قضايا وآراء

أزمة التضخم العالمي

أشرف دوابة
1300x600
1300x600

يعيش العالم أزمة حقيقية من خلال ارتفاع معدلات التضخم لأرقام قياسية، وأصبح هذا الارتفاع ظاهرة تعاني منها دول العالم، وفي مقدمة ذلك القوى الكبرى. فقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تسارعا لمعدل التضخم إلى أعلى مستوى له في 40 عاما خلال شهر أيار/ مايو الماضي، حيث ارتفعت أسعار المستهلكين إلى 8.6 في المائة، وهو أعلى معدل منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 1981م، وهذا ما يعني بصورة كبيرة التوجه نحو رفع سعر الفائدة.

ولا يختلف الأمر في دول الاتحاد الأوروبي حيث سجل التضخم في منطقة اليورو 8.1 في المائة في أيار/ مايو الماضي، أي ما يزيد بأكثر من أربعة أضعاف المستهدف الرسمي. وقد أعلن البنك المركزي الأوروبي عن توجهه لرفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه في تموز/ يوليو القادم، وتوقع زيادة الفائدة مرة أخرى في اجتماع أيلول/ سبتمبر القادم. كما خفض البنك تقديراته للنمو بمنطقة اليورو إلى 2.8 في المائة هذا العام و2.1 في المائة في عام 2023م، بينما عدل تقديراته للنمو بالرفع إلى 2.1 في المائة في عام 2024م. وتوقع وصول التضخم السنوي في منطقة اليورو إلى 6.8 في المائة في عام 2022 مقارنة بتوقعاته السابقة الصادرة في آذار/ مارس والبالغة 5.1 في المائة، كما قدر وصول التضخم إلى 3.5 في المائة في عام 2023م و2.1 في المائة في عام 2024م. وقال البنك إن التضخم المرتفع يعد تحديا رئيسيا لنا جميعا، ومجلس الإدارة سيتأكد من عودة التضخم إلى مستهدفه عند 2 في المائة على المدى المتوسط.

كما بلغ التضخم في تركيا في أيار/ مايو الماضي 73.5 في المائة على أساس سنوي، ومقارنة بـ69.97 في المائة في الشهر السابق، وفقا لبيانات المعهد الوطني للإحصاء، ليبلغ أعلى مستوى له في 24 عاما. وفي الوقت نفسه تشهد الليرة التركية تراجعا ملحوظا، فمنذ مطلع أيار/ مايو الماضي تراجعت الليرة مقابل الدولار بنحو 16 في المائة.

الواقع يثبت أن التضخم الذي يعيشه العالم هو تضخم مصدره الأساسي جانب العرض (الإنتاج) وليس الطلب (الدخل أو الإنفاق)، وقد أصبح أزمة عالمية يعاني منها القوي والضعيف. وقد كان للحرب الروسية الأوكرانية الدور الأكبر في إحداث هذه الأزمة

وفي مصر بلغ   السنوي في المدن المصرية في أيار/ مايو الماضي 13.5 في المائة، مقارنة بـ13.1 في المائة في الشهر السابق، بحسب البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو أعلى مستوى للتضخم منذ ثلاث سنوات، وزاد من الأمر سوءا انخفاض قيمة الجنيه المصري بأكثر من 19 في المائة.

إن الواقع يثبت أن التضخم الذي يعيشه العالم هو تضخم مصدره الأساسي جانب العرض (الإنتاج) وليس الطلب (الدخل أو الإنفاق)، وقد أصبح أزمة عالمية يعاني منها القوي والضعيف. وقد كان للحرب الروسية الأوكرانية الدور الأكبر في إحداث هذه الأزمة، فقد اشتعلت شرارة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في ظل الدور المحوري الذي تمثله أوكرانيا في صادرات الغذاء العالمية، ومن ناحية أخري ارتفعت أسعار النفط في ظل العقوبات على صادرات النفط من روسيا، وتعافي الطلب تدريجيا في الصين، ومستويات المخزونات المنخفضة.

إن الولايات المتحدة بفعل التضخم أصبحت في أزمة، واتجاهها لرفع سعر الفائدة للتخفيف من حدة التضخم سيكون له تأثير سلبي على الدول الأخرى التي تعاني من ويلات التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية، مثل تركيا ومصر، حيث سيزيد ذلك تكلفة الاقتراض، ويفتح الباب للمزيد من الأموال الساخنة للهروب بحثا عن العائد الأمريكي، وهو ما يمثل ضغطا على العملة المحلية ويغذي التضخم في تلك الدول.
أزمة التضخم من أقسى الأزمات العالمية على الأفراد لأنه معه تسرق أموالهم بانخفاض قوتها الشرائية، وتحيط بهم الصعوبات في تلبية حاجاتهم، وتنتقل معه فئة من الأفراد إلى ما دون خط الفقر، وهو ما يحتم أهمية إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية وزيادة المعروض من النفط

كما أن ما تشهده تركيا من انفلات في أسعار العقارات تمليكا وإيجارا هو آفة كبرى مغذية للتضخم، وهو الأمر الذي يحتاج لقرار سيادي لضبط هذه الفقاعة العقارية لتنفيذ الحدود القصوى المقررة للارتفاع في إيجارات العقارات المؤجرة، مع تدخل الدولة بعرض وحدات سكنية وأراض بأسعار مناسبة، بعيدا عن نظام المزادات التي أقرته الحكومة للشركات العقارية الحكومية وكانت سببا رئيسا في تغذية التضخم، رغم الميزة النسبية للصادرات التركية في ظل انخفاض العملة المحلية.

ومن جانب آخر فإن ارتفاع المواد الغذائية التي لا غنى للناس عنها فضلا عن ارتفاع أسعار النفط عزز من التضخم، وقد برز ذلك واضحا لأسعار الطاقة بصفة خاصة في أمريكا وأوروبا وتركيا، ولم تنج من ذلك الدول الريعية المصدرة للنفط، حيث أصابها التضخم المستورد نتيجة لاعتمادها على غيرها في تلبية حاجاتها.

إن أزمة التضخم من أقسى الأزمات العالمية على الأفراد لأنه معه تسرق أموالهم بانخفاض قوتها الشرائية، وتحيط بهم الصعوبات في تلبية حاجاتهم، وتنتقل معه فئة من الأفراد إلى ما دون خط الفقر، وهو ما يحتم أهمية إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية وزيادة المعروض من النفط، وسعي الدول للاعتماد على ذاتها في تلبية حاجتها لا سيما من السلع الأساسية، وتعزيز صادراتها وترشيد واردتها.

 

twitter.com/drdawaba

التعليقات (0)