مقابلات

سياسي لبناني لـ"عربي21": الفراغ الرئاسي سيستمر لأشهر (شاهد)

سعيد: التجربة تبرهن أن انتخاب الرئاسة في لبنان يحصل من الخارج
سعيد: التجربة تبرهن أن انتخاب الرئاسة في لبنان يحصل من الخارج
توقع السياسي اللبناني البارز والنائب السابق في البرلمان، الدكتور فارس سعيد، أن يستمر "الفراغ الرئاسي" الذي يشهده لبنان لأشهر طويلة قادمة، مُحمّلا حزب الله و"التيار الوطني الحر" المسؤولية الكاملة عن هذا الشغور.

ورأى سعيد، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "الرئيس القادم في لبنان سيأتي من خلال مساحة مشتركة بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة، وبالتنسيق مع دوائر القرار العربية وبالتحديد السعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى".

وقال: "التجربة تبرهن أن انتخاب الرئاسة في لبنان يحصل من الخارج باتجاه الداخل وليس العكس"، مؤكدا أن "إيران لا تطالب فقط بحوار إقليمي مع الخليج والعرب، وإنما بحوار مع الولايات المتحدة، وتضع ملف رئاسة لبنان كورقة تفاوض مع الجانب الأمريكي، وحتى هذه اللحظة فإن هذا التفاوض لم تحن ساعته بعد من الجانب الأمريكي".

وحذّر سعيد، وهو المنسق العام السابق لقوى الرابع عشر من آذار، من خطورة تداعيات استمرار "الفراغ الرئاسي" في البلاد، قائلا: "عندما تنهار ضمانة الدولة يبحث اللبنانيون عن ضمانات رديفة، فتراهم يذهبون إلى مربعاتهم الطائفية، وعندئذ تدخل الطوائف في نوع من أنواع الحرب الباردة بين بعضها البعض".

والخميس الماضي، فشل البرلمان اللبناني للمرة العاشرة منذ أيلول/ سبتمبر في انتخاب رئيس للجمهورية خلفًا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم في آخر جلسة لعام 2022.

وبحسب المادة 49 من الدستور، فإن رئيس البلاد يُنتخب في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين (86 نائبا)، ويُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات التالية.

وولاية الرئيس اللبناني تدوم فترة 6 سنوات غير قابلة للتجديد، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد مرور 6 سنوات على انتهاء ولايته الأولى.



وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

لماذا فشل مجلس النواب على مدى 10 جلسات برلمانية في انتخاب رئيس حتى الآن؟

لقد أثبتت التجربة في لبنان كما في العراق أن وضع صناديق الاقتراع في مواجهة السلاح هي تجربة فاشلة، بمعنى أن السلاح يلغي التجربة الديمقراطية.

في لبنان أجريت انتخابات في أعوام 2005 و2009 و2018 و2022، وفي كل تلك المراحل لم يتسنّ لأعضاء هذه المجالس تغيير الأوضاع من خلال صناديق الاقتراع أو من خلال ممارسة الديمقراطية وفقا للدستور اللبناني، كما لم يتم التغيير بالاغتيالات أو باحتجاز الأصوات داخل المؤسسات أو بالترهيب.. وإنما كان السلاح أقوى من التجربة الديمقراطية.

خلال المرحلة الحالية يمسك حزب الله بزمام الأمور داخل مجلس النواب، أولا عن طريق الرئيس نبيه بري، وثانيا من خلال تحالفاته الداخلية؛ فهو يقود كتلة نيابية وازنة قادرة على عدم تأمين النصاب من أجل انتخاب رئيس، ليتبين يوما بعد يوم أن انتخاب الرئيس ليس استحقاقا داخليا في لبنان، وإنما يستخدمه الجانب الإيراني من خلال حزب الله كورقة ضغط لتسوية الأوضاع بينه وبين الغرب، وبينه وبين دوائر الدول العربية من أجل تحرير منصب رئاسة الجمهورية من القيود التي يمارسونه عليه داخل مجلس النواب.

ونحن نؤكد تماما أن الذي يُعطّل انتخاب الرئيس المسيحي للبلاد هو حزب الله بإدارة وتوجيه إيران، ويشاركه في هذا الأمر "التيار الوطني الحر" الذي هو تيار مسيحي بزعامة جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية السابق ميشال عون)، وهذا الفريق بنفس الوقت يعترض على رئيس الحكومة إذا جمع حكومته من أجل تسيير شؤون الناس.

