ملفات وتقارير

سلسلة جرائم تنذر بخلل مجتمعي في مصر.. ما الأسباب؟

هزت مصر جريمة قتل مروعة حين قام طالب بذبح زميلته أمام الجميع في حرم الجامعة- الأناضول
هزت مصر جريمة قتل مروعة حين قام طالب بذبح زميلته أمام الجميع في حرم الجامعة- الأناضول

لا يكاد يمر يوم لا تنشر فيه الصحف والمواقع المحلية عشرات الأخبار عن جرائم عنف بالشارع المصري، ما بين شجار أفضى إلى موت واعتداء بآلات حادة وقتل عمد بسلاح أبيض، حتى وصل الأمر حد الذبح وسط المارة في وضح النهار، ما يدفع للتساؤل عن أسباب تفاقم معدلات الجريمة بالمجتمع المصري.


آخر تلك الجرائم المروعة كان الاثنين الماضي، حينما ذبح شاب جامعي، زميلته الطالبة نيرة أشرف، أمام حرم جامعة المنصورة (وسط الدلتا) وفي وضح النهار.

وفي اليوم ذاته، طعن زوج زوجته بسكين في صدرها ورقبتها، قبل أن ينهال عليها به ضربا حتى فارقت الحياة، كما شهد اليوم ذاته جريمة قتل شقيق عشريني لشقيقته الثلاثينية ذبحا في رقبتها بسكين أبيض، في قرية قامولا التابعة للقرنة غربي الأقصر (صعيد مصر).

 

وفي 18 حزيران/ يونيو الجاري، شهدت مدينة الفيوم (جنوب غربي القاهرة) جريمة قتل أخ لأخته العشرينية.

 

وفي 30 أيار/ مايو الماضي، شهدت محافظة الدقهلية جريمة قتل أم لأبنائها الثلاثة الصغار، قبل محاولتها الانتحار أسفل جرار زراعي.

 

اقرأ أيضا: تفاصيل جديدة حول جريمة ذبح طالبة أمام جامعة المنصورة بمصر
 

ورغم أن العقوبات دائما ما تكون الإعدام، أو المؤبد، إلا أن الجرائم تتواصل بشكل متزايد لا سيما في الأشهر الأخيرة الماضية، ما يثير التساؤل عن أسباب تفاقم معدلات الجريمة في المجتمع المصري.


"أرقام مفزعة"

ووفق تصنيف موسوعة قاعدة البيانات العالمية (NUMBEO) التي تهتم بتقييم مستوى الجريمة ودرجة الأمان في دول العالم، تأتي مصر بالمركز الـ65 عالميا والمركز الـ19 أفريقيا والثالث عربيا بعد ليبيا والجزائر بمعدلات الجرائم بين الدول، وفق إحصائية منتصف 2022.

وفي رصده للعنف ضد المرأة والطفل عام 2020، أكد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، في دراسته الصادرة عام 2021، أن القتل والشروع فيه يأتيان بمقدمة جرائم العنف بـ173 حالة، تلتها الجرائم الجنسية بـ38 حالة.


وفي الوقت الذي زادت فيه معدلات جرائم القتل العمد في مصر بنسبة 130 بالمئة، وفق تقرير لقطاع مصلحة الأمن العام حول معدلات الجريمة في مصر عام 2018، أشارت دراسة للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية (حكومي) عام 2016، إلى دوافع تلك الزيادة.


الدراسة أكدت أن القتل الأسري يشكل من ربع إلى ثلث إجمالي جرائم القتل، وأن 92 بالمئة من الجرائم بدافع "العرض أو الشرف"، لافتة إلى دور العوامل الاقتصادية، موضحة أن 70 بالمئة من الجرائم ارتكبها أزواج ضد زوجاتهم، و20 بالمئة ارتكبها أشقاء ضد شقيقاتهم، وارتكب الآباء 7 بالمئة ضد بناتهم، و3 بالمئة من الأبناء ضد أمهاتهم، بحسب تقرير لصحيفة "النبأ" المحلية.

 

اقرأ أيضا: مصر أمام خيارين.. إما دعم اقتصادي أو الفوضى والمهاجرين

وفي العام 2019، أصدرت وزارة الداخلية المصرية تقريرا عن أسباب ارتفاع معدلات الجريمة، وأرجعها إلى انتشار الأسلحة النارية، والإفراج عن كثير من العناصر الإجرامية، وشيوع ظاهرة العنف الاجتماعي، والتأثيرات الناجمة عن الأفلام والمسلسلات، والظروف الاقتصادية والمتغيرات المحيطة بالدولة.

"مسؤولية النظام"

من جانبه كشف الباحث المصري مصطفى خضري، عن أحدث الإحصائيات وأهم الأرقام المتاحة لدى المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، والتي تخص جانبا آخر من ظاهرة العنف المجتمعي في مصر.

الإحصاءات التي تضمنها التقرير نصف السنوي للمركز منتصف حزيران/ يونيو 2022، أكدت أن "هناك ما يقارب الـ840 حالة عنف جسدي في الساعة تتم في مصر، ربعها تقريبا موجهة من رجال الشرطة تجاه المواطنين"، مبينا أن "45 بالمئة منها ينتج عنها إصابات جسدية، و8 بالمئة منها ينتج عنها حالات عجز جزئي أو كلي".


