مقابلات

المرايحي لـ"عربي21": اتحاد الشغل بتونس سيدعو لحوار وطني الشهر المقبل

المرايحي قال إن الأحزاب السياسية في تونس ستلبي على الفور دعوة اتحاد الشغل إلى الحوار الوطني- عربي21
المرايحي قال إن الأحزاب السياسية في تونس ستلبي على الفور دعوة اتحاد الشغل إلى الحوار الوطني- عربي21
 القوى السياسية المختلفة ستلبي على الفور دعوة الاتحاد العام التونسي للشغل


دعوة الاتحاد للحوار الوطني سيتبعها خطوات أخرى هامة وسيكون لها ما بعدها في مسار الأحداث



 الاتحاد يرحب بمبادرة "إرحل" ولن يقف مكتوف الأيدي أمام تدهور الأوضاع

سنكشف خلال الشهر المقبل عن ترتيبات تجعل مبادرة "إرحل" قابلة للتنفيذ على أرض الواقع


الانتخابات التشريعية الجارية حلقة جديدة من حلقات العبث على جميع المستويات

 نرفض حدوث "انقلاب عسكري" ضد سعيّد ولن نقبل إلا بحكم مدني نابع من صناديق الانتخابات


كشف الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري في تونس، الدكتور لطفي المرايحي، أن الاتحاد العام التونسي للشغل سيدعو خلال شهر كانون الثاني/ يناير المقبل إلى حوار وطني، مُشدّدا على أن "الاتحاد لن يقف مكتوف الأيدي أمام تدهور الأوضاع. هذه الخطوة بكل تأكيد سيتبعها خطوات أخرى هامة لاحقة، وسيكون لها ما بعدها في مسار الأحداث".

وأشار المرايحي، في مقابلة خاصة ومصورة مع "عربي21"، إلى أن الأحزاب السياسية ستلبي على الفور دعوة اتحاد الشغل في حال إطلاقها رسميا، مضيفا: "سنجلس لنناقش المخرجات الممكنة حتى نقي بلادنا مغبة الانزلاق الخطير إلى أوضاع قد تصبح خارجة عن السيطرة".

كما كشف السياسي التونسي البارز أنه ستكون هناك ترتيبات (رفض الكشف عن تفاصيلها الآن)، خلال الشهر المقبل، "ستجعل مبادرة إرحل مبادرة حقيقية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع"، لافتا إلى أن اتحاد الشغل رحب بهذه المبادرة، بينما رفض الإفصاح عما دار في اجتماعه مع الأمين العام للاتحاد، السيد نور الدين الطبوبي.

اظهار أخبار متعلقة


وفي نهاية الشهر الماضي، أطلق المرايحي مبادرة "إرحل" للمطالبة باستقالة الرئيس التونسي، قيس سعيّد، منوها إلى أنه يجري اتصالات بعدد من الأحزاب والمنظمات التونسية لمناقشة إمكانية التوافق حول هذه المبادرة.



وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

هل هناك تطورات جديدة بخصوص مبادرة عزل الرئيس قيس سعيّد "إرحل"؟

ليست هناك تطورات جديدة، لكن المساعي ما زالت قائمة لتوسيع مجال المشاورات خاصة مع المجتمع المدني؛ فقد كانت الخطوة الأولى هي الالتقاء بالأحزاب، وببعض المنظمات المهنية، والآن نحن بصدد تطوير المبادرة، والاجتماع بمكونات المجتمع المدني، من خلال الاجتماع مع جمعيات وشخصيات وطنية فاعلة ذات أهمية ووزن.

وأعتقد أنه لا بد من فتح المجال أمام الشخصيات، والأحزاب التي تواصلنا معها، حتى تُتاح لهم الفرصة لإعادة تقييم المبادرة، والاقتناع بها تمام الاقتناع، أولا بالتشخيص، ثانيا بأنه لا حل إلا برحيل قيس سعيّد، لكن ما يحول دون التقاء هذا الطيف السياسي الواسع حول النقطة الوحيدة المُقترحة (رحيل قيس سعيّد) هو الماضي المشترك الذي شهد العديد من النزاعات والصراعات السياسية والأيدولوجية، ورغبة البعض في انتظار انتخابات قد تسفر عن تجديد لبعض النقاط لدى الرأي العام.