بعض مسؤولي حزب الله يقولون إنهم يرفضون وجود أي رئيس "يطعن المقاومة" في ظهرها.. ما تعقيبكم على ذلك؟

مَن ينظم العلاقات اللبنانية- اللبنانية ليس حزب الله، وإنما الدستور اللبناني، والمطلوب هو انتخاب رئيس يحافظ على الدستور اللبناني؛ لأن هذا الدستور يؤمّن حماية وضمانة لجميع المواطنين اللبنانيين، سواء كانوا من المنتسبين إلى حزب الله أو غيره من الأحزاب، أو حتى من المواطنين العاديين، وبالتالي المطلوب ليس حماية جماعة لبنانية أو حزب لبناني مميز، وإنما ضمانة لجميع اللبنانيين من خلال رئيس جمهورية يضمن العمل بالدستور وليس حزب الله.

كيف تنظر لتأييد نجيب ميقاتي –الذي لا يملك أي كتلة نيابية– للمرشح سليمان فرنجية؟

الرئيس ميقاتي تربطه بالوزير سليمان فرنجية علاقات قديمة، وهي أيضا علاقات "مناطقية"؛ فالرئيس ميقاتي من مدينة طرابلس الشمالية، وفرنجية من مدينة زغرتا المجاورة لطرابلس، كما تربطهما علاقة تاريخية مميزة، وبالطبع هذا رأي الرئيس ميقاتي، الذي نحترم رأيه الخاص، ولكن لا نؤيده.

برأيك، ما تداعيات استمرار "الفراغ الرئاسي" على لبنان؟

تأثير هائل. لبنان مثل كل مجتمعات العالم بحاجة إلى دولة تنظم حقوق كل المواطنين، وتنظم مصالحهم، وتنظم القانون، وتثبت بأن الدولة تبسط سيادتها على كامل التراب اللبناني، لكن عندما تنهار ضمانة الدولة يبحث اللبنانيون عن ضمانات رديفة، فتراهم يذهبون إلى مربعاتهم الطائفية، وعندئذ تدخل الطوائف في نوع من أنواع الحرب الباردة بين بعضها البعض.

هل التوافق على شخص الرئيس القادم مرتبط بتوافقات إقليمية ودولية أم لا؟

نعم؛ فالتجربة تبرهن أن انتخاب الرئاسة في لبنان يحصل من الخارج باتجاه الداخل وليس العكس؛ فقبل أيام قليلة على سبيل المثال: كانت إيران موجودة في "قمة بغداد 2" في عمّان إلى جانب المملكة العربية السعودية، ومصر، وفرنسا، والإمارات، والبحرين، وقطر.. وربما جرى تداول الشأن الداخلي اللبناني في هذه المناسبة، ولكن لا أعتقد أن الأمور نضجت بعد؛ فما يطالب به الجانب الإيراني ليس فقط حوارا إقليميا مع الخليج أو مع الدول العربية، وإنما يطلب حوارا مع الولايات المتحدة؛ فيمسك بورقة رئاسة الجمهورية اللبنانية حتى يجعلها كورقة تفاوض مع الجانب الأمريكي، وحتى هذه اللحظة فإن هذا التفاوض لم تحن ساعته بعد من الجانب الأمريكي.

برأيكم، هل سينجح البرلمان في انتخاب الرئيس خلال الفترة القليلة المقبلة؟

أعتقد أننا سندخل في مرحلة يكون فيها الانكشاف على مستوى رئاسة الجمهورية طويل لمدة أشهر قادمة.

وبعد تلك الأشهر، مَن سيكون الرئيس القادم في لبنان وفق تقديرك؟

سيكون من خلال مساحة مشتركة بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة، وبالتنسيق مع دوائر القرار العربية وبالتحديد السعودية من جهة، وبين إيران من جهة أخرى.

ماذا عن تقييمكم لمجمل فترة حكم الرئيس ميشال عون؟

ميشال عون ارتكب خطيئة التحالف مع سلاح غير شرعي في لبنان؛ ظنا منه بأن هذا التحالف يخوله بأن يحصل على مزيد من النفوذ على حساب الدستور اللبناني، ووضع نفسه في مواجهة طوائف وازنة في لبنان؛ فنصف المسيحيين ليسوا معه، وغالبية السُنة ليسوا معه، وأيضا غالبية الدروز ليسوا معه، أما الشيعة فهم معه على قاعدة "المقايضة" بعنوان "الغطاء الشرعي مقابل النفوذ".

وبالتالي، لم ينجح هذا الرئيس -الذي وفقا للدستور يجب أن يكون حكما- في جمع اللبنانيين، بل دخل في عملية تصنيف للبنانيين، وكان صديقا لفريق وعدوا لفريق آخر.

هل تعتقد أن الخطأ الأكبر للرئيس عون هو التحالف مع حزب الله؟

الرئيس عون أتى نتيجة هذا التحالف مع حزب الله، ونتيجة المقايضة التي أبرمها مع الحزب، وكأنه يقول لحزب الله: "أنا أؤمّن لكم شرعية لبنانية وشرعية مسيحية، وأنتم بالمقابل تؤمّنون لي النفوذ"، تلك المقايضة أدت إلى وصول ميشال عون لرئاسة جمهورية لبنان، وكان هذا الوصول خطأ كبيرا.

برأيكم، أيهم أكثر تأثيرا الآن في المشهد اللبناني: القوى المسيحية، أم القوى السُنّية، أم الشيعة؟

اليوم حزب الله هو الحزب الحاكم في لبنان، أما الأحزاب الأخرى فليست لها القدرة المعنوية والعملية للتأثير في الداخل اللبناني، وأكبر دليل على ذلك: أن الحزب لديه بضعة نواب فقط داخل مجلس النواب، وقوته تأتي من السلاح الذي هو خارج سيطرة الدولة اللبنانية؛ فحزب الله يفرض نفسه من خلال هيبة السلاح حتى وإن لم يستعمله؛ فهو يستعمل هيبته، وهذه الهيبة تعطّل العملية الانتخابية، وتعطّل عملية تنفيذ الدستور اللبناني، لننتقل من مرحلة العيش المشترك إلى مرحلة المساكنة بين الطوائف، ومن الديمقراطية التعددية إلى حكم الحزب الواحد الذي هو حزب الله.

ميشال عون قال سابقا إنه ليس لـ"حزب الله" أي تأثير على الواقع الأمني الداخلي للبنانيين.. ما صحة ذلك؟

هذا كلام غير صحيح بالمرة، وأكبر دليل على ذلك ما حدث في منطقة "العاقبية" جنوبي البلاد، قبل أيام، عندما قُتل عمدا جندي من قوات حفظ السلام في المنطقة التي تقع تحت نفوذ حزب الله، فإما أن يكون الحزب هو الذي قتله عمدا، وإما أن الحزب يخفي معلومات عن قاتله.

وهل تعتقد أن حزب الله بالفعل هو المسؤول عن تلك الواقعة؟

الحزب يتعامل مع لبنان بوصفه صندوق بريد؛ فيبعث من خلال مناطق نفوذه -بالتحديد في الجنوب- رسائله إلى الخارج.

وإيران التي تتخبط بثورة داخلية، والتي تعيش في عزلة عالمية، لأنها انخرطت في حرب أوكرانيا إلى جانب الروس، إيران التي تُشكّل أيضا شوكة في خاصرة غالبية العالم العربي.. تبحث عن متنفس أو نافذة حوار مع الولايات المتحدة حتى تحل أزمتها، وأمريكا لا تؤمّن لها هذه النافذة أو هذا الحوار، وبالتالي تستخدم "الخشونة" من أجل استرعاء انتباه الولايات المتحدة.

لماذا تهاجم حزب الله دائما؟

لبنان بلد يُحكم بقوة التوازن وليس بموازين القوى، وحزب الله يحكم لبنان على قاعدة "موازين القوى" وليس على قاعدة "قوة التوازن"، وبالتالي أنتقد الحزب لأن الحزب يستخدم نفوذه وسلاحه على حساب الدستور اللبناني، وعلى حساب العيش المشترك.

هل تعرضت لأي تهديدات سابقة أو ابتزاز من قِبل حزب الله؟

أنا أعمل بالسياسة منذ زمن طويل، وتعرضت خلال تلك الفترة إلى شيء من ذلك.

