مقابلات

بورغا لـ"عربي21": الإسلاموفوبيا أصبحت "ظاهرة دولة" بأوروبا

بورغا قال إن ظاهرة الإسلاموفوبيا وصلت إلى مستويات خطيرة في فرنسا وأوروبا- عربي21
بورغا قال إن ظاهرة الإسلاموفوبيا وصلت إلى مستويات خطيرة في فرنسا وأوروبا- عربي21

قال المفكر الفرنسي والباحث الأول في "المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي"، فرانسوا بورغا، إن "ظاهرة الإسلاموفوبيا وصلت إلى مستويات خطيرة في فرنسا وأوروبا؛ فهي لم تعد حكرا على اليمين أو اليمين المتطرف، بل أصبحت ظاهرة دولة".


وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "الدولة (الفرنسية) بتدابيرها المُعادية للإسلام قد تجاوزت حدا بالغ الخطورة؛ فهي لم تعد تحارب أفعال أقلية صغيرة تقوم بها حفنة قليلة ممن يسمون بالمواطنين المتطرفين الذين يغريهم العمل المسلح بشكل خاص. إنها تجرّم وتقمع بشكل واضح أكثر فأكثر آراء الغالبية العظمى من المسلمين في البلاد".

وأشار بورغا إلى أن "صعود اليمين المتطرف في أوروبا ربما يستمر في دولة أو عدة بلدان أوروبية، حتى يسمح وصول هذا الجيل السياسي إلى السلطة، بإثبات الهشاشة القصوى لأطروحاته وغروره المفرط".

ولفت إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يسعى من خلال تدخل قواته في العالم الإسلامي للانتقام من الهزيمة التي لحقت بالجيش السوفييتي ضد المجاهدين الأفغان، وذلك بحسب ما أخبره أحد مستشاري الرئيس الروسي الأسبق، بوريس يلتسين، بهذا الأمر.

وعلى هذا النسق، يسعى أيضا العديد من أعضاء اليمين المتطرف، واليمين، الفرنسي إلى الانتقام من "خسارة الجزائر"، وفق ما أكده المفكر الفرنسي المعروف.

وفي ما يأتي النص الكامل للمقابلة مع "عربي21":


كيف انعكست الحرب الروسية الأوكرانية على صعود اليمين المتطرف في أوروبا؟


ليس من الممكن إعطاء إجابة بسيطة عن هذا السؤال. بوسعنا أن نقول إنه للمفارقة، بالنسبة لليمين المتطرف الفرنسي، لم يكن تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا إيجابيا حقا. لا، بل يمكن أن نذهب إلى القول إنه بلا شك كلّف إيريك زمور ترتيبه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

رئيس الدولة الروسي هذا الذي روَّج له زمور بوصفه نموذجا إيجابيا مضادا، ظهر لأغلبية ناخبيه المحتملين، ولأولئك المنتمين إلى حزب التجمع القومي (RN) (فضّل الآخرون إيجاد أعذار له في موقف الناتو) باعتباره شخصا سلبيا إلى حد كبير؛ فقد أدى الظهور المفاجئ لـ "عدو جديد"، "عدو مسيحي هذه المرة"، إلى أن يفقد "العدو الإسلامي" التقليدي، الذي كان "مخزونهم التجاري"، على الأقل، جزءا من مركزيته. هكذا حّرَم العدو بوتين اليمين المتطرف على هذا النحو جزءا على الأقل من قدرته على التعبئة.

ومع ذلك، فإن إعادة التشكيل الأخيرة للمشهد الحربي في أوروبا لم تضع بالتأكيد حدا للصعود البنيوي العميق لليمين المتطرف، وهو الصعود الذي بدأ بعد الحرب العالمية الثانية وموجة إنهاء الاستعمار.

لكننا لاحظنا صعودا لليمين المتطرف في أوروبا.. فما الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذا الصعود؟


إذا كان عليَ أن أفصّل السبب الذي يبدو لي أنه الأكثر مركزية وراء التأكيد البطيء لليمين المتطرف في فرنسا، فسأختار استحضار عملية إنهاء الاستعمار من جهة، أي نهاية الهيمنة السياسية والثقافية للأوروبيين وإحدى نتائج هذه العملية المُتمثلة في ديناميكيات الهجرة بين الجنوب والشمال التي أعادت تشكيل وتحديد أرض اللقاء بين الإسلام والغرب.