ولفت خضري، إلى أنه "من المثير للدهشة أن ثلثي تلك الحوادث لا توثق رسميا".

وفي قراءته التحليلية للخلل المجتمعي الحادث في مصر والذي تؤكده جرائم القتل ذبحا في الشارع المصري، قال الخبير في التحليل المعلوماتي: "لكل مجتمع أوقات يزدهر فيها وأخرى يعاني فيها من الانحدار".

ويرى أنه "عندما تنحدر المجتمعات وتضمحل؛ فإنه يطفو على سطحها الكثير من الصفات المتدنية والأحداث الشاذة نتيجة تأثر العقل الجمعي بالبيئة المحيطة به، كما يحدث حاليا بمصر".

ويعتقد أن "المجتمع المصري حاليا يمر بمرحلة من مراحل التدني والانحدار نتيجة لعدة عوامل، أهمها أن النظام الحاكم يفتقد لأدنى المعايير الأخلاقية في سلوكه وخطواته وأهدافه" على حد وصفه.

وتابع: "حيث أصبح الراعي الرسمي للعنف الممنهج، بدءا من مجازر (رابعة) و(النهضة) وأخواتهما ومرورا بالتصفية الجسدية لمعارضيه خارج نطاق القانون، ونهاية بتبني هذا النهج في ما يصدره للإعلام من أعمال فنية وممثلين وإعلاميين وغيرهم ممن مردوا على النفاق والبلطجة والتدني الأخلاقي".

أسباب متعددة

وفي قراءته القانونية لأسباب انتشار الجريمة بهذه الطريقة العنيفة وذبحا في وضح النهار، قال المحامي بالنقض والدستورية والإدارية العليا‏ ‏نبيل زكي: "هناك أسباب كثيرة ومتعددة، وهي ليست بمستغربة حاليا في مصر".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "من أهم الأسباب نظام التعليم الذي أصبح مجرد شهادة فقط للعمل، وبدون تعليم حقيقي ولا تربية ولا دين وأخلاق"، مشيرا كذلك إلى أن "من الأسباب المهمة الحالة الاقتصادية والحالة السياسية".

وفي رؤيته للحل الأمثل لاستعادة الأمان في المجتمع في ظل عجز القانون عن منع تلك الجرائم رغم الأحكام التي تصل في الغالب إلى الأعدام، يرى زكي، أن "المشكلة ليست في القانون فهو موجود ومُغلظ، والحل يتمثل في سرعة تطبيقه".

وختم حديثه بالتأكيد على ضرورة "إصلاح المجتمع المصري بإصلاح التعليم، واستعادة القيم والأخلاق، ونشر الثقافة العامة للمجتمع، وذلك قبل دور القانون".

 

اقرأ أيضا: كشف تفاصيل جريمة مروعة بحق عائلة من 5 أفراد بمصر

"مفزعة لكن فردية"

وترى الكاتبة الصحفية المهتمة بشؤون الأسرة ناهد إمام، أن تلك الجرائم "تبقى حالات خاصة بأصحابها، ونحن مجتمع كبير متنوع كالفسيفساء، 100 مليون وهذه حالات تعد على الأصابع، نعم هي مفزعة لكنها لا تصم المجتمع".


وفي حديثها لـ"عربي21"، أكدت أن "ما يساعد على الذيوع هو وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك فإننا نشعر بأنها كثيرة وكأن المجتمع كله أصبح هكذا"، لافتة إلى أنه "بحسب علوم الصحة والإرشاد النفسي فإن هذه حالات أصحابها غير أصحاء نفسيا".

وقالت إن "الوصول للعنف بهذه الصورة المروعة إشارة قوية إلى اضطرابات نفسية عميقة وضاربة في العمق، ونظرا لوجود جهل نفسي وتربوي ضارب في العمق أيضا فلا يعلم المضطرب أنه (مضطرب) وأنه ليس شخصا طبيعيا، ولا يعلم من يتعاملون معه أنه هكذا".

إمام، تعتقد أنه "غالبا ما يكون الوسط المحيط بالمضطرب نفسيا مريضا مثله، فالعلاقة تبادلية، هم أشخاص أمرضوا بعضهم البعض، ما نتج عنه (شخصيات مشوهة) لا يتوقع منها سوى نسج (علاقات مشوهة)".

وتابعت: "لذا فإننا نجد الأم المصابة بالاكتئاب الحاد المختلط بالقلق المرضي تقتل أولادها، ونجد الشخص المتعلق مرضيا بفتاة يدفعه (الهوس) إلى قتلها"، وفق الكاتبة المصرية التي أكدت أن "هذه السلوكيات الإجرامية نتيجة لشخصية مشوهة تحمل أفكارا خاطئة وتنتج مشاعر مشوهة ومتضاربة، وهكذا فإنها علاقات ودائرة مفرغة من التشوه في الأفكار والمشاعر والسلوك".

وختمت قائلة: "الصحيح هو تشخيص كل حالة على حدة لمعرفة جذور الأزمة النفسية لديها منذ الطفولة، فلا شيء يأتي هكذا بدون جذور وأصول للاضطراب، أضف له الضغوط الحياتية وكيفية تعامله معها وتصوراته عن نفسه ونظرته لها ولعلاقاته وللحياة".

التعليقات (1)
منذر
الخميس، 23-06-2022 10:54 ص
الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها