مقالات مختارة

نقاش فى باكستان حول احتمالات الاعتراف بإسرائيل

أحمد فاضل يعقوب
1300x600
1300x600

أثير في باكستان، خلال الأسبوعين الماضيين، ردود فعل غاضبة على ما أعلنه الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ في 26 مايو 2022 من أن إسرائيل قد استقبلت وفدا من الباكستانيين الذين يعيشون في الخارج، ووصفه هذه الزيارة بأنها أمر رائع وتعكس تغييرا كبيرا في العالم الإسلامي تجاه إسرائيل. كما كان من بين ردود الفعل أن فتح النقاش كذلك حول احتمالات اعتراف باكستان بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، فبالإضافة لتصريحات من شاركوا في الزيارة تلك من الباكستانيين تأييدا لتطوير العلاقات مع إسرائيل، فقد نشرت صحيفة Dawn الباكستانية العريقة بتاريخ 15 يونيو الجاري مقالا لأحد الكتاب أيد فيه اعتراف باكستان بإسرائيل باعتباره لا ضرر منه ومركزا على بعض أوجه التشابه في نشأة الدولتين.

وقد كان من أبرز ردود الفعل الغاضبة حول هذه الزيارة ما جاء على لسان رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان، الذى اتهم الحكومة الباكستانية الحالية برئاسة خلفه شهباز شريف بأنها حكومة عميلة للولايات المتحدة، ولذلك فإنها تعتزم الاعتراف بإسرائيل، بالإضافة إلى توقيع اتفاق مع الهند على حساب الكشميريين. أما على المستوى الرسمي الحكومي فقد أصدرت الخارجية الباكستانية على الفور بيانا نفت فيه أن تكون هذه الزيارة، التي تحدث عنها الرئيس الإسرائيلي، تمثل وفدا رسميا بل قامت بها منظمتان غير حكوميتين مقرهما خارج باكستان، كما أكدت على موقفها التاريخي الثابت المؤيد للقضية الفلسطينية والذي لا يعترف بإسرائيل. وحينما تبين أن أحد المشاركين في الوفد الذي زار إسرائيل يعمل في التليفزيون الباكستاني، فقد أعلنت السلطات الباكستانية عن إقالته على الفور.

أدت هذه الواقعة وما أثارته من جدال، على المستويين السياسي والإعلامي في باكستان، إلى تكهنات في الإعلام الإسرائيلي حول احتمالات اعتراف باكستان بإسرائيل، فقد نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية مقالا لأحد كتاب الرأي في 6 يونيو الجاري تحدث فيه عن أن الظروف الحالية والتطورات السياسية في المنطقة العربية تجعل من مسألة اعتراف باكستان بإسرائيل أمرا حتميا. فهل بالفعل يمكن أن تعترف باكستان بإسرائيل في المرحلة الحالية؟ وللإجابة عن هذا السؤال يمكن أن نشير إلى ما يلى:

أولا: ليست هذه هي المرة الأولى التي تُثار فيها قضية العلاقات بين الدولتين في باكستان، أو تُثار شكوك حول اتصالات تمهيدية غير مباشرة وبشكل غير رسمي. وعلى سبيل المثال، فقد أثيرت هذه القضية أثناء الانتخابات البرلمانية الماضية والتي شارك فيها رئيس الوزراء السابق عمران خان وحزبه (PTI)، فمع إرهاصات فوز حزبه واحتمالات تشكيله للحكومة، تطرق البعض لفرص بدء اتصالات أو علاقات بين البلدين على خلفية زواج عمران خان سابقا من السيدة اليهودية «خميما جولدسميث» Jemima Goldsmith والتي لديه منها أبناء، ولا يزال يحتفظ بعلاقات ودية معها ومع عائلتها اليهودية. حيث كانت السيدة «خميما» تشيد بزوجها السابق وتثني عليه في أحاديثها للإعلام، كما عبرت بعد ذلك عن سعادتها لوصوله لمنصب رئيس الوزراء، على عكس موقف إحدى زوجاته السابقات الباكستانيات المسلمات، والتي أصدرت كتابا، أثناء حملته الانتخابية، أساءت فيه لشخصه ولأسرته، وتناولت حياتهما الخاصة بشكل سلبي! ثم أثير موضوع العلاقات بين باكستان وإسرائيل مرة ثانية خلال فترة حكم عمران خان، وتحديدا في أكتوبر عام 2018، حيث تناول الإعلام الباكستاني أنباء عن هبوط طائرة مدنية إسرائيلية في أحد مطارات باكستان لعدة ساعات، وقيل إنها كانت تحمل مجموعة من رجال الأعمال الإسرائيليين. وأدى ذلك لانتقادات واسعة لحكومة عمران خان التي نفت تماما حدوث ذلك. ثم أثير نفس الموضوع للمرة الثالثة في يونيو 2021، حيث نقلت بعض الصحف الباكستانية عن مصادر إعلامية إسرائيلية أن مستشارا لدولة إسلامية كبرى قد زار إسرائيل بجواز سفر بريطاني في ديسمبر 2020، وأنه قد التقى رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، وأن الهدف من الزيارة كان نقل رسالة شفاهية من قيادة هذه الدولة الإسلامية إلى إسرائيل. وتكهنت بعض الصحف الباكستانية بأن من قام بهذه الزيارة هو المستشار السابق لعمران خان ذولقي بخاري، وهو ما نفاه بخاري نفسه كما نفته الحكومة الباكستانية كذلك. ووصف رئيس الوزراء هذه الأخبار بأنها زائفة، كما نفاه وزير الخارجية حينذاك محمود قريشي.