حاولنا أن نوضح للجميع أن الموضوع ليس موضوعا سياسيا بقدر ما هو موضوع إنقاذ وطني، وأنه يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة، لكن يبدو أنه إلى الآن لم نتمكن من إقناع الجميع بضرورة الالتقاء المأمول حول المبادرة، درءا للخطر الذي يمثله قيس سعيّد على حاضر ومستقبل تونس.

كيف قرأت ردود الفعل المختلفة بخصوص مبادرة "إرحل"؟

يمكن اختصار ردود الفعل في جملة واحدة: "هناك اقتناع وترحيب بالمبادرة لدى جميع الفرقاء السياسيين بمختلف انتماءاتهم وأطيافهم، وبغض النظر عن ردود أفعالهم يوم 26 تموز/ يوليو (اليوم التالي مباشرة للانقلاب)"، لكن ما زال الأمر يتطلب بعض الوقت، في البداية لا بد من مشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل في هذه المبادرة، وإعلان تلبيته للدعوة لترؤس الحوار الوطني؛ فهذا هو المُحدد الأساسي والعقدة الرئيسية لنجاح المبادرة.

هل موقف الاتحاد هو الفيصل أو الحكم بخصوص إمكانية نجاح مبادرة "إرحل" أو أي طرح آخر في تونس؟


موقف الاتحاد ليس بفيصل أو حكم، وإنما اتحاد الشغل له وزنه؛ فهو مكوّن مهم جدا في غياب الأحزاب السياسية؛ لأن تونس لم يتكوّن فيها أحزاب سياسية "مُهيكلة" باستثناء حركة النهضة، وحزب "التجمع الدستوري" عندما كان يُمثل حزب الدولة، وخلاف ذلك فإن كل الأحزاب الموجودة متساوية من حيث الحجم والتأثير الجماهيري الذي يُعتبر محدودا؛ لأن المناخ الذي أتى بعد الثورة لم يسمح ببروز أحزاب سياسية، ولأن هناك خطأ كبيرا جدا قد وقع ارتكابه سواء عن عمد أو لا، وهو السماح للمستقلين بالترشح في الانتخابات، وهو الأمر الذي أفرغ الأحزاب السياسية، ولم يتح لها الصمود والتواجد الفعلي في الشارع.

كيف قيّم الاتحاد العام التونسي للشغل هذه المبادرة؟ وهل تواصلتم معه بخصوص المبادرة؟


التواصل تم بالفعل، والاتحاد مرحب بالمبادرة، لكني لا أستطيع التصريح إعلاميا بما دار في الحديث مع الأمين العام للاتحاد، السيد نور الدين الطبوبي، لكن هناك تفهم، وهناك قراءة مشتركة للواقع، وتقاسم للتقييم، وهناك رغبة كبيرة في الاتحاد بألا يبقى مكتوف اليدين أمام هذا الخطر الداهم، باعتباره خطرا على الوطن، وأعتقد أن في قادم الأيام، وربما خلال الشهر المقبل، ستكون هناك ترتيبات لا يمكن كشف تفاصيلها الآن، ستجعل "مبادرة إرحل" مبادرة حقيقية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.

البعض تحدث عن طرح مبادرة "إرحل" في استمارات شعبية للتوقيع عليها.. فهل الأمر صحيح؟

بالفعل، لقد اقترحنا بالتوازي مع طرح المبادرة أن تكون هناك عريضة شعبية لسحب الثقة من قيس سعيّد، لكن نظرا لتشكيك البعض في نجاعة هذه المبادرة، أو خوفا من أن تصبح حجة بيد السلطة إن لم تجمع المبادرة عددا كبيرا من التوقيعات، باعتبار أن المبادرة لا تستند إلى مطلب شعبي كبير لرحيل قيس سعيّد، لذا طلب بعض الأخوة التريث قليلا، وأعتقد أنه مع مستهل السنة المقبلة سيكون المشهد أكثر وضوحا من حيث الصياغة التي ستستقر عليها المبادرة؛ لتتصدر "العمل الإنقاذي" الذي ندعو إليه بقيادة اتحاد الشغل.

