاب الرئيس ميشال سليمان، وكذلك قبيل انتخاب الرئيس ميشال عون. أما الانقسام في البرلمان فهو أمر طبيعي؛ إذ أن البرلمان مؤلف من تكتلات سياسية وحزبية متنوعة، لكن ما هو غير طبيعي عجز اللبنانيين عن تكوين ائتلاف سياسي وحزبي برلماني لإعادة تشكيل السلطة على مستوى رئاسة الجمهورية كما على المستوى الحكومي. هذا الائتلاف هو ما نُطلق عليه اسم "التوافق".

وما الأسباب الحقيقية التي تحول دون التوافق على رئيس جديد للجمهورية؟


من الواضح أن بعض الأطراف المحلية في لبنان تراهن على مستجدات خارجية، إقليمية ودولية، وبالتالي فإنها لا تسعى جديا إلى الائتلاف البرلماني التوافقي والحتمي دستوريا في إنتاج رئيس للجمهورية وحكومة جديدة. أنا لست من القائلين بلغة اتهامية أن هذه الأطراف تمنع إتمام الاستحقاقات الدستورية، وأولها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بل أقول إنها لا تزال في مرحلة المكابرة بانتظار تدخلات خارجية؛ فتلك الأطراف تراهن أن هذه التدخلات من شأنها أن ترمم موازين القوى الداخلية وتحقق لها مكاسب أكبر.

السياسي اللبناني والبرلماني السابق، فارس سعيد، حمّل، في مقابلة سابقة مع "عربي21"، حزب الله و"التيار الوطني الحر" المسؤولية الكاملة عن الشغور الرئاسي، مؤكدا أن "إيران تضع ملف رئاسة لبنان كورقة تفاوض مع الجانب الأمريكي".. ما تعقيبكم؟


لدي تعقيبان، الأول أن الخطاب الاتهامي الذي يُحمّل المسؤوليات لطرف يعتبره خصما في السياسة هو "خطاب خطير" يقود إلى تكريس انقسامات جذرية في التكوين اللبناني، وأرى أنه قد آن الأوان لكي نتجنب مثل هذا الخطاب، خصوصا وأن الشغور الرئاسي يتحمل مسؤوليته البرلمان اللبناني بكامل أعضائه وبكامل كتله الحزبية المختلفة.

التعقيب الثاني، أقول ببساطة إنني لا أعرف فعليا جدول المفاوضات بين أمريكا وإيران، ولكن بغض النظر عما إذا كان لبنان ورقة تفاوضية بينهما أو لم يكن، فإن اتفاق اللبنانيين على التوافق كوسيلة دستورية لا بديل عنها للخروج من الشغور الرئاسي من شأنه أن يلغي هذه الورقة التفاوضية في حال وجودها بين إيران وأمريكا.

ما الذي وصلت إليه الاتصالات الدولية والعربية الجارية في الشأن الرئاسي اللبناني؟ وهل قمة بغداد الثانية ناقشت هذا الملف أم لا؟


ليست لديّ معلومات دقيقة حول الاتصالات الدولية والعربية المتعلقة بالملف الرئاسي اللبناني، وحسب علمي فإن هذا الملف لم يكن بندا رئيسيا في قمة بغداد، وقد جرى الحديث فيه على هامش القمة. المهم أننا نرحب بأي مساعدة من الأشقاء العرب أو من الدول الصديقة لتذليل العقبات والخلافات بين اللبنانيين، ولكن نحن من المؤمنين بأنه ينبغي على اللبنانيين أن يبادروا لإنتاج الحل التوافقي المطلوب، وهم سيحصلون حتما على دعم عربي ودولي لتوافقهم.