في الخطاب المعادي للإسلام، من الواضح أن الهدف المهووس يتكون من مطالب أحفاد السكان المستعمَرين.. وهذه المطالب من نوعين:

أولا، التطبيق الفعلي لمضمون الحقوق المتأصلة في جنسيتهم الفرنسية، والتي غالبا ما تكون مُفرّغة من محتواها.

 

ثم، وهو أمر غير مقبول بدرجة أكبر لآذان جزء من المجتمع، الحق في المشاركة بكتابة التاريخ المشترك لأسلافهم مع المجتمع الذي غزاهم واستعمرهم.

فإذا كانوا من الثقافة الإسلامية، اُعتبر حاملو هذه المطالب فاقدين للمصداقية بوصفهم "إسلاميين". وإذا كانوا ينتمون إلى ثقافة أفريقية غير مسلمة، فإنهم يعتبرون أيضا فاقدين للمصداقية بوصفهم حاملي مطالب "ذات طابع عنصري".

المثقفون غير المسلمين -الذين أتشرف بالانتماء إليهم- الذين يعتبرون مطالب أحفاد المستعمَرين شرعية تماما ويرفضون تجريمه، هم أيضا يجري تجريمهم بوصفهم، هذه المرة، "إسلاميين يساريين".

إلى متى ستستمر هذه الاندفاعة لليمين المتطرف؟

 

  إذا استسلمت للتشاؤم، سأميل إلى القول إنها ستستمر في واحد أو في عدة بلدان من أوروبا، حتى يسمح وصول هذا الجيل السياسي إلى السلطة، بإثبات الهشاشة القصوى لأطروحاته وغروره المفرط.

ما صحة ما يُقال عن أن اليمين المتطرف مُقرّب جدا من روسيا؟ وهل هناك دعم ما يتلقاه من خارج أوروبا؟


مما لا شك فيه أن هناك تقاربا حقيقيا بين اليمين المتطرف الأوروبي ونظام فلاديمير بوتين، وليس المجتمع الروسي.

 

لنتذكر أولا أن مخيال بوتين السياسي معادٍ للمسلمين بشكل صريح. عندما تتدخل قواته في العالم الإسلامي، فإن بوتين، كما سمعت شخصيا أحد مستشاري الرئيس الروسي الأسبق، بوريس يلتسين، يُذكّر بذلك، يسعى عن وعي إلى حد ما للانتقام من الهزيمة التي لحقت بالجيش السوفيتي ضد المجاهدين الأفغان.

يقترب هذا المخيال من مخيال العديد من أعضاء اليمين المتطرف، واليمين، الفرنسي الذين ينوون، في نفس السجل، الانتقام من "خسارة الجزائر".

 

بهذا المعنى، يُنسب إلى بوتين تصريح قال فيه إنه كان يقاتل في سوريا وفي ذهنه متطرفو داعش، بينما كان في الواقع يذبح التيار الرئيسي للمعارضة غير الطائفية، حتى لا يضطر إلى القيام بذلك أمام بوابات موسكو.

 

إن العنف المتطرف الذي نشره خلال قمعه للشيشان، وبالتالي للمسلمين، يستهوي اليوم بلا شك أتباع السلطات القوية والحلول الراديكالية.

ولكي تكتمل الصورة، وعلى صعيد القضايا المجتمعية، فإن إدانة بوتين للمثلية الجنسية -على سبيل المثال- لا تروق فقط لليمين المتطرف، ولكن لقطاع أوسع بكثير من الرأي العام الفرنسي.

برأيكم، كيف ستتأثر القارة العجوز في حال سيطرة اليمين المتطرف على العديد من الدول الأوروبية؟

 
التغييرات في السياسة الأوروبية لن تكون مهمة إذا اعتبرنا أن اليمين المتطرف، سواء في فرنسا أو النمسا، هو بالفعل موجود في السلطة، ولو بشكل جزئي على الأقل.

وفي الواقع، لدينا بالفعل العديد من المؤشرات حول ما يمكن أن يكون سياسة يمينية متطرفة في أوروبا، وذلك لسبب وجيه: منذ ثلاث سنوات على الأقل لا تكف سياسة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن تقديم التنازلات لسياسة مارين لوبان وإريك زمور، والاختلاف الرئيسي بين ماكرون واليمين المتطرف هو أن ماكرون يدعم الاتحاد الأوروبي لكن اليمين المتطرف يريد إضعاف سلطة بروكسل.

بينما إحدى نقاط الإجماع هي بالطبع المعالجة التجريمية للهجرة أولا، وللمجتمع المسلم تحديدا نتيجة هذه الهجرة الحديثة نسبيا.

 

وهنا لدينا في النمسا المستشار (رئيس الحكومة)، سيباستيان كورتس، المثال الممتاز على تلك السياسات، ومن الأمثلة الجيدة على ذلك حظر جماعة الإخوان المسلمين بالنمسا في 8 تموز/ يوليو 2021، وذلك لأول مرة في أوروبا.

لنقل إن أي مسلم يتبنى موقفا معارضا في النقاش العام يمكن اعتباره مجرما "انفصاليا" يمكن طرده إذا لم يكن حاملا جنسية دولة أوروبية أو محروما من الحقوق الأساسية كالحق في التعبير أو تكوين الجمعيات إذا كان من مواطني الدولة المعنية.

 

ولدينا في تصريحات رئيسة الوزراء الإيطالية الجديدة، جورجيا ميلوني، مثل آخر واضح بالقدر نفسه، ومُقلق بالقدر نفسه.

هل ظاهرة "الإسلاموفوبيا" وصلت إلى مستويات خطيرة في فرنسا وأوروبا؟

 
نعم، بالطبع، لم تعد ظاهرة الإسلاموفوبيا حكرا على اليمين أو اليمين المتطرف. إنها ليست نزعة تؤثر على اليسار فحسب، بل تؤثر بشكل أكبر، منذ اعتماد ما يسمى بقانون "ضد الانفصالية" في فرنسا، لقد صارت ظاهرة دولة.

 

والدولة، بتدابيرها المُعادية للإسلام، قد تجاوزت حدا بالغ الخطورة؛ فهي لم تعد تحارب "أفعال أقلية صغيرة" تقوم بها حفنة قليلة ممن يسمون بالمواطنين "المتطرفين" الذين يغريهم العمل المسلح بشكل خاص، إنها تُجرّم وتقمع بشكل واضح أكثر فأكثر "آراء الغالبية العظمى" من المسلمين في فرنسا.


لكن لماذا لا يُجرّم الغرب "معاداة الإسلام" على غرار "معادة السامية"؟


هذا التناقض الواضح هو جوهر جذور هذه الدفعة المُعادية للإسلام. وحدة المكون الإسلامي من السكان الفرنسيين يُعامَل كجسم غريب، في حين أن الجزء اليهودي، على الرغم من أو ربما بفضل صدمة التعاون الهائل بين دولة فيشي الفرنسية والمحتل النازي، قد اكتسب الحق في أن يُنظر إليه على أنه لا ينفصل عن الأصل المسيحي الذي يؤلف أكثرية المجتمع.

كانت لك العديد من الكتابات والمؤلفات حول حركات "الإسلام السياسي"، فهل يمكن القول إن العديد من الدول الأوروبية غيّرت موقفها إزاء "الإسلام السياسي"؟


لا، لن أقول إن نظرة الدول الأوروبية وموقفها قد تغيرا تجاه التيارات المعروفة باسم "الإسلام السياسي"، لنفترض أنه إذا كان هناك تغيير فهو تشدّد واضح للغاية فيما يتعلق بجميع هذه الأحزاب التي تُعتبر مُمثلة لـ "الإسلام السياسي"؛ ففي حين أعرب وزير الخارجية الفرنسي السابق، آلان جوبيه، في عام 2011 عن رغبته في رؤية العلاقة بين الدبلوماسية الفرنسية والمُمثلين (الأجانب) للإسلام السياسي أصبحت عادية.

 

وعليه نرى أنه بعد عشر سنوات من ذلك، لم تبقِ حركة حماس على قائمة الحركات الإرهابية فحسب، بل داخل أوروبا، مجرد حقيقة كونك قريبا من جماعة الإخوان المسلمين مثلا يجعلك مُجرما يمكن حرمانه من أبسط حقوقه، على الرغم من أن هذه التيارات قد وصلت إلى السلطة بشكل قانوني في العديد من دول المنطقة.

تجدر الإشارة بالطبع إلى أنه في هذا المجال، تحظى فرنسا في عهد ماكرون بتشجيع قوي من مصر السيسي، بل وبشرائها بأموال نفط المملكة العربية السعودية لمحمد بن سلمان أو حليفها الإماراتي القوي للغاية، محمد بن زايد. تجريم "الإسلام السياسي" هو الآن قاسم مشترك إقليمي وأوروبي وعربي.

على إثر ذلك، ما مستقبل تيار "الإسلام السياسي" خلال السنوات المقبلة في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها؟


سوف يستغرق الأمر عدة صفحات لمقاربة هذه الإشكالية بالفروق الدقيقة اللازمة. من ناحيتي، أُفضّل طرح المشكلة بطريقة مختلفة وأتساءل: ما هو مستقبل الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي؟، كم عدد السنوات التي ستسمح فيها المساعدة المتبادلة والدعم الغربي الثابت لهذه الأنظمة "الاستبدادية" باحتواء توقعات مواطنيها؟، مع العلم أنه في الوقت الذي نتبادل فيه الحديث، بعد أن فشل اليسار، من العراق إلى المغرب العربي، في أخذ زمام القيادة منها، فإن التيارات الإسلامية، في مختلف تعبيراتها، ما زالت تحتل، في نظري، المرتبة الأولى بين تيارات المعارضة.

 

وبالتالي، فإن صلابة الديكتاتوريين هي التي تحد من مستقبل تيارات الإسلام السياسي أكثر بكثير من الأداء المتأصل في هذه الأحزاب.

بعد مرور أكثر من عام على إقرار قانون "مكافحة الانفصالية".. كيف ترى هذا القانون اليوم؟ وهل نجح في أهدافه؟


للإجابة عن هذا السؤال، لا بدّ من إعادة التأكيد على بُعد أساسي للديناميات السياسية الداخلية في أوروبا بشكل عام، وفي فرنسا بشكل خاص. لا يُقصد بالتشريعات المُعادية للإسلام الأخيرة بأي حال من الأحوال معالجة مشكلة أو حل أزمة. هي في الأساس مجرد إجراءات انتخابية. إنها تستهدف فقط السماح للحكام الراهنين البقاء في السلطة عن طريق سرقة الأصوات من اليمين المتطرف الصاعد.

خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، عمل المرشح الرئيس ماكرون على إبعاد ناخبي التجمع الوطني من خلال الاستيلاء على مقترحات هذا الأخير، كي "ينزع عنها شيطنتها".

 

منذ أن خسر الانتخابات التشريعية، ولحاجته إلى أصوات "التجمع الوطني" من أجل تمرير تشريعات حكومته، لم يعد يسعى لإغواء ناخبي حزب التجمع الوطني، بل نوابه الـ89.


وعلى سبيل المثال، قضية طرد الإمام المغربي، حسن إكويسن، بسبب تصريحات أدلى بها قبل أكثر من عشر سنوات ونفيها صراحة منذ ذلك الحين هي فعل لا يحل أي مشكلة ولا يعالج أو يضبط أي توتر داخل المجتمع الفرنسي. على العكس من ذلك، إنه إجراء – من أجل تملق توقعات آراء اليمين المتطرف - يخاطر بإحداث انقسام خطير داخل المجتمع، وهذا هو السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ما الذي حل اليوم بفرنسا التي طالما اعتبرت نفسها المرجعية العالمية من حيث "حقوق الإنسان"؟

 

التعليقات (0)