هل تتوقع أن الاتحاد سيقبل بهذا الطرح في نهاية المطاف؟

الاتحاد أعرب عن ترحيبه، وهناك تماه حقيقي بين الاتحاد وبين جميع المكونات السياسية الموجودة. والاتحاد شدّد على أنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام تدهور الأوضاع، وأعتقد أنه في شهر كانون الثاني/ يناير المقبل قد يدعو اتحاد الشغل إلى حوار وطني، وكان قد دعا إليه قبل أشهر عديدة من الانقلاب.

وأعتقد أن اتحاد الشغل لو دعا إلى الحوار الوطني رسميا فإننا كأحزاب سياسية سنلبي على الفور هذه الدعوة، وسنجلس لنناقش المخرجات الممكنة حتى نقي بلادنا مغبة الانزلاق الخطير إلى أوضاع قد تصبح خارجة عن السيطرة، وهذه الخطوة بكل تأكيد سيتبعها خطوات أخرى هامة لاحقة، وسيكون لها ما بعدها في مسار الأحداث.

وهل سيكون الرئيس قيس سعيّد جزءا من هذا الحوار أم سيتم إقصاؤه؟

رأيي الشخصي -الذي لا يُعبّر إلا عن نفسي وحزبي- أنه لا مكان مطلقا لقيس سعيّد في مبادرة كهذه، لأن المبادرة تأتي إيذانا بنهاية الانحراف الخطير الذي أقدم عليه قيس سعيّد؛ فلا يمكن أن نطلب من شخص أجرم في حق الوطن، وفي حق المسار الديمقراطي أن يكون مؤسسا لمرحلة ما بعده.

وهناك مَن يطرح موضوع «الخروج الآمن» أو «غير الآمن» لقيس سعيّد؛ فإذا لبى قيس سعيّد المطالب، ودعا إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وتنحى سريعا عن السلطة بشكل سلس فقد يضمن له ذلك خروجا آمنا، أما إذا تعنت وذهب إلى الصدام فحينئذ سيصعّب كثيرا الأمور عليه، وعلى القوى الصلبة الموجودة في الدولة، وعلى المجتمع السياسي والمدني في تونس.

هل تتوقع أن يقبل الرئيس بالخروج الآمن أم سيدخل في صدام مع القوى الوطنية والمعارضة في تونس؟

أعتقد أن الخيار ليس بيده، وإنما سيفرضه عليه الواقع السياسي من حيث التحرك والتعبئة والالتفاف حول فكرة الرحيل، كذلك ما ستفرضه عليه ردة فعل القوى الصلبة التي ساندت قيس سعيّد يوم 25 تموز/ يوليو 2021، وهل ستراجع مواقفها بناءً على المتغيرات على أرض الواقع في ظل انخفاض شعبيته اليوم بشكل حاد مقارنة بما كانت عليه في 25 تموز/ يوليو، وكيف ستتلقى القوى الصلبة في الدولة واقع الأمر، وواقع التوازنات الجديدة، وكيف ستتعاطى معها، ويترتب على ذلك كله الإجراءات التي ستُجبر قيس سعيّد على القبول بها.

ما هي الآليات التي ستمكنكم من تفعيل المبادرة على أرض الواقع، وكيف؟

الموضوع ليس مرتبطا بشخصي أو بالحزب الذي أنتمي إليه أو بالأحزاب السياسية بشكل عام، وإنما ما أدعو إليه في النهاية هو تجميع القوى التونسية، وهذا الطيف السياسي الذي يُشكّل الأغلبية اليوم مع المكوّنات المجتمعية، والرافض في معظمه لهذا الانقلاب، والرافض لمسار العبث الذي يسير فيه قيس سعيّد.

أما عمليا من خلال محاولة أن يلتقي كل هؤلاء حول نقطة وحيدة: أولا تشخيص المشكلة المُتمثلة في اسم قيس سعيّد، وأن هذه المشكلة تحولت إلى خطر داهم يهدد الحاضر والمستقبل؛ وعليه فإن من باب المسؤولية علينا أن ندرأ هذا الخطر، وإننا كنُخب سياسية ومجتمعية لا بد أن نتصدى لذلك بشكل واضح، وأن تكون هذه الشرعية موازية للشرعية التي اعتمد عليها قيس سعيّد في 25 تموز/ يوليو 2021 باعتبار أنه تخلى يومها عن شرعية دستورية انتخابية ديمقراطية؛ ليحل محلها شرعية شعبية؛ فنحن اليوم بصدد إعداد شرعية شعبية توازي تلك الشرعية التي خرجت يوم 25 تموز/ يوليو بالتقاء هذه المكونات جميعا، ومحاولة استنهاض الشارع، وأعتقد لو نجحنا في ذلك ستكون لنا الأسباب الكافية، ويكون لنا المشهد الكافي لإجبار المؤسسات، والقوى الصلبة في الدولة على مراجعة موقفها، وإذا راجعت موقفها زال هذا الكابوس الموجود الآن.

لكن ماذا لو فشلتم في حشد الجماهير والشعب التونسي ضد الرئيس قيس سعيّد؟

إذا فشلنا فسيكون لنا شرف المشاركة والمحاولة، مع الاستمرار في المحاولة. نحن لدينا حليف مهم جدا في هذا المسعى، حليفنا هو الواقع الاجتماعي والاقتصادي، وحليفنا الأكبر هو قيس سعيّد ذاته الذي يُعتبر مُعارضا شرسا لنفسه. هذا الرجل العاجز والفاشل لم يتمكن من حل أي مشكلة يومية تواجه التونسيين، وبدّد تماما حجم الثقة التي حظي بها سابقا في أقل من سنة واحدة؛ فبعد أن كانت حالة الرضا 90% تدنت اليوم بحسب بعض الآراء غير المنشورة إلى أقل من 20%.

وأعتقد أنه حتى وإن لم يلبِ الشعب التونسي اليوم نداءنا فإنه سيلبي قريبا؛ لأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية غير قابلة للتحسن في ظل حكم ليست له أي رؤية وليست له أدوات الحكم كالتشارك، أو التصورات، أو البرامج المستقبلية التي تحقق احتياجات وآمال الناس.

الأمين العام لـ"حركة الشعب" زهير المغزاوي، قال في مقابلة سابقة مع "عربي21"، إن "معارضي مسار 25 تموز/ يوليو لا وزن لهم، وليست لديهم أي قدرة على التأثير في مسار الأحداث".. ما ردكم؟

إذا كان يتحدث عن الوزن الجماهيري فهو مُحق؛ فلا هو - كـ"حركة الشعب"- ولا نحن كأحزاب لنا وزن جماهيري؛ فتلك حقيقة لا بد من الاعتراف بها، حتى حركة النهضة فوزنها الجماهيري يبقى محدودا، رغم أن عمر حركة النهضة "كحزب" جاوز عقده الرابع، وعمل في السلطة؛ فجميع الأحزاب في تونس مع الأسف لم تكوّن مشهدا سياسيا مهما، ولم تكوّن وعيا جماهيريا يجعل الجماهير تلتحم بالأحزاب، هذا كله يتطلب جهدا ووقتا ولا يُبنى بين عشية وضحاها.

وبالتالي هل تعترفون بأن المعارضة غير قادرة على قلب الموازين في البلاد؟

لم يتكوّن مشهد سياسي صحيح في تونس، وليست هناك أي معارضة حتى في العالم قادرة على قلب الموازين؛ لأن دور الأحزاب أيّا كانت الديمقراطية يبقى محدودا، وأن مَن يتحرك حقيقة لتغيير الواقع هم عامة الناس، وعامة الناس يبدو أنهم الآن في مرحلة السخط على واقعهم، ولكن لم يتجاوزوا مرحلة السخط إلى مرحلة التعبير، ومرحلة التعبير لا يحرّكها عدم الرضا، بل يحرّكها منسوب الأمل في القادم، ووجود البديل.. والأمل، والبديل لم يتوفرا بعد، وعلى القوى السياسية أن تبلور خيارات واقعية قابلة للتحقيق حتى تجعل الناس تثق في البدائل المطروحة، وتُقدِم على الحركات الاجتماعية والاحتجاجية المطلوبة.