هناك معلومات متداولة تشير إلى أن فرنسا وقطر تعملان على تليين موقفي السعودية وإيران في ما يتعلق بالملف اللبناني.. ما مدى دقة تلك المعلومات؟


من الواضح أن فرنسا مهتمة بالوضع اللبناني، كما من الواضح أن قطر تبذل جهودا في هذا الصدد، ونحن نرحب بالاهتمام الفرنسي وبالجهد القطري. ولكن أعود وأقول إن التوافق اللبناني الداخلي هو الحل المثالي ولن يجد اللبنانيون سوى الدعم والتشجيع سواء من المملكة العربية السعودية أو من الجمهورية الإسلامية في إيران، خاصة أن الملفات المطروحة للبحث بين السعودية وإيران لا يُشكّل لبنان، والشق المتعلق تحديدا بالموضوع الرئاسي، سوى جزءا بسيطا منها، وبالتالي فإن تحميل السعودية وإيران مسؤولية الشغور الرئاسي هو ظلم ومبالغة في غير محلهما.

برأيكم، كيف سيكون شكل التسوية الرئاسية المقبلة؟


أنا لا أحب ولا أميل إلى مصطلح تسوية، وأشدّد بدلا منه على مصطلح "التوافق"، خصوصا أن التوافق هو ترجمة لروح الدستور، أما التسوية فتعكس لدى اللبنانيين نفورا من المحاصصات والصفقات. شكل التوافق المقبل هو حتما الشكل المناسب دستوريا أي الذي يؤمّن 86 نائبا هم نصاب الثلثين لإتمام جلسة انتخاب رئيس للجمهورية.

مَن المرشح الأقرب للفوز بالمنصب الرئاسي؟


من المبكر جدا التحدث عن المرشح الأقرب للفوز؛ فالأمور في لبنان تتبدل وتتغير بين يوم وآخر، والأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية تملك الجدارة لتبوء هذا المنصب.

كيف استقبلتم الحكم القضائي بعودتكم للبرلمان؟ وهل البرلمان الحالي يختلف عن البرلمانات الأخرى التي شهدها لبنان؟


قرار المجلس الدستوري بإعادة موقعي النيابي المسلوب إليّ هو قرار حقّق الفوز لي وللمجلس الدستوري وللناخب الطرابلسي، واكتفي بالقول إن الحق رجع إلى اصحابه. أما بالنسبة للبرلمان الحالي فهو يعكس التنوع السياسي والحزبي على مستوى كل لبنان وكل الطوائف تقريبا.

قبل نحو شهر، احتفل اللبنانيون بعيد الاستقلال التاسع والسبعين.. فإلى أي مدى حقّق لبنان استقلاله الكامل داخليا وخارجيا؟ وهل كان إعلان الاستقلال حبرا على ورق، كما يقول البعض؟


لم يكن استقلال لبنان يوما حبرا على ورق، بل هو استقلال نوعي واستثنائي وله خصوصية فريدة ليس فقط على المستوى العربي، بل على المستوى العالمي أيضا. إن لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي اجتمعت مكوناته الطائفية والثقافية وحتى العرقية على أن تكون ضمن نسيج اجتماعي واحد قائم على ميثاق الشراكة في دولة موحّدة. ورغم كل الصعوبات التي واجهتها الصيغة اللبنانية، إلا أنها صمدت، وستبقى صامدة، وسيبقى لبنان بعد 79 سنة دولة سيدة مستقلة عربية.

أما الحديث عن استقلال أي دولة على المستوى الداخلي والخارجي في ظل هذا التشابك القائم بين كل دول العالم وفق الحتميات الجيوسياسية والجيواقتصادية فهو حديث نظري جدا، والمهم هو حفاظ كل دولة وكل مجتمع على خياراته السيادية وثرواته وتراثه الثقافي والاجتماعي.

الأمين العام السابق للجماعة الإسلامية في لبنان، عزام الأيوبي، قال لـ"عربي21"، إنهم يرصدون "حراكا شعبيا سنّيا واسعا يرفض تراجع حضور وتأثير القوى السنّية في المشهد، ويتطلع إلى إعادة الدور الطليعي الذي لطالما مارسه سنّة لبنان في بناء الدولة والمحافظة عليها".. فهل تعتقد أن القوى السنّية ستعود لصدارة المشهد اللبناني بالفعل؟


بصراحة أنا لا أرى أي حراك شعبي له خصوصية سنية، وبصراحة أكثر أنا لا أرى أي تراجع في الدور الطليعي الذي مارسه سنّة لبنان في بناء الدولة. أكرر هنا ما أقوله دائما وهو أن لبنان يتألف من مكونات هي في مجملها أقليات طائفية ومذهبية باستثناء الطائفة السنّية التي لا يمكن تصنيفها ضمن الأقليات، وهو ما يجعلها الطائفة الجامعة والعمود الأساسي في البنيان اللبناني. لا خوف على السنّة في لبنان، ولا خوف على دور السنّة في لبنان، وأقول صراحة أنه لا خوف على لبنان لطالما السنّة أقوياء، وهم أقوياء بالفعل.

ما موقفكم من التحالف مع حزب الله؟


علاقتنا مع حزب الله قائمة حصرا على تأييده في صراعه مع العدو الصهيوني لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، ولردع أي عدوان إسرائيلي على لبنان، أما بالنسبة إلى السياسات الداخلية فهناك ملفات نتفق عليها وملفات أخرى نختلف عليها، وهو أمر طبيعي وصحي وفق طبيعة الديمقراطية اللبنانية.

هل يمكن اختفاء التقسيمات الطائفية والمذهبية في الحكم بلبنان يوما ما؟ وكيف ذلك؟


اتفاق الطائف وضع برنامجا وجداول زمنية مُحددة وواضحة لإعادة تنظيم البنية الطائفية في لبنان عبر إلغاء الطائفية السياسية، وتحرير البرلمان اللبناني من القيد الطائفي، وإنشاء مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف والمذاهب، وبالتالي فإن كل شيء ممكن والبداية تكون بالتطبيق الفعلي لاتفاق الطائف، وبالإيمان بأن الحوار بين اللبنانيين هو المدخل الوحيد والوسيلة الوحيدة لتحقيق أي تغيير في البلاد.

أخيرا، هل ترون أملا في حدوث تحسن الأوضاع مستقبلا؟


وهل يمكن للإنسان أن يعيش بلا أمل؟، بالطبع هناك أمل، وهو أمل كبير جدا بأن يتمكن اللبنانيون من استعادة الوطن والدولة والدور والموقع، وأن يواكبوا تطلعات الأجيال الجديدة في بناء الدولة العصرية التي تحتضن أبناءها.
التعليقات (1)
أحمد القاضي
الخميس، 29-12-2022 09:17 ص
هل تحدثنا تفاصيل عميلة الطعن التي قام بتنفيذها المجلس الدستوري و التي حولت سقوطك في الانتخابات النيابية إلى ناجح و يدخل البرلمان اللبناني. مشكلتنا في لبنان هي وجود طبقة سياسيين أوليغارخيين يرعون الانقسام الطائفي من خلال دستور طائفي خاطىء و نفوذ عائلات تعتمد على المرجعيات الدينية في اكتساب شرعية وجودها و احتكارها لمصادر الثروات في البلاد منذ نشأة هذا الكيان المصطنع و ما زاد في تعقيد المشكلة دخول طبقة سياسية جديدة جل افرادها من امراء الحرب الغير مؤهلين لقيادة البلاد و كما قال ماكرون عنكم جميعا، كل هذه الطبقة السياسية يجب تغييرها لانهم نهبوا المال العام. ليست المشكلة دستورية بل صراع افراد الطبقة السياسية على اقتسام نهب ما تبقى من ثروات لبنان و محاولة قيادة حزب غير لبناني الإبقاء على سلاحه بذريعة باتت غير واقعية عقب إتفاقية الحدود البحرية مع دولة إسرائيل "الغاصبة" و إعطاءها شرعية وجودية بعد ان هدم لبنان فوق رؤوس ساكنيه تحت ذريعة المقاومة. أنت لم تنجح في الانتخابات النيابية و لكن، الحق يقال، الانقسامات الداخلية و طائفية الشعب اللبناني هي من تسبب في كل الكوارث. لا أزال اذكر ما تعلمته في كتب التاريخ على مقاعد الدراسة عن تاريخ لبنان الذي تبين لاحقا ان كل شيء هو تزوير لحقيقة هذا الكيان المصطنع.