ثانيا: يُلاحَظ كذلك أنه عقب كل تطور يؤدي إلى اعتراف دول عربية بإسرائيل يحدث جدال في باكستان، أحيانا خافتا وفي أحيان أخرى صاخبا، حول احتمالات قيام باكستان بتحول على سياستها التاريخية إزاء إسرائيل والاعتراف بها. فقد حدث هذا الجدال عقب اتفاقيات كامب ديفيد في أواخر سبعينيات القرن الماضي، ثم تكرر هذا النقاش عقب اتفاقيات أوسلو في منتصف التسعينيات، كما تكرر كذلك أخيرا عقب توقيع ما سُمى بالاتفاقيات الإبراهيمية والتي تضمنت اعتراف أربع دول عربية بإسرائيل وتطبيعا كاملا معها، وهي الإمارات والبحرين في 15 سبتمبر 2020، والسودان في 23 أكتوبر 2020، والمغرب في 10 ديسمبر 2020، إضافة إلى ما يروج له الإعلام الغربي والإسرائيلي من احتمالات قيام دولة عربية كبرى إضافية باعترافها بإسرائيل قريبا. وعقب كل حدث من هذه التطورات، كانت باكستان تؤكد دوما على موقفها الثابت والتاريخي المتمثل في عدم الاعتراف بإسرائيل إلا في إطار قيام الدولة الفلسطينية المستقلة القادرة، وعاصمتها القدس الشريف، على حدود ما قبل 5 يونيو 1967.

هنا نذكِر بأن الموقف الباكستاني من إسرائيل يعود إلى ما قبل نشأة الدولتين وبداية من وعد بلفور في 1917، حيث رفض تنظيم (رابطة كل مسلمي الهند) بقيادة محمد على جناح الذي يُعَد الأب المؤسس لباكستان وعد بلفور، كما رفضه كذلك المهاتما غاندي وحزب المؤتمر الهندي. أما الاهتمام الإسرائيلي بباكستان فيعود كذلك إلى نفس المرحلة، حيث إنه من الثابت تاريخيا أن بن جوريون حاول التراسل أكثر من مرة مع على جناح بلا رد من الأخير، وفور انضمام باكستان للأمم المتحدة عام 1947 رفضت قرار تقسيم فلسطين وكانت مشاركة من خلال وزير خارجيتها ظافر الله خان في لجنة الأمم المتحدة حول فلسطين ثم رأستها. كما صوتت ضد انضمام إسرائيل للأمم المتحدة، وظل هذا الموقف حاكما للسياسة الخارجية الباكستانية منذ نشأة الدولة الباكستانية قبل 75 عاما، ويوجد شبه إجماع وطني من كافة فئات الشعب بأحزابه التاريخية ومؤسساته الأمنية حول هذه السياسة. وإن كان هذا الموقف لم يمنع حدوث بعض اللقاءات أو الاتصالات العلنية المتفرقة، ولكنها لم تكن إطلاقا بهدف الاعتراف. ومن ذلك لقاء وزيري خارجية البلدين في إسطنبول عام 2005، كما حدثت مصافحة شهيرة في نفس العام في تركيا كذلك بين الجنرال برفيز مشرف رئيس باكستان والجنرال إريل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وعادةَ ما يشير مؤيدو اعتراف باكستان بإسرائيل، سواء من الباكستانيين أو الإسرائيليين أو غيرهم، إلى وجود وجوه تشابه متعددة بينهما منها:

1ــ أن كلتا الدولتين نشأتا في فترة زمنية واحدة، فقد نشأت باكستان في 1947، ونشأت إسرائيل في العام التالي 1948.

2ــ استناد كل منهما للعامل الديني في النشأة، فقد نشأت إسرائيل كوطن قومي لليهود من كل دول العالم، ونشأت باكستان كدولة لمسلمي الهند، ولكن هؤلاء يتجاهلون أن نشأة باكستان لم تكن لكل مسلمي العالم، ولا حتى لكل مسلمي الهند، بل نشأت للمسلمين الذين يشكلون أغلبية في المناطق التي يتواجدون فيها فقط، كما كانوا جزءا أصيلا من سكان هذه المناطق، سواء في باكستان الشرقية التي أصبحت بنجلاديش في 1972، أو باكستان الغربية (باكستان الحالية)، بل وظل باقي مسلمي الهند كما هم في باقي المناطق الأخرى كجزء من الدولة الهندية إلى الآن.

3ــ أن لكلٍ منهما برنامجا نوويا عسكريا، ولكن البرنامج النووي الباكستاني نشأ أساسا في سبعينيات القرن الماضي ردا على السبق النووي الهندي وإجراء الهند لأول تجربة تفجير نووي، على حين أن البرنامج النووي الإسرائيلي نشأ بدون وجود أي حالة لسباق نووي في المنطقة.

ويبقى التساؤل في ضوء ما هو مُثار من جدال والتطورات في المنطقة العربية، هل يُتوقع قيام باكستان بالاعتراف بإسرائيل في المستقبل القريب كما يرى المؤيدون والمشجعون على ذلك في الجانبين؟ سؤال سنسعى للإجابة عليه في المقال القادم.

 

 

(الشروق المصرية)

0
التعليقات (0)