الباروميتر السياسي، الذي أعدته مؤسسة "سيغما كونساي" خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، أظهر أن قيس سعيّد لا يزال يحظى بالمرتبة الأولى على قائمة الساسة الأكثر موثوقية بـ64% متراجعا بنقطتين فقط مقارنة بشهر آذار/ مارس الماضي.. فما تقديركم لحجم شعبية سعيّد اليوم؟


اليوم الواحد في السياسة يساوي دهرا، وهذه الأرقام التي أشرت لها لم يعد لها اليوم أي أثر في الواقع التونسي؛ فعندما تتجول اليوم في الشارع التونسي، وفي الأسواق، وتلتحم بالناس تلاحظ بشكل جلي مدى سخط التونسيين على قيس سعيّد؛ فشعبية قيس سعيّد انتهت تماما ولن تعود، وكما يُقال في السياسة: "عندما يُكسر البلور فلا يمكنك ترميمه"، وهذه الثقة التي منحها الشعب التونسي لقيس سعيّد -الذي خيّب ظنهم فيه- لن تتكرر أبدا. لذا أنا شخصيا على يقين أن قيس سعيّد لم تعد له اليوم أي شعبية، وهو إلى الزوال الحتمي بحول الله.

هل يمكنكم عرض مبادرة "إرحل" على مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش والمؤسسة الأمنية؟


لا؛ فنحن لا نسعى إلى إحداث حالة انقلاب عسكري، نحن حركة تعارض علنا وجهرا بالوسائل المدنية السلمية المتاحة، ولا نتواصل مع أطراف أجنبية، ولا مع مخابرات، ولا مع الشرطة، ولا مع الجيش التونسي، وإنما ندعو الجميع إلى تحمل مسؤولياته اليوم وغدا، وستأتي في يوم ما ساعة الحساب، وبالتالي ينبغي على الجميع أن يكونوا على قدر المسؤولية، ونحن في مجال تحركنا كأحزاب سياسية نتحرك تجاه المجتمع المدني، أما الدولة وأدواتها، أيّا كانت، فلا علاقة لنا بها.

شرعية قيس سعيّد تستند على أرض الواقع إلى سلطة الجيش والمؤسسات الأمنية والقضائية، والأدوات الصلبة في الدولة.. فكيف تقيم موقف الجيش والمؤسسات الأمنية بشكل خاص؟


قيس سعيّد ليست له أي شرعية، أما استناده على ما ذكرت فيمكن قبوله بفرض الأمر الواقع، أما على شرعية حقيقية فلا، ولا يُعقل أن تأتي على متن الدستور وتُقسم على احترامه ثم تنقلب عليه بدعوى "الشرعية الشعبية"، فأنت إن ألغيت السبب الذي أتى بك فقد ألغيت نفسك، وألغيت وجودك بالكامل، وهذا لا يمكن أن يصبح منطقا في الديمقراطية.

قيس سعيّد جاء نتيجة استجابة لتطلعات الشارع التونسي، ونفذتها القوى الصلبة في الدولة، ولا يجب أن ننكر أن الشعب التونسي كان متفائلا خيرا في 25 تموز/ يوليو، وهناك شريحة لا بأس بها ارتضت نصرة هذا المسار، لأن السنوات العشر التي تلت الثورة لم تكن بالمستوى الذي يطمح له الناس، وإنما كانت سنوات خيبة أمل كبيرة، وكان من الطبيعي أن يتعلق الأمل برجل كان دائما يقول للناس إنه سيسترد الأموال، وسيحاسب المفسدين، وسيعيد للواجهة مطالب الناس وأحلامهم.. فمن الطبيعي أن ترى التعاطف معه، لكن اليوم بعد سنة ونصف من الحكم المطلق تبيّن للناس أنهم ذاهبون إلى الأسوأ والأسوأ بكثير من العشر سنوات الماضية، وبالتالي فقد الشعب الأمل والثقة تماما في سعيّد.

وماذا عن موقف الجيش والمؤسسة الأمنية والأدوات الصلبة في الدولة؟

إذا تحرّك الشارع، وعبّر الناس عن استيائهم وسخطهم من النظام فلا يمكن أن تقف هذه القوى الصلبة ضد الإرادة الشعبية أو أن تواجه الناس بالعنف؛ فالمؤسسة الأمنية والجيش الوطني هم أبناء الشعب التونسي، وسيتعاطفون حتما مع الشعب، وسيقفون على الحياد في المرحلة التي ستكون فيها المواجهة بين إرادة شعبية وبين شخص قد يسعى إلى التمسك بموقعه.

