قضايا وآراء

هل سيعتزل الإخوان السياسة؟

قطب العربي
1300x600
1300x600

التصريحات التي أدلى بها الأستاذ إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد الإخوان المسلمين، حول اعتزال الجماعة للصراع السياسي خلال الفترة المقبلة مثلت قنبلة سياسية، أحدثت دويا كبيرا داخل الجماعة وخارجها، وتباينت ردود الفعل بين مؤيد للخطوة ورافض ومتحفظ، شأن التعامل مع كل الأحداث الكبرى.

كان اعتراض البعض أو تحفظه على التصريحات من حيث الشكل، والطريقة التي ظهرت بها، ومدى اعتمادها داخل الأطر المؤسسية للحركة، ومدى مناسبتها للسياق السياسي، أو مدى تحقيقها لمكاسب للجماعة. كما اعترض البعض عليها مبدئيا لرفضهم فكرة تقديم تنازلات من الأساس بعد كل التضحيات التي بذلت، أو لرفضهم فكرة اعتزال العمل السياسي سواء بصورة مؤقتة أو دائمة.

أما المؤيدون للمبادرة -إن جاز وصفها بذلك- فيرون أنها خطوة تأخرت كثيرا، وأنها ربما تكون "عربونا" لحلحلة الوضع السياسي، وحلحلة قضية المعتقلين التي أعلنت قيادة الجماعة وضعها على رأس سلم أولوياتها.

هل يقصد نائب المرشد التنافس على السلطة العليا الممثلة في رئاسة الدولة أم كل السلطات والمواقع؟ وهل يقصد اعتزالا دائما أم مؤقتا للسياسة؟

ما أسهم في زيادة البلبلة حول تلك التصريحات هو غموض بعضها، أو ارتباكه، وقد يكون الغموض مقصودا، أو قد يكون نتيجة لحظية لحوار مباشر مع شخص بلغ الخامسة والثمانين من عمره، ومن ذلك الحديث عن خمسة آلاف إلى ستة آلاف معتقل، بينما القصد كما تم التوضيح لاحقا عبر الوكالة ذاتها 50- 60 ألفا، وهو الرقم الذي تواترت عليه منظمات حقوق الإنسان الدولية الكبرى.

لندخل في الموضوع الرئيسي لتلك التصريحات حول اعتزال ما وصفه نائب المرشد بـ"الصراع على السلطة" حتى لو كان ذلك من خلال صناديق الاقتراع، والسؤال: هل يقصد نائب المرشد التنافس على السلطة العليا الممثلة في رئاسة الدولة أم كل السلطات والمواقع؟ وهل يقصد اعتزالا دائما أم مؤقتا للسياسة؟

رغم أن الإخوان جماعة تربوية دعوية إصلاحية في أصلها، إلا أنها تعتبر السياسة جزءا من مجالات عملها، وهو ما تعج به رسائل مؤسسها، وأدبياتها، بل يذهب الإمام البنا إلى "أن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا بعيد النظر في شؤون أمته، مهتما بها غيورا عليها" (مؤتمر الطلاب- شباط/ فبراير 1938)، كما رفض البنا في المؤتمر ذاته التفريق بين الدين والسياسة: "الإخوان ما كانوا يوما من الأيام غير سياسيين، ولن يكونوا يوما من الأيام غير مسلمين، وما فرقت دعوتهم أبدا بين السياسة والدين". ويقول: "وأما أننا سياسيون بمعنى أننا نهتم بشؤون أمتنا، ونعتقد أن القوة التنفيذية جزء من تعاليم الإسلام تدخل في نطاقه وتندرج تحت أحكامه، وأن الحرية السياسية والعزة القومية ركن من أركانه وفريضة من فرائضه، وأننا نعمل جاهدين لاستكمال الحرية ولإصلاح الأداة التنفيذية، فنحن كذلك، ونعتقد أننا لم نأت فيه بشيء جديد" (رسالة المؤتمر السادس عام 1941).