وهل كانت هناك تهديدات خلال الفترة الأخيرة؟

خلال الفترة الأخيرة لم تأت علامات مباشرة، وإنما فقط علامات غير مباشرة وإن كانت تتسم بأنها "متكررة ودائمة".

هل تخشى أن تصاب بمكروه خلال الفترة المقبلة؟

أنا أعيش بإذن الله مثل أي مواطن في العالم، ولا أخشى أحدا.

لكن ما ردكم على اتهام حزب الله لكم بإثارة النعرات الطائفية والحرب الأهلية؟

حزب الله هو حزب أمني عسكري، وله الحق أن يقول ما يشاء عني، ولكن أنا لدي خط سياسي معروف، وما أطالب به هو تطبيق الدستور والقانون اللبناني، وتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، وعدم سلخ لبنان عن الواقع العربي، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.

هل تعتقد أن الدور الإيراني في لبنان هو الأخطر على الإطلاق داخل البلاد؟

أنا أصف الدور الإيراني في لبنان بأنه "احتلال كامل الأركان"، لأنه يأمر على سلاح حزب الله.

إلى متى ستظل هذه المعادلة مستمرة في لبنان؟

المعادلة مُعقّدة، لأنها لبنانية وخارج لبنانية، أو لبنانية وفوق لبنانية؛ فكل المنطقة في مرحلة إعادة ترتيب للنفوذ، وإعادة رسم حدود نفوذ هذا البلد أو ذاك، وكل ما يريده الناس في لبنان هو ألا يكون لبنان "كبش محرقة" على طاولة اللعبة الإقليمية، وأن تتقاسم لبنان قوى ونفوذ غير عربية، أو غير وطنية، وفي مقدمتهم إيران.

كيف ترى أبعاد الدور السعودي في لبنان؟

المملكة العربية السعودية كانت دائما صديقة الدولة في لبنان، وأهمية دورها في عدم انحيازها إلى جانب فريق بعينه؛ فلم نسمع يوما بأن السعودية دفعت أموالا حتى تكون هناك ميليشيا سنّية مثلا في لبنان في مواجهة الميليشيا الشيعية.

كيف تنظر لتكرار حوادث هروب السجناء في لبنان على خلفية واقعة هروب 26 سجينا من سجن في محافظة البقاع غرب لبنان؟

السجون في لبنان تحت مسؤولية مزدوجة بين وزارتي العدل والداخلية، والسجون مكتظة، والأوضاع المعيشية تؤثر على الجميع، وربما في لحظات تراخي لدى القوى الأمنية تحدث مثل هذه الأمور.

وكيف ترى أوضاع السجون في لبنان بشكل عام؟

ما أعرفه عن السجون أن هناك عدة مستويات؛ فهناك "سجناء خمسة نجوم"، وهناك سجناء يعيشون في أحوال صعبة جدا تكتظ بهم السجون، كما أن لبنان مُكتظ بالنازحين السوريين، ولبنان أيضا لديه مشاكل على مستوى المجتمع اللبناني، وغالبية السجناء يعيشون ظروفا صعبة بالفعل.

أين تتجه الأوضاع في لبنان خلال الفترة المقبلة؟

انكشاف على مستوى رئاسة الجمهورية، واستعداد للدخول إلى حالة من عدم استقرار الأمن وأول إشارة كانت قتل الجندي الايرلندي، واستمرار تدهور قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي، ومزيد من النزيف الحاد على المستوى الداخلي.

والشباب في لبنان مثل الشباب في سوريا، والعراق، واليمن وفي كل أنحاء العالم العربي التي تقع تحت سيطرة شبه كاملة لإيران.. يحاولون ترك هذه المناطق ويذهبون إلى الخارج.

التعليقات (2)
أبو فهمي
الجمعة، 23-12-2022 05:51 ص
نطق صدقا فالحل من الخارج وليسوامر. من الداخل لأن الجميع عملاء مأمورون وعليهم الانصياع للأوامر.
السنه النبويه هي الحل
الخميس، 22-12-2022 09:39 ص
لن يستقيم امر لبنان العلمانيه الا اذا اصطلحت مع الخالق جل جلاله كفاها تنصر وتعلمن وضلال.