ما الذي ينبغي على المؤسسة العسكرية والأمنية فعله إزاء التطورات الراهنة في تونس؟

الأمور كانت واضحة في 25 تموز/ يوليو 2021، وكان يكفي أن يقرأ الإنسان الدستور، أو يكون مطلعا على الفصل الثمانين منه، ويُقدِّر إذا ما كان هذا الفصل يلائم الإجراءات التي وقع اتخاذها أم لا، وأعتقد أن كل مسؤول أيّا كان موقع مسؤوليته سيسأل عن أفعاله، وهناك من أتى بأفعال يوم 25 تموز/ يوليو تماهت مع القرار السياسي الموجود، وناكثا للعهد الذي قطعه الجميع، وعلى جميع مَن أقسموا على احترام الدستور أن يسألوا أنفسهم هل هذا يتماشى مع قسمهم، ولا أعتقد أنهم فعلوا ما فعلوه عبر آلة القوة من أجل تمكين أشخاص بعينهم من السلطة والدولة.

لو فُرض جدلا أن الجيش قام "بانقلاب قصر" أو انقلاب ناعم ضد قيس سعيّد، هل ستقبلون بهذا الانقلاب أم لا؟


لا على الإطلاق، لن نقبل إلا بحكم مدني نابع من إرادة شعبية عبر صناديق انتخابات، في استحقاقات انتخابية ديمقراطية مستوفية الشروط. لم نعتد في هذا البلد على الانقلابات العسكرية، ولا نتمنى أن يسجل التاريخ التونسي الحديث مثل هذه المظاهر، ويا خيبة المسعى أنه بعد "انقلاب مدني" -إن جاز التعبير- نتحول إلى "انقلاب عسكري".

على صعيد الانتخابات التشريعية المقبلة، كيف تنظرون لهذه الانتخابات؟ وما موقفكم منها؟

هي ليست انتخابات بأي صورة من الصور، بل هي حلقة جديدة من حلقات العبث على جميع المستويات، فهي انتخابات تهدف أولا لتشكيل برلمان ليست له أي سلطة، ولا يمكنه سحب الثقة، ولا المعارضة بشكل جدي، ولا يمكنه أن يقترح قوانين بشكل جدي، ولا يمكن أن يكون سلطة مُعدّلة أو رقابية على السلطة التنفيذية.

كما أن هذا البرلمان سيأتي وفق انتخابات تقوم على "تقسيم ترابي" أقرب إلى المحليات من الولايات، ويحوّل الانتخابات التشريعية إلى انتخابات بلدية؛ فعندما تستمع إلى ما يطرحه المرشحون في مختلف الدوائر فإنك تجدهم يحدثونك عن أمور موغلة في المحلية، بينما النائب في مجلس نواب الشعب هو مُمثل للشعب كله، ويسنّ قوانين للشعب في مجمله، وكأن هؤلاء لا يدركون حقيقة طبيعة دورهم.

ثم بعد هذا كله كيف سيؤدي البرلمان اليوم دوره في ظل رئيس لا يُحاسَب على شيء، "حاكم مطلق بأمره"، ولا أفهم سبب ترشح المرشحين، إلا إذا كانت لهم بعض المغانم الشخصية، أو أنهم عاطلون عن العمل ويبحثون عن تحسين ظروفهم المعيشية ليس إلا.

مؤسس حزب الراية الوطنية، مبروك كورشيد، قال إن هناك تنظيما سريا يحكم تونس.. هل تتفقون معه في ذلك أم أن قيس سعيّد هو الحاكم الفعلي للبلاد؟


ليست لدي معلومات حول هذا الأمر، وأعتقد أن قيس سعيّد ليس بالرجل الذي يُسيره آخرون، ولا أظن أنه واقع تحت تأثير مجموعة أو غرف سوداء، وإنما هو رجل متعنت، وذلك لإدراكنا لطبيعة الرجل وشخصيته. يخيل إليه أنه يفهم المشهد، وأنه قادر على الإدارة، والحقيقة أن لديه أوهاما وخيالات بأن الجميع يترصده، ويعاديه، ويبحث عن عرقلته، وأنه في حرب، لكن الحقيقة أنها حرب مع نفسه، ومع طواحين هواء وأشباح يراها دائما، لكنه لا يدرك أنه ذاهب بالبلاد إلى حالة قد تفضي في النهاية إلى الفوضى إن لم تجتمع هذه القوى السياسية حتى تستبق الغضب الشعبي، هذا البركان المُهدّد في كل لحظة بالانفجار حتى نقي بلادنا مغبة ما انزلقت إليه بلدان أخرى من حالات الفوضى والتفكك.
التعليقات (0)