وبناء على هذا القناعات الراسخة، والتي عززتها الممارسات السياسية العملية لاحقا، فليس من المتوقع أن يعتزل الإخوان السياسة بالمطلق، وإلا فإنهم يكونون قد هدموا ركنا من أركان فكرتهم. وهنا يأتي السؤال الثاني: هل بهذا الفهم لموضع السياسة في منهج الإخوان يمكن أن يكون اعتزالهم مؤقتا تقديرا لضرورات تبيح المحظورات؟
بناء على هذا القناعات الراسخة، والتي عززتها الممارسات السياسية العملية لاحقا، فليس من المتوقع أن يعتزل الإخوان السياسة بالمطلق، وإلا فإنهم يكونون قد هدموا ركنا من أركان فكرتهم

بالعودة إلى تصريحات الأستاذ إبراهيم منير نجده يرفض الصراع على الحكم في مصر بأي صورة من الصور، سواء استخدم العنف أو حتى "لو كان الصراع بين الأحزاب في الانتخابات السياسية أو غيرها"، أي أن الحديث هنا مقتصر على الصراع على الحكم فقط، دون غيره من الممارسات السياسية. وهذا الغموض في الصياغة سواء تم بقصد أو بدون قصد فتح الباب لتفسيرات متعددة للنص، فالبعض قصره على اعتزال المنافسة على الرئاسة باعتبار منصب الرئيس في مصر هو السلطة الفعلية وما عداه هوامش، والبعض فهمه أنه اعتزال للانتخابات عموما، رئاسية أو نيابية، والبعض فهمه رفضا للمشاركة في ظل حالة الاستقطاب الشديد بين القوى السياسية. وفي كل الحالات فإن الجميع فهم أنها رسالة ليست للنظام فقط، بل للقوى السياسية الأخرى، وللمجتمع الدولي، وهي رسالة يفترض أنها تبطل فزاعة الإخوان التي يخوف بها النظام القوى السياسية في الداخل والحكومات العربية والدولية في الخارج.

تصريحات نائب المرشد كاشفة وليست منشئة لموقف الإخوان المستقبلي، إذ تسود قناعة لدى قطاعات واسعة داخل الإخوان بعدم الرغبة في العودة إلى الحكم مجددا بعد تجربتهم الصعبة لمدة عام، حيث ستحتاج الجماعة عمليا لسنوات طوال للملمة أشلائها، وعلاج جروحها، وإعادة التكيف مع الأوضاع الجديدة، وهو أمر ينطبق على الجماعة ككيان، كما ينطبق على أعضائها كأفراد.

ينتقد البعض هذه التصريحات بزعم أنها حب من طرف واحد دون الحصول على مقابل، أو دون التواصل مع أطراف أخرى. والحقيقة أن مثل تلك الاتصالات -حال حدوثها- فإنها لا تكون معلنة، وإلا فإنها ستنتهي بمجرد ظهورها، ولا يتصور العقل أن رئيس أكبر جماعة مصرية يلقي أوراقه على قارعة الطريق دون ثمن حال أو منتظر، وتلك النتيجة المرجوة لا تظهر خلال أيام أو حتى أسابيع بل تحتاج مددا أطول.
تصريحات نائب المرشد كاشفة وليست منشئة لموقف الإخوان المستقبلي، إذ تسود قناعة لدى قطاعات واسعة داخل الإخوان بعدم الرغبة في العودة إلى الحكم مجددا بعد تجربتهم الصعبة لمدة عام، حيث ستحتاج الجماعة عمليا لسنوات طوال للملمة أشلائها، وعلاج جروحها، وإعادة التكيف مع الأوضاع الجديدة

من الطبيعي أن تشكك أذرع النظام الإعلامية في صدقية هذه التصريحات، والتشويش عليها لضمان بقاء "بعبع الإخوان" مستندة إلى مواقف سابقة؛ أهمها الترشح للرئاسة، والترشح بنسبة أكثر من الثلث للبرلمان عقب ثورة يناير، وهذا ما سيلقي عبئا كبيرا على جماعة الإخوان لمواجهة تلك الشكوك من ناحية، وجني ثمار خطوتها، وخاصة لحلحلة ملف المعتقلين من ناحية أخرى.

قد يقول البعض إن هذه التصريحات ربما جاءت في الوقت الخاطئ، مع تصاعد الغضب الشعبي نتيجة للأزمات الاقتصادية، ومخاوف إفلاس البلاد، والحقيقة أنها ليست عائقا أمام أي تحرك شعبي، بل ربما تكون عنصر تحفيز له بعد زوال فزاعة الإخوان لدى الكثيرين ممن كانوا يبررون غيابهم عن الشارع بخوفهم من عودة الإخوان. ثم إن النضال السلمي لا يقتصر على الحراك الجماهيري فقط، بل يستند إلى ساق سياسية أيضا. وقد حركت تلك التصريحات المياه الراكدة قليلا، وهي إلى جانب تصريحات سابقة عن الموقف من الحوار الوطني نقلت الكرة إلى ملعب النظام وحلفائه، ولكنها ليست كافية لإنهاء مخاوف بعض القوى والنخب، ويلزم رسائل أخرى من قيادة الإخوان لطمأنة تلك الفئات؛ مثل المسيحيين والوسط الثقافي ورجال الأعمال.. إلخ.

 

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأحد، 31-07-2022 11:44 م
*** لم يكتف الانقلابيون بحظر النشاط السياسي بمعناه المباشر كالترشح في انتخابات المجلس التشريعي، لقصره على اتباعهم من عبدة البيادة، بل توسعت جرائمهم إلى الاستيلاء على أموال آلاف من الجمعيات الخيرية والمستشفيات والمدارس، وتعداه إلى منع حلقات تلاوة القرآن وتحفيظه والاعتكاف في المساجد، بل والاستيلاء على صناديق جمع الصدقات والزكاة التي كانت تتم تحت إشراف موظفي الأوقاف ومجالس إدارات المساجد، وتم تأميم كل وسائل الإعلام حتى لا تنطق إلا بما يمجد من شأن أقزامهم وعملائهم، ويعظم من إنجازاتهم الوهمية، ويروج لأحاديث الإفك عن من فضح إجرامهم، كما فرض الحراسة على انشطة النقابات المهنية وأوقف انتخابات العديد منها، وعرقل انتخاب المجالس المحلية، وتوسع في الاعتقالات العشوائية إخافة لكل جماهير الشعب المصري، وجند قضاة معينين بالأسم من أزلامهم من العسكريين والمدنيين، لتلفيق اتهامات كاذبة، وإصدار أحكام ظالمة على تهم مطاطة، تتسع للزج بكل الشعب المصري في المعتقلات إن استطاعوا، ومثل تلك الإجراءات القمعية لم تقتصر على الإخوان المسلمين وحزبها السياسي، الذي جرموه بتهمة الإرهاب الكاذبة، بل عانى من التنكيل كل التيارات السياسية والشخصيات العامة بلا استثناء، في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والدينية والخيرية، فالأمر أهم وأخطر وأوسع نطاقاُ عن ما يصيب جماعة الإخوان وأعضاءها، بل يتعداه إلى عموم الشعب المصري، الذي تنهب ثرواته ويتنازل عن أراضيه، وتهاجم عقائده وتشوه هويته وانتماءه الوطني، لتحويل الشعب إلى مسوخ يسهل السيطرة عليها، ويتم إفقار أبناءه بمنهجية متعمدة لإضعافهم، بإغراق الدولة في الديون الأجنبية والمحلية، وقمع كل الوطنيين الشرفاء بلا تمييز، مع الإغداق على العملاء والأتباع وتمكينهم من مفاصل السلطة، ولم تكن الأمور بأوضح مما عليه اليوم، فالمستهدف هو كل الشعب المصري بكل فئاته، والانقلاب قد أغلق كل المنافذ، ولم يعد هناك إلا طريقاُ واحداُ، فإما هم وإما نحن، فهي معركة مصير، والموجة الثورية الثانية قد اقتربت، وستكون أكثر عنفاُ ووعياُ من سابقتها، وأقرب إلى تحقيق اهدافها، والله أعلم بعباده، (وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ ?لْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).